قضايا وآراء

بعد وصول طائرة "أف-35" الأمريكية.. هل يضرب السيسي سد النهضة؟

1300x600
إلى الخرطوم اتجه رئيس وزراء النظام في مصر مصطفى مدبولي وفي حقيبته خمسة ملفات رئيسة ليناقشها مع نظيره السوداني عبد الله حمدوك، وتشمل: قضية حلايب وشلاتين المعلقة منذ عقود، واتفاق الحريات الأربع التي يريد النظام في مصر تفعيلها مرة أخرى لفتح آفاق تعاون اقتصادي بين البلدين، ما يصب في مصلحة النظامين في ظل أزمة اقتصادية وشعبية يمر بها النظامان، ومن ثم فإن الملف الثالث امتداد للثاني، وهو الملف الاقتصادي الذي تميل كفته إلى حد كبير لصالح مصر. لكن الملف الأهم في هذه الزيارة هو ملف سد النهضة الإثيوبي الذي بات أمرا واقعا، بعد أن انتهى الملء الأولي فيه منذ أسابيع، في تحد صارخ لكل ما تم وما يخطط له من اتفاقات أو مفاوضات بين الدول الثلاث.

الوفد المرافق لمدبولي ضم وزير الري في حكومة النظام المصري محمد عبد العاطي، وهو ما يراه البعض تأكيدا على سعي النظام لحل سلمي لأزمة السد المثير للقلق، فيما يراه آخرون جزءا من خطة الخداع الاستراتيجي الذي ينفذها النظام لما هو أبعد من المفاوضات وما يظهر أمام الكاميرات، بخلاف ما تقوم به مخابرات الدولتين وقياداتهما العسكرية، لا سيما بعد الموقف الأخير من الجانب الإثيوبي الذي أنجز المرحلة الأولى من ملء خزان السد على الرغم من اعتراض كل من مصر والسودان، إلا أن الملء الأول للخزان والذي بلغ 4.9 مليار متر مكعب، لا يشكل خطرا كبيرا على البلدين إذا ما أوقف ملء السد إلى الأبد.

تخوفات دولية من انحراف المسار السلمي المتخذ لحل أزمة سد النهضة، فقد حث البابا فرنسيس بابا الفاتيكان خلال احتفال ديني منذ أيام أطراف الأزمة على عدم الانزلاق إلى صراع مسلح بسبب الخلاف على سد النهضة، ودعا جميع الأطراف المعنية إلى مواصلة طريق الحوار.

هذه المخاوف لها أصل، في الحقيقة، لا سيما وأن الأزمة ذهبت إلى منعطف حاد بعد تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي الذي أكد على أن بلاده ستدافع عن السد بكل قوة، وأنه مستعد لحشد مليون إثيوبي للدفاع عن السد، وهو ما يعكس معلومات قد تكون وصلت إليه بتحول منطق النظام المصري من المفاوضات إلى العمل العسكري، وهو احتمال وارد في ظل عقلية عسكرية تقود النظام في مصر وتسوق نفسها على أنها حامي الحمى وآسر قائد الأسطول السادس الأمريكي.

لكن المعطيات تقول إنه ومع نشر تسريبات عن تعاقد النظام في مصر على صفقة طائرات "أف-35" الأمريكية المتطورة، وقبلها صفقة "سو-35" الروسية، فإن النظام في مصر يسعى لامتلاك طائرات هجومية لا يمكن للرادارات كشفها، ما يعني أن عملا عسكريا كبيرا يرتب، وليس أهم من سد النهضة لتنفيذ عمل عسكري ناجع يحل هذه الأزمة، لا سيما وأن النظام أصبح مبتذلا أمام الرأي العام المصري بعد قسم آبي أحمد الذي حنث به واستمر ليس فقط في بناء السد ولكن ملأه، فلا بد من توجيه ضربة قوية تؤدب الرجل، وتعيد الهيبة للنظام الذي يُنتظر منه أن يثبت حقيقة ترويجه لنفسه بأنه من أقوى الجيوش في المنطقة، والدول العظمى تحسب له ألف حساب.

لكن بحسابات السياسة والمنطق، قد يكون من الصعب جدا أن يقوم النظام في مصر بتوجيه ضربة عسكرية إلى سد النهضة، حتى مع قول البعض إن الضربة الآن ممكنة لأن المياه المخزنة وراء السد لن تضر لا السودان ولا مصر إذا ما فاضت، وأن أفضل توقيت لضرب السد هو الآن وليس غدا، لكن النظام المشغول بملفات أخرى، كليبيا وشرق المتوسط، ودوره المحوري كعراب للتطبيع مع الكيان المحتل في فلسطين يلهيه عن مهامه الأهم.

والأوليات في النهاية هو من يحددها، لكن بحكم السياسة فإن اجتماع طائرات "سو-35" الروسية وطائرات "أف-35" الأمريكية من المستحيل أن يجتمعا في جيش واحد. وبالنظر إلى تركيا كمثال، فلا يمكن للتكنولوجيا الأمريكية أن تقبل لغريمتها أن تضع قدمها في مربع هي تحوزه، خاصة في التكنولوجيا المتطورة مثل هذه الأنواع من المقاتلات. فقبول أمريكا بشراء النظام في مصر الطائرة "ميج-29" كان مقبولا ، وعلى مضض، لكن أمريكا لن تقبل بما هو أبعد.

وإذا قلنا إن النظام في مصر سيوقف صفقة " سو-35" مقابل المقاتلة الأمريكية، فإن ذلك يكلفه الكثير، سواء في شروط الجزائية في العقد الروسي، أو في عقود صيانة لخمسة وأربعين طائرة من طراز "ميج- 29"، أو في مصداقيته عالميا، لا سيما وسمعته سيئة بالأساس وينظر إليه كسلطة أمر واقع، كما أن الخطوط إنتاج الطائرة الأكثر تقدما "أف-35" مشغولة بالكامل في عقود تصنيع وتوريد، ما يعني أن التسريبات بالأساس من قبيل الدعاية الترويجية لنظام يفقد شعبيته كل يوم، كما أن سد النهضة الذي تشارك في الاستثمار فيه كل من الصين كشريك أكبر، وأمريكا وإيطاليا وفرنسا والإمارات والسعودية، سيجعل النظام في مصر يفكر ألف مرة قبل أن يخطو هذه الخطوة. ومع عجز النظام هذا تبقى الأبواق تنعق والأكف تصفق لنظام يذهب بمصر إلى حافة الهاوية.

وصدق مارتن لوثر كنج حين قال: "أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة".