فنان تشكيلي أردني يرسم لفلسطين وللمقاومة بشغف وحب لا مثيل لهما، حتى يكاد البعض يعتقد أنه ولد وعاش وكبر في المخيم مع أنه ابن مدينة إربد شمال الأردن ومن عائلة معروفة بمواقفها الوطنية والقومية المحفورة في ذاكرته كما لو أنها حدثت بالأمس.
يعتبر نفسها صديقا للأسرى والشهداء يقول: "وكم من شهيد على أرض فلسطين تربطني به علاقات فنية عبر الإنترنت!".
يقول الفنان التشكيلي ورسام البورتريه عمر البدور إن بداياته الفنية كانت منذ أن وعى على هذه الدنيا حين كان يرى جده وهو يتلاعب في "المهابيش" يمينا وشمالا ويزخرفها وينقشها ويحفرها، وبعدها والده كان يرسم ويخطط، حينها بدأ بـ"تسويد" دفاتره بما تيسر له من أقلام في البيت والمدرسة فلم يكن يخلو كتاب أو دفتر من رسوماته.
يقول البدور في حديث خاص لـ"عربي21": "نحن عائلة فنية فقد كان أخي الأكبر يرسم أيضا منذ الصغر وأخي الآخر يرسم ويخطط وأختي ترسم وأختي الأخرى ترسم وكثير من العائلة لا أستطيع حصرهم الآن يرسمون وابنتي ترسم حاليا".
وحين وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا كان يومها في الثانوية العامة تألم كثيرا وعمل حوالي عشرين لوحة بأقلام الفحم الأسود وعرض لوحاته في مدرسته الثانوية بالزرقاء، معتبرت أن هذه المحاولة هي أول معرض شخصي له، وربما معرضه الشخصي الوحيد حيث اقتصرت مشاركته فيما بعد على المعارض الجماعية وخاصة مع جمعية الفن التشكيلي.
هذا المعرض فتح عينيه على شخصيته الفنية والثقافية ثقافته فبدأ يرسم على الكمبيوتر وينشر الكاريكاتير عبر صحيفة "السبيل" الأردنية الأسبوعية منذ عام 1996 كمصمم ومخرج صحفي ومن ثم رسام كاريكاتير.
ثم عمل في "بيت الأفكار الدولية" مسؤولا قسم التصميم وأنجز الكثير من أغلفة الكتب المترجمة، انتقل بعدها إلى المملكة العربية السعودية مسؤولا في قسم التصميم في عدة شركات، ومنها انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة لمدة 13 عاما كان خلالها يواصل عمله كرسام في صحيفة "السبيل" حتى عودته عام 2013 للعمل في "السبيل" اليومية بشكل رسمي حتى أغلقت رسميا بداية العام الحالي.
نوع البدور في مجال الرسم والإبداع فعمل في مجالات فنية مختلفة من بينها تصميم الإعلانات و"البوسترات" والأعمال الفنية التي تصور المقاومة في فلسطين وكنت رديفا فنيا على الأرض لأعمال المقاومة والانتفاضة ومسيرات العودة وحروب غزة وحصار الضفة الغربية والجدار العازل.
وتوالت معارضه الفنية حول غزة والقدس وكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية مع بدايات عام 2007 في عدة دول عربية من بينها الكويت وقطر والإمارات.
وشارك في هذه المعارض مع "جمعية المرسم الجوال" والتي كان من مؤسسيها ومن مؤسسي "معرض فلسطين حكاية ولون الدولي" والذي تنقل به مع لوحات الفنانين في دول العالم.
يقول البدور: "لوحاتي واضحة خاصة ما يخص القضية الفلسطينية فأنا أرسم للقضية بأسلوب واقعي بعيدا عن التجريد وما لا يمكن فهمه، لكن هناك لوحات فكرية إنسانية أعمل عليها عادة هي تتحدث عن واقع فكري مزري كما حصل بأعمالي الأخيرة حول وباء كورونا".
وحول اشتباكه اليومي مع الهم والواقع الفلسطيني يؤكد البدور أن علاقته بالقضية بدأت على نحو مبكر. يقول: "تربيت في بيت جدي على الأصالة العربية، قلتها وأعيدها في كل موقع ومكان، جدي علمني معنى العروبة والنخوة والشهامة ومن بعده أبي الذي خدم في نابلس وأخي ولد في نابلس وكان كثيرا ما يترحم على أصدقائه في فلسطين وكان يتألم يوميا لما يحصل هناك وعلمنا وأرضعنا حب فلسطين، فكانت أولى لوحاتي هي مسدس المقاومة ، واستمرت مسيرتي مع القضية منذ 40 عاما وأنا على نفس الهدف".
يضيف: "فلسطين هي كياني، لا يهنأ لي بال ولا اهدأ طالما هي تحت نير الاحتلال، بيني وبين فلسطين قصة عشق عشتها طوال حياتي مع جيراني مع أصدقائي مع أول لوحة طبعتها على حسابي الخاص ووزعتها، مع انسجامي مع أية حركة أو جماعة تدعوا إلى تحرير فلسطين، سواء كانت فكرية أو دعوية أو مقاومة، فأنا على ثقة انه سيأتي ذلك اليوم الذي ستتحرر فيه فلسطين وسأكون أول المحررين إن كان في العمر بقية".
لكن ما هي رسالته الفنية في ما يتعلق بفلسطين؟ يجيب البدور: "رسالتي التي أنشرها في لوحاتي هي تعريف بالقضية وتعريف بالشهداء والأسرى ومن ضحوا في سبيل التحرير، في رسالتي اليومية أعتبر أن الفنان في وقتنا الحالي هو من يرسم فلسطين بكافة أشكالها الجمالية والتاريخية ونقل معاناة الشعب الفلسطيني من شهداء وأسرى وأمهات ثكلى وأيتام وحصار مستمر بحقهم وحق فلسطين بالتحرير، ولهذا فأنا أرى أن على كل فنان حر أن تكون فلسطين حاضرة في أعماله".
يعتبر البدور أن "النكسة هي كورونا العقل العربي، وهي نكسة العقول العربية بامتياز، يجب أن نعي واقعنا وتاريخنا لكي نستطيع أن نرسم طريق التحرير، "نكبة" ثم "نكسة" وخيانة تلو خيانة والعدو واحد، نكسة العقول أصعب من النكسات السابقة".
يتابع بقوله: "نحن لا نريد من يذكرنا بنكساتنا؛ لهذا تجد البعض عندما أرسم يقول لك يا أخي لماذا أنت متشائم؟!، لا يوجد عندك غير فلسطين!، ولماذا، ولماذا!، أنظر إلى الواقع وحاول ترسم الحلو، الحياة حلوة.. وأنا أقول لهم أنكم تطلبون مني أن أنتزع نفسي وروحي من واقعي، وألمي الذي يتجدد يوما بعد يوم، والبعض يريد مني تزوير واقعي ورسم بسمة على وجهي تعاكس ألمي الذي أرسمه في كل أعمالي، وهذا لا يعني أنني لست متفائلا فأنا أرى مع كل قطرة دم لشهيد فجر يسطع، ومع كل صرخة حر لطفل يقف أمام دبابة المحتل أمل وحياة، ولوحاتي وكلماتي لا تقارن بقطرة دم أو دمعة أم ثكلى على أبنائها في الشهداء وفي سجون المحتل، تريدون منا أن نساهم في تزوير الحقائق بالسكوت عنها كما قاموا بتزويرها في نكبة فلسطين ونكستها في هذه الأمة".
وحول فكرة "معرض القدس" وتطور الفكرة لـ"معرض فلسطين حكاية ولون" يقول:" كنت أسعى في البداية لعمل معرض فني كبير عن القدس وأتجول به في أنحاء العالم لكن كانت المشكلة المالية حاضرة دوما وتعطلني حتى نزلت الأردن قمنا مع مجموعة من الفنانين بتأسيس جمعية المرسم الجوال في الزرقاء".
وافتتح المعرض في المركز الثقافي الملكي في عمان عام 2015.
في نفس العام قام البدور بإعلان مرة أخرى عن المعرض لعرضه في تركيا فأقيم بالفعل مع أواخر عام 2015 وشارك فيه 46 فنان من الأردن وفلسطين والوطن العربي والعالم. انتقل بعدها إلى البوسنة والهرسك بمشاركة 46 فنانا، ومرة أخرى أقيم في تركيا بمشاركة فنية قياسية وصلت إلى أكثر من 50 فنانا.
وحول هذه التجربة يقول :" رجعنا إلى الأردن وقمنا بعمل توأمة لجمعية المرسم الجوال مع جمعية المرسم الفلسطيني الجوال وأثمرت شراكتنا عن معرض في فلسطين وكان الأضخم بمشاركة 90 فنانا في مدينة نابلس وبالتعاون مع جامعة النجاح الوطنية . ثم انتقل المعرض إلى السودان وبعدها إلى كندا بمشاركة 46 فنان وشاركنا الفنانين من كندا بهذه التظاهرة، وعدنا إلى الأردن بنفس المعرض مرة أخرى وتنقل في أربع محفظات في الأردن وعملنا نسخته الثامنة في الأردن".
ما الذي يبحث عنه الفنان التشكيلي البدور بعد كل هذه السنوات يقول:" أبحث عن طفل يفرح، وأم تزعرد، وابن يعانق، وامرأة تنتهي فترة طلاقها القسرية، هؤلاء هم أصدقائي أم الأسير وزوجة الأسير وأم الشهيد وابنه وأخته، وطفل غزة يفرح، وصلاة في المسجد الأقصى لكل محبي السلام، وعودة لفن راق لا تشوبه شائبة وجلسة فاخرة مع فنجان قهوة على مشارف القدس في حاكورة هناك اقتطعها لي من أحبوني وأحبوا أعمالي بعد التحرير بيوم واحد فقط ".
هل شارك المنتخب الفلسطيني بتصفيات كأس العالم 1934؟
كنيسة المهد.. غزاها كثيرون وحاصرها جيش الاحتلال 40 يوما
عن الهيكل اليهودي والمسجد الأقصى.. نقاش تاريخي هادئ