ولد في مدينة الناصرة، سنة 1929، وتوفي 1994، شاعر، وسياسيّ، ومناضل فلسطيني ثوري، وقد بلغت ثورته حدّ التحريض والدعوة الصريحة إلى القتال والمواجهة وجهًا لوجه. درس الأدب السوفيتي في موسكو، كان عضوا في الحزب الشيوعي راكاح، وبسبب نشاطه السياسيّ، تعرّض للاعتداء والاغتيال.
ومن دواوينه الشعرية: أشدّ على أياديكم (1966)، ادفنوا موتاكم وانهضوا (1969)، أغنيات الثورة والغضب (1969)، كلمات مقاتلة (1970)، وغيرها. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن كثيرًا من شعره كونه ذا طابع ثوري تحريضي، قد لُحِّنَ وغُنِّيَ، الأمر الذي جعل أجيال القرن الماضي يحفظه، وعلى سبيل الذكر لا الحصر؛ مازالت أغنية "أناديكم..أشد على أياديكم"، التي قام بأدائها أحمد قعبور، محفورة في الذاكرة، يتناقلها أبناء هذا الجيل.
تتوزّع المجموعة الشعرية في كلمات مقاتلة على خمس وثلاثين قصيدة، وتفضلت مطبعة (أبو رحمون) في عكّا بنشرها، سنة 1994م، وقد راوحت القصائد بين النمطين: القصير والطويل في الشكل الشّعري عن قصيدة التفعيلة.
ولا ريب، أنّ هذه القصائد، كانت تمثل بالنّسبة إلى توفيق زيّاد تاريخًا على المستوى الشخصي والجمعي معًا، وما يؤكد هذا الاستنتاج، في أنّ غالبية القصائد موقعة بتاريخ.
إنّ الكلمة الحرّة والصّادقة لا تقل أهمية وقوّة عن السّلاح، وتترك أثرًا كبيرًا في النّفس، خاصة إذا كانت تمس جوهر الشّرط الإنسانيّ والجمعي، وكثيرًا ما دفع الكتّاب والأدباء ضريبة هذه الكلمة، إمّا بالاعتقال أو بالاغتيال.
لهذا، فإنّ الكلمة أداة فاعلة، وقوّة مؤثرة، اضطر توفيق زيّاد البقاء في وطنه وأرضه؛ وفاءً لها، وحفاظا على شرف الحرف.
مما يلفت انتباهنا، في قصائد توفيق زيّاد، الواقعيّة الاشتراكيّة، ومن مظاهرها، الإحساس العميق بالمسؤولية، في الالتزام الكامل والواعي بالقضايا الإنسانية والوطنية، منطلقا من الذاتي إلى الكوني والعالميّ، ومن الأخصّ إلى الأعمّ، ليغدو النص الشعري وثيقة وشاهدا وتعبيرا عن عمق المضامين الإنسانيّة.
بالرغم من أنّ النصوص الشعرية، التي يقدمها توفيق زيّاد، أشياء عادية في مفردات يومية، إلّا أنها تشير إلى دلالات عميقة، تمنح النّص الشعري بعدًا فكريًا وفلسفيًا، وإليكم طائفة من المقاطع الشّعريّة، اخترناها من ديوانه الموسوم بـ كلمات مقاتلة، التي تعبّر عن واقع الإنسان، بتقلبات حالاته وأحواله.
على أنّ من المهم الإشارة إلى أنّ النصوص الشعرية المطروحة في هذا الديوان، هي في الحقيقة نصوص مواجهة، بحيث تتمثل المواجهة بالخطاب الفكري والمعرفيّ، وهذا ما يعبّر عنه توفيق زيّاد كما في قوله:
"كُلّ ما تجلبهُ الريحْ
ستذروهُ العواصف
والذي يغتصب الغير
يعيش العمرَ خائف..!!".
يترجم توفيق زيّاد كلماته المقاتلة بالأفكار والمعارف، وبذلك تصبح الكلمات من منظور النصّ بديلا عن المواجهة الجسدية.
في قصيدة "كيف" يدين توفيق زيّاد مغتصبي الأرض، الذين لا يحمون حقا، ولا يقيمون عدلا:
"إنّ من يسلب حقا
بالقتال
كيف يحمي حقّه يومًا
إذا الميزانُ مال.."
إنّ انشغال توفيق زيّاد بالهمّ الجمعي، انعكس على تجربته الشعرية، بحيث تتماهى ذاته مع الآخر، الذي يرزح تحت وطأة الجوع، والفقر، والحرمان، وهذا تمامًا ما نجده في القصيدة الموسومة بـ "الذي أملك":
"أنا لا أملك حتّى خبز يومي
وأنا بالكادِ أشبع
إنّما أملكُ إيماني الّذي لا يتزعزع
وهوى يكتسح الكونَ لشعبٍ يتوجّع"(1).
تتراوح الذّات الشاعرة في النصّ الشعري بين الشخصي والجمعي؛ سعيًا إلى التعبير عن الواقع المتخم بالتعاسة والشقاء.
وبالمحصلة، ينطلق توفيق زيّاد في خطابه الشعري من الواقع، إضافة إلى أنّ نصوصه الشّعريّة اتسمت بالمواجهة والمكاشفة، حيث شكّل نصّ المواجهة ملمحًا أساسيا في تجربة توفيق زيّاد الشّعرية.
المصادر:
(1) توفيق زيّاد: كلمات مقاتلة، ط2 ـ 1994، مطبعة أبو رحمون، عكا.
نديم محمّد: شاعر الحبّ والمعاناة والكبرياء والألم
التشكيل الأسلوبي والمعرفي في شعر علي الفزّاع