عقلة حدّاد
ولد عقلة يعقوب حدّاد، سنة 1933، في بلدة الحصن، والحصن بلدة أردنية تابعة لمحافظة إربد، وهو قاص وروائي ومترجم، أردني الجنسيّة، ومن أعماله الأدبية: جسر تحطّم 1957، وسطع نجم آخر 1987، والمجد للوطن 1990، وهكذا بدأت طريقي (رواية) 1991، ومجنون رغم أنفي 2000، وعائد من الموت 2006م.
كتب عقلة حدّاد في العديد من المجلات والصحف العربية والمحلية، من مثل: مجلة الجهاد، والرّائد العربي، وأفكار، وجريدة صوت الشّعب، والرّاي، والدّستور، وغيرها.
تتوزّع المجموعة القصصية على تسع قصص، تتراوح القصّة ما بين أربع صفحات إلى ست، وتتنزّل في سياقين: الوطني والاجتماعي.
الحس الوطني
إنّ الوطن مساحة جغرافية، يعيش فيها الفرد مع جماعة من الناس، تربطه علاقات إنسانية وثقافية، على أن الوطن من المنظور القصصي عند عقلة حداد أوسع من هذا المفهوم ليمتد إلى الأرض العربية كلها، وما فلسطين إلا شاهد ساطع، يشير إلى هذا الارتباط.
إنّ قارئ المجموعة القصصية الموسومة بـ "المجد للوطن"، سيلحظ الحس الوطني؛ إذ إنّ العنوان ينحو عبر تشكله المفتوح إلى تكريس فكرة الوطن، وأنّ الوطن فوق كلّ الاعتبارات.
ينسج عقلة حداد عالمه القصصيّ من الواقع، من خلال السّرد بضمير الغائب، إذ تجسد قصّة "عائد إلى المعركة" فكرة الفداء والتضحية من أجل الوطن، هذا وتدور القصة حول شخصية جاسم وتقع أحداث القصة في وسط معركة، ينوب فيها السارد عن الشخصية في وصف أحداث المعركة، تماما كما لو أنه بطل القصّة، معتمدا في ذلك على تقنية الاسترجاع والتذكر. تنتهي المعركة، وفي طريق عودة جاسم إلى البيت، يتذكر زوجته بلقيس، هذا وتمثل المرأة بلقيس بالنسبة لجاسم رمزا للوطن، لهذا ظلت صورتها ممزوجة بالوطن في ذهنه.
إنّ بناء القصة الفني قائم على السرد الوصفي، والمأخذ على القصة أن الحوار يكاد يكون معدومًا، والسارد لا يدع مجالًا للشخصية المحورية أنّ تتحدث عن نفسها في القصة.
الأمر نفسه ينسحب على قصة عاشق الوطن، ليشكل الوطن والأرض منزلة الشرف والعرض، الذي يستوجب الدفاع عنه والحفاظ عليه، فالقصة تكرس فكرة الفداء والشهادة والاستشهاد من أجل الوطن، لهذا قدم خالد روحه دفاعا عن الوطن.
يلبي خالد نداء الواجب، وما إن تسمع زوجته رجاء بأنه ذاهب إلى المعركة تحزن، فيقول مخففا عنها حزنها؛ بأنّ الوطن لا يتحرر بغير دماء، ولا يكبر بغير تضحيات.
وقصة المجد للوطن، نلاحظ منذ البداية أنّ السارد يشير إلى المزيج السكاني بين الأردن وفلسطين.
تدور القصة حول فكرة المقاومة، مقاومة العدو الصهيوني، حيث يواجه الفلسطينيون الشباب، آلة البطش الصهيوني بالحجارة.
والقصة تختلف عن سابقتها من ناحية البناء الفني، ذلك من خلال تعدد عناصر السرد، من حوار، ووصف، وحدث، وعقدة، ووفرة المشاهد، كما أنها تعتمد على تقنية الانتقال التسلسلي من مشهدٍ إلى آخر، إلى جانب توظيف الأثر الديني لا سيما الإسلامي؛ خدمة للمضمون الفني القصصي.
وقصة عودة كاظم، يقدم السارد نموذجًا للبطل العسكري، المتمثل بالطّيار كاظم، يخوض غمار الحرب؛ دفاعًا عن الأرض والحياة المستقبلية.
الحس الاجتماعي
في قصّة السكرتيرة، يتطرق السّارد إلى واحدة من المشاكل الاجتماعيّة، حيث تقع المرأة التي تضطرها ظروفها الاقتصاديّة للعمل كسكرتيرة إلى مضايقة، واستغلال مادي، يصل إلى التحرّش الجنسيّ من أصحاب الشّركات ورؤوس الأموال.
إنّ قصّة "السراب"، تعتمد على السرد بضمير الغائب، وتمثل نموذجًا لخيبة التّوقع، إذ تتناول سلوكًا اجتماعيًّا من أكثر أنواع الفساد شيوعًا، وظاهرة تعد من أخطر الظواهر التي اجتاحت المجتمع، وأصبحت ممارسة يومية وثقافة، لا يمكن الاستغناء عنها، وهي الواسطة والمحسوبية، وما إن وصل الشاب الباحث عن العمل، صاحب الكفاءة إلى المؤسسة مبكرًا وفرحًا بالتّعيين، حتى أدرك أنّ شخصًا آخر سبقه بالواسطة.
وقصّة "توارت عن الأنظار" نلاحظ فيها أنّ المستوى الفني عالٍ بالمقارنة مع قصّة السراب، من حيث التقنيات السّردية المتعددة، من حوار داخلي وخارجي، والاتّكاء على تقنية التّذكر والاسترجاع، والحذف، وتوظيف الأغنية.
تدور القصّة حول بشّار ونادية، يشتركان بالثقافة، والفكر، والمستوى الاجتماعي، والمشاعر، وعلى الرغم من كلّ ذلك، رفضت نادية الزّواج من بشّار، متذرعة بسبب واهٍ، وغير مقنع، بأنّه أصغر منها بعشرة شهور.
والمقاول الكبير، قصة تتحدث عن شخصية خليل، تلك الشخصية المتكبرة المتعالية، الأمر الذي أدى به في نهاية المطاف إلى أن يرقد إلى جوار موظف بسيط كان يعمل في شركته الكبيرة.
وقصّة المفتاح والذكريات، تشير إلى الحنين والشوق إلى القرية الغافية في نهاية سفوح جبال عجلون وبالتّحديد إلى بيت الطفولة، والبيت ليس مجرّد حجارة وغرف متراصة بقدر ما يمثل بالنسبة للسارد رمزًا للوطن، والبيت بالرغم من أنه قديم ومتآكل، إلاّ أنه يشكل أهمية وإرثا وهوية للسارد، والتفريط به هو تفريط بالقرية والوطن.
وصفوة القول: برز الحس الوطني والاجتماعي في مجموعة "المجد للوطن" القصصية لعقلة حداد، بوصفهما محفزين على الإبداع، لهذا فإنّ المجموعة القصصية جديرة بالقراءة؛ نظرا لما تتضمنه من معانٍ وطنية واجتماعية وإنسانية عميقة.
المصدر:
المجد للوطن: عقلة حدّاد، ط1 ـ 1990، دار الكرمل، عمّان.
وجهان مختلفان لـ"جابر بن حيان"
الواقعية الاشتراكية في مجموعة "فالانتاين" القصصية للأزرعي
رحلة "كانتزاكي" إلى فلسطين... بين الصهيونية وضدها!