نشرت مجلة
"فورين بوليسي" مقالا للأكاديميين علم صالح
وزكية يزدانشيناز، قالا فيه إن وثيقة تم تسريبها مؤخرا تشير إلى أن الصين وإيران
ستدخلان في اتفاقية شراكة استراتيجية مدتها 25 عاما في مجالات التجارة والسياسة
والثقافة والأمن.
فالتعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط ليس
جديدا. ولكن ما يميز هذا التطور عن غيره هو أن كلا من الصين وايران لها أطماع
عالمية، وكلاهما في وضع مواجهة مع أمريكا، وهناك شق أمني للاتفاقية.
والجانب العسكري للاتفاقية
يقلق أمريكا، كما أقلقتها المناورات البحرية المشتركة بين ايران وروسيا والصين في
المحيط الهندي وخليج عمان.
وتحدى النفوذ الصيني المتزايد في شرق آسيا
وأفريقيا المصالح الأمريكية والشرق الأوسط. هي الميدان التالي الذي تقوم فيه الصين
بتحدي الهيمنة الأمريكية – وهذه المرة من خلال إيران.
وهذا بالذات مهم؛ لأن الاتفاق وتداعياته
تتجاوز حيز الاقتصاد والعلاقات الثنائية، بل إنه يعمل على المستوى الداخلي
والإقليمي والعالمي.
فداخليا، يمكن للاتفاقية أن تكون شريان حياة
لإيران، وينقذ اقتصادها الذي يعاني من العقوبات ويفتقر للسيولة بضمان بيع النفط
والغاز للصين. إضافة إلى ذلك يمكن لإيران أن تستخدم علاقتها الاستراتيجية مع الصين
كورقة ضغط في أي مفاوضات مع الغرب، مستغلة قدرتها على توسيع النفوذ الإيراني في
الخليج.
وكون الانتخابات الرئاسية
الأمريكية لعام 2020 لا تبعد سوى أشهر، فإن أي تفحص مفصل في الشراكة الإيرانية
الصينية الاستراتيجية يمكن أن يعرض احتمال فوز الجمهوريين للخطر. وذلك لأن شراكة
استراتيجية بين إيران والصين تثبت أن سياسة الضغط الأقصى التي انتهجتها إدارة
ترامب كانت فاشلة، فلم تفشل فقط في تقييد إيران وتغيير تصرفاتها الإقليمية، لكنها
دفعت بموسكو إلى أحضان بكين أيضا.
وعلى المدى الطويل، فإن قرب إيران الاستراتيجي
من الصين يعني أن طهران تتبنى ما يدعى بسياسة "النظر نحو الشرق" لأجل
تعزيز قوتها العسكرية والإقليمية ولتحدي وتقويض النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج.
وبالنسبة للصين، فإن الاتفاقية يمكن أن تساعد
في تحقيق أمن الطاقة. فالخليج يوفر للصين نصف حاجتها من الطاقة.
ولذلك، فإن تأمين الملاحة في الخليج مهم جدا
بالنسبة للصين. وأصبحت السعودية الآن وهي أقرب حلفاء أمريكا أكبر مصدر للنفط الخام
إلى الصين، حيث وصلت واردات الصين من نفط المملكة في أيار/ مايو إلى 2.16 مليون
برميل في اليوم. هذا الاعتماد متناقض مع سياسة الصين في تنويع مصادرها للطاقة، وعدم
الاعتماد على مصدر إمداد واحد.
اقرأ أيضا: هل تحوّل الصين إيران إلى ركيزة قوتها العسكرية بالمنطقة؟
وتخشى الصين أنه مع تنامي
الحرب التجارية بينها وبين أمريكا قد تجعل الأخيرة تضغط على تلك الدول كي لا تمد
بكين بحاجتها من الطاقة. وتشكل اتفاقية استراتيجية شاملة مع إيران حماية وتأمينا،
فهي تستطيع أن تكون مصدرا مضمونا للطاقة المضمونة وبأسعار جيدة.
وسوف تعيد العلاقات الإيرانية الصينية
التضاريس السياسية للمنطقة لصالح إيران والصين، وهو ما يزيد من انهيار النفوذ
الأمريكي. وفي الواقع فإن الاتفاقية تمكن الصين من لعب دور أكبر في أحد أهم
المناطق في العالم. وقد تحولت التضاريس الاستراتيجية في العالم منذ الغزو الأمريكي
للعراق عام 2003. ففي النظام الإقليمي الجديد انتشرت الهوية الدينية الطائفية
العابرة للحدود القومية وغيرت ديناميكيات النفوذ الأساسية.
هذه التغيرات بالإضافة لانسحابات القوات
الأمريكية والاضطرابات التي سادت خلال الربيع العربي، أعطت فرصة للقوى المتوسطة
مثل إيران أن تملأ الفراغ وتعزز نفوذها الإقليمي. ومنذ صعود شي جين بينغ إلى سدة
الحكم عام 2012، عبرت الحكومة الصينية عن رغبة أكبر في جعل الصين قوة عالمية وأن
تلعب دورا نشيطا في مناطق أخرى. وتجسد هذا الطموح على شكل مبادرة الحزام والطريق،
والتي أبرزت أهمية الشرق الأوسط.
وتدرك الصين دور إيران وأهميتها كقوة إقليمية
في الشرق الأوسط الجديد. وساعدت التطورات الإقليمية في السنوات الأخيرة على تقوية
التأثير الإيراني. وعلى عكس أمريكا تبنت الصين مقاربة غير سياسية ذات توجه تنموي
للمنطقة مستغلة قوة إيران الإقليمية لتوسيع علاقاتها الاقتصادية بالبلدان القريبة
وتحقيق الأمن الإقليمي من خلال ما تطلق عليه السلام التنموي – بدلا من الفكرة
الغربية حول السلام الديمقراطي. وهي مقاربة تفضلها الأنظمة الاستبدادية في الشرق
الأوسط.
وكان انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من
الاتفاقية النووية مع إيران عام 2018 وما تبعه من تطبيق لسياسة الضغط الأقصى آخر
جهد من الحكومة الأمريكية لإيقاف تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة. ومع أن هذه
السياسة أضرت بالاقتصاد الإيراني كثيرا لم تتمكن من تغيير الطموحات الإقليمية
والسياسات العسكرية بعد. وهكذا فإن التعاون الاستراتيجي الجديد بين الصين وإيران
سيضعف قوة الضغط الأمريكي ويمهد الطريق للصين لتلعب دورا أكبر في الشرق الأوسط.
كما ستؤثر الشراكة الإيرانية الصينية
الاستراتيجية على المناطق المجاورة بما في ذلك جنوب آسيا. ففي عام 2016 وقعت الهند
وإيران اتفاقا للاستثمار في مرفأ جابهار الاستراتيجي ولبناء خط حديدي يربط المرفأ
الجنوبي الشرقي بمدينة زاهدان شرق إيران ولربط الهند بأفغانستان ووسط. وتتهم إيران
الهند الآن بتأخير استثمارها بضغط من أمريكا وأخرجت الهند من المشروع.
ومع أن المسؤولين الإيرانيين يرفضون ربط إلغاء
الهند من مشروع جابهار- زاهدان باتفاقية التعاون مع الصين، يبدو أن علاقة الهند
القريبة من أمريكا هي السبب في القرار. استبدال الهند بالصين في مثل هذا المشروع
الاستراتيجي سيغير توازن القوى في جنوب آسيا لغير صالح نيودلهي.
فلدى الصين الآن فرصة ربط مرفأ جابهار بميناء
كوادر في باكستان والذي هو مركزا مهما في مبادرة الحزام والطريق.
وبغض النظر عما تراه واشنطن، فإن العلاقة
الجديدة بين الصين وإيران سوف تضر في المحصلة بالمصالح الهندية في المنطقة، خاصة إن دخلت باكستان في الشراكة. فإن القيام بالمقترح الإيراني لتوسيع الممر الاقتصادي
الصيني الباكستاني على المحاور الشمالية والغربية والجنوبية وربط مرفأ كوادر في
باكستان بمرفأ جابهار في إيران ثم أوروبا ووسط آسيا، عبر شبكة قطار في إيران، أصبحت
الآن أكثر احتمالا. وإن تم المضي قدما بالخطة، فإن الحلقة الذهبية المؤلفة من الصين
وباكستان وإيران وروسيا وتركيا ستشكل القطعة المركزية في مشروع الحزام والطريق، وستربط الصين بإيران، ومنها بوسط آسيا وبحر قزوين، وإلى البحر الأبيض المتوسط عبر
العراق وسوريا.
في 16 تموز/ يوليو، أعلن الرئيس الإيراني حسن
روحاني أن مرفأ جاسك سيصبح مرفأ تحميل النفط الرئيسي في إيران. وبالتركيز بشكل
أكبر على المرفأين الاستراتيجيين جاسك وجابدار، فإن إيران تحاول نقل تركيزها
الجيوستراتيجي من الخليج الفارسي إلى خليج عمان.
وهذا سيسمح لطهران أن تتجنب منطقة
الخليج الفارسي المتوترة، وتقصر المسافة على ناقلات النفط التي تنقل النفط الإيراني، ويمكن طهران إغلاق مضيق هرمز إن دعت الحاجة.
وتوفر الاتفاقية الثنائية للصين فرصة
استثنائية للمشاركة في تطوير المرفأ. ويمكن للصين أن تضيف جاسك إلى شبكة المراكز
الاستراتيجية في المنطقة. وبحسب هذه الخطة، فإن المجمعات الصناعية التي تنشئها
الشركات الصينية في دول الخليج سيتم ربطها بالمرافئ التي يوجد للصين فيها وجودا
قويا. وهذه الشبكة من المجمعات الصناعية والمرافئ ستشكل تحديا إضافيا للهيمنة
الأمريكية في المنطقة المحيطة بمضيق هرمز الاستراتيجي.
كما أن اتفاق شراكة استراتيجية بين إيران والصين
سيؤثر أيضا على التنافس بين أمريكا والصين. وبينما تبقى الصين أكبر شريك تجاري
لأمريكا ولا يزال هناك علاقات ثنائية واسعة بين القوتين العالميتين، فإن تنافسهما
في حقول مختلفة وصل إلى الحد الذي يقول المراقبون إنه أوصل العالم إلى حرب باردة
جديدة. واذا ما اعتبرنا الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية للشرق الأوسط فإن اتفاقية
بين إيران والصين تشكل موقعا آخر للصين يمكن أن تتحدى منه القوة الأمريكية.
وفي الوقت، وبالإضافة لضمان البقاء، فإن طهران
ستستغل العلاقات مع بيجين لتقوية موقفها. وأخيرا وليس آخرا، فبينما كانت تستفيد أمريكا
من الخلافات الإقليمية، فإن الشراكة الصينية الإيرانية قد تعيد تشكيل التضاريس
الأمنية للمنطقة بتشجيع الاستقرار من خلال مقاربة السلام التنموي الصينية.
صحيفة: لندن تهاجم الصين وتغض الطرف عن الرياض .. لماذا؟
التايمز: بريطانيا ليست بحاجة لحرب باردة مع الصين
كوشنر يتمسك بدعم ابن سلمان.. هكذا وصف قتل خاشقجي