في هذه الحلقة إطلالة على مساهمة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في مجال الفن والتمثيل وكتابة السيناريو، وقد سطع نجم المئات في هذا المجال، لكننا سنلقي الضوء على بعض الرموز التي كانت فاعلة ولها دور ماثل للمتابعين للمسرح والسينما والشاشة الصغيرة خلال سنوات خلت.
في مجال الفن التمثيلي
في هذا المجال برز اسم (يوسف حنا) كممثل فلسطيني، وأحد أبرز مؤسسي المسرح الوطني الفلسطيني في دمشق منتصف القرن العشرين. ولد الفنان يوسف حنا ببلدة الرامة قرب مدينة عكا في فلسطين عام 1941، حيث كان والده يعمل مدرساً في مدارسها وبعد النكبة عام 1948 انتقل إلى سوريا وعمره 7 سنوات.
يعتبر يوسف حنا أحد الوجوه التلفزيونية التي لا ينساها المشاهدون حتى اليوم. من خلال الأدوار الكثيرة، واللافتة التي لعبها في الأعمال الدرامية السورية منذ بداياتها، هو الذي واكب الإنتاج الدرامي السوري، وعاش مراحل تطوره، وصولاً للإنتاج الكثيف والناضج فنياً. عمل على خشبة المسرح، وشارك في عدد من الأفلام السينمائية السورية، وبعض الأفلام المشتركة المصرية ـ السورية. ومع ذلك يتذكره المشاهد العربي في دوره اللافت مع دريد لحام في مسرحية شقائق النعمان، وأيضاً من خلال دوره الجميل فـي مسلسل هيثم حقي "الدغري"، والذي أطلق خلاله طاقات تمثيلية جمعت الصدقية بتعبيرية الأداء البسيط.
يوسف حنا من جيل الفنانين الفلسطينيين والسوريين الذين بدأوا التمثيل في زمن الهواية، فأخلصوا لفنهم، وعاشوه باعتباره الوجه الأهم والأجمل لوجودهم على قيد الحياة، إذ ظل حتى اللحظة الأخيرة من عمره القصير مسكوناً بالفن، يحلم بأدوار جديدة في أعمال أهم وأجمل من تلك التي أنجزها. ومن أهم الأفلام التي شارك فيها، رجال تحت الشمس عام 1970، المخدوعون عام 1972، المطلوب رجل واحد عام 1973، وجه آخر للحب عام 1973، العار ثلاثية عام 1974، راقصة على الجراح عام 1974، حبيبتي يا حب التوت عام 1979، القلعة الخامسة عام 1979، قتل عن طريق التسلسل عام 1981، الشمس في يوم غائم عام 1985، شيء ما يحترق عام 1993.
أما المسلسلات التي شارك فيها فهي كثيرة ومنها: حارة القصر عام 1970، أولاد بلدي عام 1971، أسعد الوراق عام 1975، عز الدين القسام عام 1981، حصاد السنين عام 1985، شجرة النارنج عام 1989، هجرة القلوب إلى القلوب عام 1990، أبو كامل عام 1990، المليونير الصغير 1991، الشريد عام 1992، البديل عام 1992، اختفاء رجل عام 1992، الدغري عام 1992، العروس عام 1992، فضلاً عن أعمال أخرى مثل مسرحية شقائق النعمان عام 1987، شركاء بالإكراه سهرة تلفزيونية عام 1993.
والراحل الفنان يوسف حنا، هو ابن شقيق الشاعر "نقولا حنا" وشقيق الكاتبة أمل حنا، وابن عم الممثل رامي حنا والكاتبة ريم حنا.
كما سطع نجم (يعقوب أبو غزالة) وهو من مواليد مدينة (يافا 1926)، وقد بدأ حياته الفنية في فلسطين عام 1940 فعمل في إذاعة القدس وعلى المسارح فيها… وحين حدثت نكبة 1948 لجأ إلى سوريا، وأقام في دمشق، حيث انضم إلى الفرقة السورية للتمثيل عام 1949 وعمل مع رواد الفن السوري آنذاك: (حكمت محسن ـ وأنور البابا) وحين تم تأسيس المسرح القومي السوري عام 1960 كان أحد مؤسسيه، وقد شارك في أكثر من مئة وخمسين مسرحية بدءا من العرض الافتتاحي للمسرح القومي (المزيفون) الذي أخرجه نهاد قلعي الذي اختاره أيضاً في (البرجوازي النبيل)…
ومن أبرز أعماله المسرحية (الفخ ـ المفتش العام) إخراج هاني صنوبر (شيخ المنافقين ـ عدو الشعب ـ العنب الحامض ـ الفلسطينيات ـ احتفال ليلي خاص لدريسدن ـ الغرباء) إخراج علي عقلة عرسان، (السعد ـ سيزيف الأندلسي) إخراج أسعد فضة (أغنية على الممر ـ جان دارك ـ زواج على ورقة طلاق) إخراج محمد الطيب… وغيرها الكثير من المسرحيات. وقد كان ليعقوب أبو غزالة كذلك حضور هام في الدراما التلفزيونية، حيث شارك في العديد من الأعمال التلفزيونية المبكرة (أرشيف أبو رشدي ـ وجهاً لوجه) إخراج علاء الدين كوكش، (مواقف عربية ـ الثائر الصغير) وهي من إخراج شكيب غنام، (الجرح القديم) من إخراج سليم موسى.
كما كان من الشخصيات الفنية اللامعة في بعض الأفلام الفلسطينية التي أنتجت في سوريا في السبعينيات وخاصة فيلم فدائيون حتى النصر الذي عرض لفترات طويلة في كل من سينما الكرمل وسينما النجوم في مخيم اليرموك. وتوفي في التسعينيات وكان يملك محلا لبيع الذهب في شارع اليرموك قرب استديو حمادة.
ومن الممثلين (عبد الرحمن أبو قاسم) وهو مواليد قرية صفورية قضاء الناصرة عام 1942، ممثل فلسطيني وقد لجأت عائلته إلى سوريا عام 1948، وتوفي في العاشر من نيسان (أبريل) من العام الحالي 2020. بدأ العمل في المسرح المدرسي عام 1954 وتحديداً في مدارس دمشق الابتدائية ومنها إلى الإعدادية في مدرسة الصناعة، وبعد ذلك تنقل في عدد من الفرق السورية المحلية منها الفرقة السورية للتمثيل، نادي الأزبكية، والنوادي التي كانت تابعة لوكالة الغوث في المخيمات الفلسطينية وبعد ذلك انضوى في فرقة مسرحية لحركة "فتح"، وكان اسمها فرقة فتح المسرحية، وفي عام 1965 قدم معها عدداً من المسرحيات بما لا يقل عن 15 عرضاً ثم تبنت منظمة التحرير هذه الفرقة وأصبح اسمها فرقة المسرح الوطني الفلسطيني.
وقد شارك في التمثيل بعدد كبير من الأفلام السورية منها: طعم الليمون 2011، مهوى الأفئدة 2010، الأمانة 2009، الخوافي والقوادم في نصرة الإسلام 2009، الهوية 2007، الأبطال يولدون مرتين 1977، وزهر الرمان 2001.
هذا إضافة إلى مساهماته الكثيرة في المسلسلات السورية، ومنها: قضية عائلية 1999، القصر 1999، بقايا صور 1999، ظلال في الماضي 1997، تل الصوان في نفس العام، الكواسر 1998 وقد مثل فيه دور ابن الرومية. كما شارك قبل وفاته بدور الحكواتي في مسلسل بروكار خلال بداية العام الحالي 2020.
وبدوره ظهر (زيناتي قدسية) كممثل فلسطيني في سوريا من مواليد قرية إجزم، في حيفا. عام 1948، شكل في ثمانينيات القرن الماضي مع الكاتب الراحل ممدوح عدوان ثنائيا مسرحيا. تحوّلت الأعمال القليلة التي قدّماها إلى ظاهرة فنية وفكرية بما قدّمته من فن مسرحي ذي خصوصية. قدم عددا من الأعمال تتناول المأساة الفلسطينية وأخرج مجموعة من الأعمال الجماعية، ربما كان أبرزها مسرحيته "رأس الغول" التي زاوج فيها بين أعمال الأديبين محمد الماغوط وزكريا تامر.. عمل في المسرح لمدة 35 عاماً. في عام 1971 انضّم إلى فرقة المسرح الجامعي المركزية بسوريا لمدة أربع سنوات. عمل في مسرح الهواة "الشباب" بالإخراج والإعداد والتمثيل.
في عام 1977 عمل على تأسيس المسرح التجريبي في عام 1978. عمل ممثلاً في المسرح القومي السوري كما عمل مديراً فنياً لفرقة مسرح العمال، كاتباً و مخرجاً. عضو في فرقة المختبر المسرحي. ترأس عدة لجان تحكيم في المهرجانات المحلية والعربية. شارك في العديد من المهرجانات المسرحية العربية والدولية. قام بتأسيس مسرح "أحوال" مع الشاعر والكاتب الراحل ممدوح عدوان. في عام 2002 عيّن مديراً للمسرح التجريبي.
من أهم الأعمال الفنية التي شارك فيها: مسلسل أبواب الريح عام 2014، صراع على الرمال 2008، باب الحارة الجزء الثامن 2016، عذراء الجبل عام 2004، ومسلسل الظاهر بيبرس 2005، مسلسل عز الدين القسام 1981، مسلسل العوسج عام 2002. كما شارك في عدد كبير من المسرحيات ومنها: عبلة وعنتر عام 2008، ومسرحية وحيد القرن التي كانت من تأليفه وإخراجه عام 2009. وشارك زيناتي قدسية في عدة أفلام ومنها: بستان الموت، والأبطال يولدون مرتين.
كتّاب المسرح والدراما
إضافة إلى انخراط العشرات من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في مجال التمثيل الفني في المسرح والسينما والمسرح، برزت أسماء كثيرة بين اللاجئين الفلسطينيين في مجال كتابة المسرح والسيناريو، ومن أهمهم أحمد قبلاوي، الذي يعتبر من أقدم الكتاب الفلسطينيين للمسرح والدراما في سوريا. وهو من مواليد مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني في عام 1937، وقد جاء إلى دمشق بعد نكبة 1948 وتوفي فيها عام 1984 وهو في السابعة والأربعين من العمر… لكن أحمد قبلاوي استطاع أن يقدم لكلاسيكيات التلفزيون السوري أحد أهم المسلسلات في فترة الأبيض والأسود وهو (دولاب) الذي أخرجه غسان جبري في جزءين عام 1972 وكان أول مسلسل أجزاء في تاريخ الدراما السورية… وقد لاقى حينها نجاحا مميزاً لأنه يرصد تاريخ المنطقة الاجتماعي والسياسي ببساطة وصدق. وقد كتب أحمد قبلاوي العديد من الأعمال التلفزيونية كتمثيلية (عرقين زنبق) إخراج غسان جبري، ومسلسل (بريمو) إخراج رياض ديار بكرلي 1978، وتمثيلية (خريف الأيام) إخراج طلحت حمدي عام 1984، وقد كان لأحمد قبلاوي نشاط مسرحي، وكان مديراً للمسرح الجوال… كما قدم العديد من الأعمال المسرحية الشعبية مع الفنان محمود جبر، ومع المخرج غسان جبري.
وكذلك من بين من يعتبر بدوره من الكتاب البارزين في تاريخ الدراما التلفزيونية السورية، نذكر الكاتب الفلسطيني المسرحي أكرم شريم، وهو من مواليد 16/8/1943 في قلقيلية في فلسطين وانتقل مع أسرته إلى دمشق إثر النكبة عام 1948، حاز على الإجازة الجامعية من كلية الآداب بدمشق ـ قسم اللغة العربية. عمل في حرف عديدة قبل أن يشتغل بالصحافة، فقد عمل كجاب في باص لثلاث سنوات تم عاملا للبلاط، ويعرفه الكثير من آل السهلي الذين كانوا يعملون في تلك المهنة.
بعد ذلك عمل أكرم شريم في حقل الصحافة، وهو متفرغ للكتابة وخاصة القصة والرواية. وقد أنشأ المسرح الوطني الفلسطيني بدمشق عام 1973 وكان كاتباً ومديراً وعرض مسرحيته (حكاية هذا الحي) في دمشق وبغداد ثم مسرحية الأطفال (ممتاز يا بطل) في مسرح القباني بدمشق عام 2011. وترجمت له قصة (مفتش التأمينات) إلى الألمانية، كما ترجمت له مقالة صحفية عن مسرحيته (ممتاز يا بطل) إلى الروسية عن طريق اتحاد الكتاب العرب. وقد بدأ ذلك منذ عام 1972 في جامعة دمشق.. يكتب القصة القصيرة والمسرح ومن كتاباته الدرامية مسلسل بعنوان أولاد بلدي، كما قدمت لة فرقة المسرح الفلسطيني مسرحية بعنوان حكاية هذا حي، ومن أهم كتاباته التي لاقت متابعات كبيرة وواسعة في الدراما السورية مسلسل (أيام شامية).
وبخلاف الكاتب أكرم شريم المقل في أعماله، فإن الكاتب الفلسطيني (هاني السعدي)، وهو من مواليد قرية صفورية 1944 في قضاء مدينة الناصرة، يبدو أنه من أغزر الكتاب في الدراما السورية. وقد بدأ هاني السعدي حياته ممثلا في السينما والمسرح والتلفزيون في أعمال المخرج علاء الدين كوكش: (أولاد بلدي ـ أسعد الوراق ـ تجارب عائلية ـ بيوت في مكة)، وفي أعمال مسرحية أخرجها كوكش أيضاً في السبعينات (حفلة سمر من أجل 5 حزيران ـ لا تسامحونا)، وفي أعمال سينمائية وتلفزيونية أخرى متفرقة، إلا أنه سرعان ما اتجه إلى الكتابة الدرامية منذ ثمانينيات القرن العشرين وكتب العديد من الأعمال (غضب الصحراء ـ دائرة النار) إخراج هيثم حقي، (البركان) إخراج محمد عزيزية، (الجوارح ـ الكواسر ـ البواسل ـ الفوارس ـ الموت القادم من الشرق) إخراج نجدت أنزور، (أبناء القهر ـ عصر الجنون) إخراج مروان بركات، (حاجز الصمت ـ أسياد المال) إخراج يوسف رزق… وغيرها كثير من الأعمال. ومن كتاب السيناريو الفلسطينيين في سوريا (حسن سامي اليوسف) الذي ولد في قرية لوبية قضاء طبرية في فلسطين سنة 1945م.
حينما وقعت نكبة فلسطين عام 1948 التجأت عائلته إلى لبنان ثم إلى سوريا. وأقامت في دمشق، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدراس الأنروا، والثانوية في ثانوية عبد الرحمن الكواكبي. وبعد الثانوية، عمل ممثلاً في المسرح القومي في دمشق، وبعد نكسة عام 1967، ساهم مع عدد من الشباب الفلسطيني في تشكيل فرقة المسرح الوطني الفلسطيني التي قدمت عروضاً كثيرة على مسارح العواصم العربية. في سنة 1968. يحمل شهادة الماجستير في هذا الفن، فعين في المؤسسة العامة للسينما في سوريا كرئيس لدائرة النصوص. كما كان عضواً في هيئة تحرير مجلة الحياة السينمائية التي تصدر في دمشق. ومن أهم أعماله مسلسل الانتظار، مسلسل الغفران، مسلسل زمن العار. ومن أجمل مسلسلاته مسلسل الندم.
*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا
إقرأ أيضا: اللاجئون الفلسطينيون في سوريا.. قصص الإبداع والتميز (1من4)
إقرأ أيضا: اللاجئون الفلسطينيون في سوريا.. قصص الإبداع والتميز (2من4)
اللاجئون الفلسطينيون في سوريا.. قصص الإبداع والتميز (2من5)
اللاجئون الفلسطينيون في سوريا.. قصص الإبداع والتميز (1من5)
إحراق المسجد الأقصى.. جريمة لا تزال حاضرة بأشكال مختلفة