حقوق وحريات

"حظر النشر".. هل بات ذريعة لوأد الحريات في الأردن؟

حظرت الأردن النشر الإعلامي في قضية أزمة الحكومة مع نقابة المعلمين- جيتي

تكررت قرارات حظر النشر الصادرة عن القضاء الأردني خلال السنوات الأخيرة حول قضايا تتعلق بالشأن العام في البلاد، ما أثار مخاوف صحفيين وحقوقيين من اتخاذها ذريعة للتضييق على الحريات العامة.

ولم تكن قضية نقابة المعلمين التي اعتقلت السلطات الأمنية مجلسها مؤخرا وأحالته للمحاكمة؛ أول قضية يمنع فيها النشر في العام الحالي، فقد سبقها عدة قضايا، أبرزها قضية الفتاة أحلام التي قتلها والدها بحجر حطم رأسها في محافظة البلقاء غرب العاصمة عمان.

ويرى المدير التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، أن قرارات حظر النشر تحدّ من حرية الإعلام والتعبير، مشددا على أن هذه القرارات يجب أن تنحصر في منع نشر محاضر التحقيق.

وقال لـ"عربي21" إن التوسع في إصدار قرارات حظر النشر وتوسيع حدوده؛ يحرم الإعلام من ممارسة دوره، ويفرض عليه رقابة مسبقة تمنع وصول المعلومات والحقائق للجمهور، الأمر الذي يتعارض مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير.

وأضاف أن إخفاء المعلومات او تجاهل الاحداث أصبح مستحيلا في ظل ثورة الاتصالات وتنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أن أوامر وقرارات للنشر لا يمكن إنفاذها وتطبيقها، والمتضرر الوحيد منها وسائل الإعلام المحلية.

وقال منصور إن توقيف ناشر موقع جو24 الزميل باسل العكور في 28 تموز/يوليو لنشره أخبارا عن اعتصامات ومسيرات احتجاجية للمعلمين بعد اعتقال مجلسهم النقابي "مؤشر على أن هناك توسعا في تفسير القانون وتطبيقه".

 

اقرأ أيضا: استهداف الأردن لنقابة المعلمين يثير قلقا أمميا


تراجع الحريات الصحفية
وفي 25 تموز/يوليو قرر نائب عام عمان، حسن العبداللات، حظر النشر في القضايا المتعلقة بقرار كف يد مجلس نقابة المعلمين وإغلاق مقراتها "تحت طائلة المسؤولية الجزائية"، وشمل القرار أيضا عدم نشر كل ما يتعلق بمجريات التحقيق فيها أو نشر أو إعادة نشر أو تداول أية صورة أو فيديوهات تتعلق بها ما يؤثر سلبا على مجريات التحقيق.

وقال رئيس تحرير موقع السبيل الالكتروني، عيسى شقفة، إن حكومة عمر الرزاز لم تكتف بقرار حظر النشر، إذ قامت بفصل الإنترنت في أماكن الاعتصامات التي أقامها المعلمون احتجاجا على الإجراءات في حق نقابتهم، وأوقفت موقع "فيسبوك" والبث المباشر من خلال البرمجيات أثناء هذه الفعاليات.

وأضاف لـ"عربي21" أن قرار منع النشر في قضية المعلمين "أدخل الصحفيين في حالة من الرعب خشية السجن والتوقيف"، لافتا إلى أن كبرى الصحف والمواقع الالكترونية الإخبارية لم تجرؤ على نشر أي خبر حول الفعاليات التي يقوم بها معلمون للمطالبة بالإفراج عن مجلس نقابتهم وإعادة فتح مقارها.

وتابع: "في المقابل؛ لم تكتف بعض المواقع الإخبارية والصحف بعدم النشر، بل مارست دورا تحريضيا على نقابة المعلمين من خلال نشر فيديوهات وتقارير غير حيادية تتبنى وجهة نظر الحكومة، التي تغاضت بدورها عن هذه المواقع ولم تتخذ بحقها أي إجراء بحجة مخالفة قرار حظر النشر".

وتساءل شقفة: "إذا كان لدينا قانون للمطبوعات والنشر؛ فما حاجتنا الى قرار حظر النشر الذي تتخذه الحكومة ذريعة لتكميم الأفواه، ومنع وصول المعلومة لفئات المجتمع المختلفة؟".

الاستناد للقانون
وتستند قرارات "حظر النشر" على المادة 224 من قانون العقوبات الأردني، والتي تنص على أن "كل من نشر اخبارا أو معلومات أو انتقادات من شأنها أن تؤثر على أي قاض أو شاهد، أو تمنع أي شخص من الإفضاء بما لديه من المعلومات لأولي الأمر؛ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز مائتي دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين".

إضافة إلى المادة 225 من القانون نفسه، والتي تنص على أنه "يعاقب بالغرامة من 5 دنانير إلى 25 دينارا من ينشر وثيقة من وثائق التحقيق الجنائي أو الجنحي قبل تلاوتها في جلسة علنية، أو محاكمات الجلسات السرية، أو المحاكمات في دعوى السب، أو كل محاكمة منعت المحكمة نشرها".

نائبة رئيس جمعية الحقوقيين، المحامية نور الإمام، أوضحت أن نص المادة 225 من قانون العقوبات "يتعلق بالقضايا التي تمس الآداب العامة كالتحقير والسب، أو القضايا التي قررت المحكمة سرية المحاكمة فيها، وليس القضايا التي تمس الرأي العام كقضية المعلمين".

وقالت لـ"عربي21" إن المنع المذكور متعلق بمحاضر القضية ومتابعتها وجلساتها ومحاضر الشهود، والتي من شأن نشرها أن يؤثر على عدالة وحيادية القاضي، أو على الشهود في قضية معينة، مشددة على أن "النص القانوني لا يمس ولا يطال بأي حال من الأحوال حرية الرأي والتعبير، أو تناول قضية عامة من خلال الرأي العام أو مواقع التواصل الاجتماعي".

وبينت الإمام أن أي تفسير يصدر بطريقة مخالفة لنص المادة 225 ومقاصدها يُعد تعديا على حرية الرأي والتعبير المصونة في أحكام الدستور".

وأصدرت 23 منظمة مجتمع مدني، الجمعة، بيانا أكدت فيه أن "قرار النائب العام بمنع النشر في قضية نقابة المعلمين أدى إلى كسر أقلام الصحفيين، وتكميم أفواههم، وحجب المعلومات عن المجتمع في قضية تشغل الرأي العام الأردني".

وأضافت أن القرار "انعكس على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؛ فتمت مصادرة آرائهم ومنعهم من التعبير، حيث تم تحريك شكوى الحق العام بحق عدد من نشطاء مواقع التواصل؛ تتضمن تهما مختلفة بسبب القيام بنشر أو إعادة نشر رأي معين".

وأوضحت المنظمات أن "توجيه تهمة مخالفة المادة 225 لأحد الصحفيين (باسل العكور) جعل أغلب وسائل الإعلام المحلية تحجم عن نقل المعلومة والآراء حول قضية عامة تمس الأردنيين"، مطالبة بـ"إلغاء كافة القيود على العمل الصحفي، وإتاحة المجال للصحفيين دون أي مضايقات في نقل مطالب المعلمين وكافة الآراء حول هذه القضية".

وتنص المادة 15 من الدستور الأردني على أن "الدولة تكفل حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون" و"تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون".