كان إطلاق عملية "إيريني" البحرية من قبل الاتحاد الأوروبي، عاملا مهما في التقارب الحاصل بين الحكومة المالطية ونظيرتها الليبية في طرابلس، إذ إن الجانبين أعلنا صراحة رفضهما للعملية.
وأحد أسباب استياء فاليتا من عملية "إيريني" الأوروبية، عدم تضمنها مكافحة الهجرة غير النظامية في البحر الأبيض المتوسط، والتي تمثل هاجسا كبيرا لحكومة فاليتا.
وسبق أن أعلنت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا عن رفضها لعملية "إيريني" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في 31 آذار/ مارس الماضي، والمتعلقة بمراقبة حظر توريد السلاح إلى ليبيا، حيث إنها لا تشمل مراقبة الأسلحة التي تصل إلى قوات الانقلابي خليفة حفتر.
ولا تبعد السواحل المالطية عن شواطئ العاصمة الليبية طرابلس سوى نحو 357 كلم فقط، فهي أقرب أرض أوروبية إلى ليبيا بعد جزيرة لامبيدوزا الإيطالية (354 كلم عن شواطئ زوارة الليبية).
لذلك فإنها تعتبر مالطا الهدف الثاني للمهاجرين غير النظاميين بعد إيطاليا، والذين ينطلقون من السواحل الغربية لليبيا على غرار شواطئ زليتن (150 كلم شرقي طرابلس) والقره بوللي (45 كلم شرقي طرابلس)، وصرمان وصبراتة (أقل من 70 كلم غربي طرابلس)، ومليتة (80 كلم غربي طرابلس) وزوارة (100 كلم غربي طرابلس) وأبو كماش (150 كلم غربي طرابلس).
اقرأ أيضا: ليبيا وتركيا ومالطا تتحفظ على عملية "إيريني" البحرية
وفي بلد لا يتجاوز عدد سكانه الـ460 ألف نسمة فقط، 90 بالمئة منهم من المسيحيين الكاثوليك، فإن مالطا تخشى أن تتحول إلى قِبلة للمهاجرين غير النظاميين من الدول العربية وأفريقيا جنوب الصحراء وحتى آسيا، بشكل يؤثر على تركيبتها السكانية.
أزمة المهاجرين
وعلى سبيل المثال، فقد بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين الذي تمكنوا من الوصول إلى الأراضي المالطية في 2019 فقط، نحو 3 آلاف و700 مهاجر.
ولم يأخذ الاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار الهواجس المالطية في عين الاعتبار عند إطلاقه "إيريني"، لذلك صوت فاليتا في 8 أيار/ مايو الماضي، داخل مجلس الاتحاد ضد "إيريني"، قبل أن تعلن انسحابها منها في اليوم التالي.
ناهيك عن اتهامات فاليتا لأوروبا بعدم توزيع المهاجرين بشكل عادل على بقية الدول.
وبالتزامن مع إحساس مالطا بتخلي أوروبا عنها في أزمتها مع الهجرة غير النظامية، فقد وجدت في الحكومة الليبية الشرعية حليفا جادا وموثوقا به.
وزير الخارجية المالطي، قال في تدوينة له على فيسبوك، نهاية حزيران/ يونيو الماضي، إن "حكومة الوفاق تمكنت على الرغم من كل مخاوف الحرب التي سببتها، ووباء كورونا، وبوسائل محدودة للغاية، من منع المتاجرين بالبشر من إرسال 2000 مهاجر آخرين إلى مالطا".
وفي 6 تموز/ يوليو، استقبل رئيس وزراء مالطا روبيرت آبيلا، رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، استقبالا وصفته وسائل إعلام بـ"المهيب وغير المألوف"، في زيارة مفاجئة لم يعلن عنها مسبقًا، وافتتح الرجلان خلالها مركزا للتنسيق المشترك بين البلدين لمواجهة الهجرة غير النظامية بفاليتا.
وزار وفد أمني مالطي، طرابلس، في 5 آب/ أغسطس الجاري، برئاسة السفير تشارلز صليبا، ومندوبين عن رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع المالطيين، لمناقشة ما يتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية وتدريب العناصر الأمنية الليبية وحرس السواحل في مجال تفكيك ونزع الألغام، ومكافحة الهجرة غير القانونية.
ومن بين المواضيع التي تمت مناقشتها بين مسؤولي ليبيا ومالطا في محطات مختلفة، التعاون الاقتصادي والاستثمارات.
ففي البيان الثلاثي المشترك، الذي صدر الخميس، تم الاتفاق على عودة الشركات التركية والمالطية للعمل في ليبيا، واستئناف الرحلات الجوية بين البلدان الثلاثة.
اقرأ أيضا: مسؤول أمريكي: أوروبا تتجاهل أسلحة الإمارات ومصر لليبيا
وبحث السفير المالطي لدى طرابلس والوفد المرافق له، مع رئيس مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله، إمكانية تفعيل مذكرة التفاهم المبرمة بين البلدين في 2013، والتي تنص على التعاون النفطي بينهما.
وتتحدث بعض التحاليل والقراءات، عن إمكانية توقيع الحكومة الليبية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مالطا، على غرار تلك الموقعة مع تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
ويتيح ترسيم الحدود البحرية لمالطا، البدء في استكشاف النفط والغاز في منطقتها الاقتصادية بالبحر الأبيض المتوسط، الغني بالنفط والغاز.
وكاد أن يؤدي شروع فاليتا بالتنقيب عن النفط في البحر المتوسط في 1980، إلى نشوب أزمة مع طرابلس، قبل أن يفصل التحكيم الدولي لصالح ليبيا في 1981.
مالطا توجه ضربة موجعة لحفتر
تعد مالطا من الدول الأوروبية التي عارضت بشكل صريح هجوم حفتر على طرابلس، بالنظر إلى انعكاس ذلك سلبيا على أمنها، سواء من حيث ازدياد الهجرة غير النظامية أو التهديدات الإرهابية.
لكن أكبر ضربة وجهتها مالطا إلى قوات حفتر، مصادرتها حاويتين بحجم 56 مترا مكعبا، أواخر أيلول/ سبتمبر 2019، مليئتين بعملة ليبية مطبوعة في روسيا كانت مخصصة للحكومة الموازية في شرق البلاد.
وشكلت هذه العملية ضربة موجعة لحفتر، بالنظر إلى حاجته الملحة لمزيد من الموارد المالية لتمويل حملته العسكرية على طرابلس حينها، خاصة بعد تجنيده عددا أكبر من أبناء القبائل والمرتزقة الروس والأفارقة، ومواجهة سكان المنطقة الشرقية أزمة في السيولة المالية، وتدهور الوضع الاقتصادي إجمالا في المناطق التي يسيطر عليها.
ومن المتوقع أن يتعزز التحالف المالطي مع ليبيا أكثر وبدعم من تركيا، بالنظر إلى حجم المصالح الأمنية والاقتصادية بين البلدان الثلاثة.
تعزيزات "نوعية" تصل سرت بينها هذه المنظومة التركية
موسكو: "الوفاق" الليبية أكدت لنا قرب الإفراج عن روسيين
الوفاق ترد على تهديدات السيسي وتستنكر اجتماعه مع القبائل