مدت أنقرة يدها إلى أثينا أكثر من مرة للتباحث من أجل حل المشكلة في شرقي المتوسط، والتفاهم بشأن السيادة على المناطق البحرية عبر الدبلوماسية والمفاوضات، إلا أن أثينا عضَّت تلك اليد، واختارت التصعيد بدلا من الحوار، مستنجدة بالاتحاد الأوروبي ودول عربية كمصر والإمارات.
المسؤولون اليونانيون يراهنون على وقوف ألمانيا وفرنسا إلى جانبهم، وهذا يمكن تفهمه، إلا أن رهانهم على التحالف مع دولة مثل الإمارات أمر غير مفهوم على الإطلاق. ويا ترى ما الذي يأمله المسؤولون اليونانيون من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد؟ وماذا يمكن أن تقدمه الإمارات إلى اليونان؟
الإمارات لا تملك جيشا كبيرا لترسل إلى اليونان جنودها، وإن أرسلت اليوم عددا من طائراتها الحربية إلى جزيرة كريت للمشاركة في المناورات العسكرية، فإنها تعلم جيدا أنها مجرد مناورات لا خطر فيها على طائراتها. وإن وقعت حرب بين تركيا واليونان، لا سمح الله، فمن المؤكد أنها ستتجنب الخوض فيها مباشرة، لإبعاد الخطر عن نفسها. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "هل يريد المسؤولون اليونانيون من الإمارات أن ترسل إلى جزر إيجة مرتزقة من السودان وتشاد، كما تفعل في ليبيا؟
أبو ظبي بارعة في استخدام الدول كدروع للإمارات في مغامراتها، وتدفع الآخرين للواجهة كي تتستر وراءهم، كما تفعل مع السعودية في اليمن، ومصر في ليبيا. ويعرف الجميع أن وقوف الإمارات إلى جانب اليونان في ملف شرقي المتوسط ليس إلا نكاية بتركيا. وهي تسعى دفع اليونانيين إلى التصعيد، وتحرِّضهم على المواجهة مع الأتراك؛ لأن الحرب إن وقعت فلن تقع في مياه الخليج العربي، ولا في الأراضي الإماراتية، بل في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط، ولن يتأثر منها الشعب الإماراتي، بل الشعب اليوناني هو الذي سيدفع الثمن، وسيعاني من ويلات الحرب.
المسؤولون اليونانيون يجب أن يسألوا أنفسهم: هل هم يريدون أن يجعلوا بلادهم رأس الحربة في مواجهة تركيا، تلبية لرغبات الآخرين، على رأسهم ولي عهد أبو ظبي؟ وإن كان جوابهم "نعم"، فهل الشعب اليوناني سيؤيد هذا الخيار؟ وإن كان جوابهم "لا"، فليتخلوا عن التصعيد والاستقواء بدول لا علاقة لها بشرقي المتوسط، وليتبنوا لغة الحوار.
التقسيم الظالم الذي تسعى اليونان فرضه على تركيا في البحر الأبيض المتوسط لا يمكن قبوله على الإطلاق، وليست هناك قوة بشرية على وجه الأرض يمكن أن تجبر تركيا على الاعتراف به؛ لأنه - بكل بساطة - يعني الاستسلام للاحتلال، والتخلي عن حقوق الشعب التركي. ولو وضع اليونانيون أمام أعينهم تلك الخريطة التي لا تعطي تركيا إلا اليسير للغاية من مناطق البحر الأبيض المتوسط على الرغم من سواحلها الطويلة، ثم سألوا أنفسهم: "هل كنا نقبل بهذه الخريطة لو كنا نحن مكان الأتراك؟"، لعرفوا أن تركيا على حق، وأن مزاعم بلادهم غير قانونية وغير عادلة وغير أخلاقية.
الحل في شرقي المتوسط ليس صعبا، لو يدرك المسؤولون اليونانيون أن التفاهم مع تركيا لصالح بلادهم؛ لأن الإمارات وغيرها من الدول التي تصب الزيت على النار، بعيدة عن المنطقة، وأما تركيا فستبقى جغرافيا بجوار اليونان. ومن المؤكد أن العلاقات المبنية على حسن الجوار والمصالح المشتركة ستنعكس إيجابيا على أمن المنطقة واستقرارها، وستستفيد منها اليونان قبل تركيا. كما يمكن أن تقدم الأخيرة خبراتها وإمكانياتها في مجال البحث والتنقيب لخدمة جارتها، في حال قررت أثينا التفاهم والتعاون مع أنقرة.
اليونان تقوم منذ فترة بتسليح الجزر القريبة من السواحل التركية، في خرق صارخ لمعاهدتي لوزان وباريس. وأرسلت قبل أيام تعزيزات عسكرية إلى جزيرة مئيس/ كيزيل حصار (كاستيلوريزو)، في محاولة صبيانية لاستعراض العضلات، لأن تركيا لو نشرت قبالة الجزيرة اثنتين أو ثلاثا من مدفعية "فرطنا" (العاصفة) التي يصل مدى قذائفها 40 كيلومترا، لتدكها، لا تبقي حجرا ولا شجرا على وجه الجزيرة التي لا تبعد عن السواحل التركية سوى كيلومترين فقط.
الأزمة في شرقي المتوسط يمكن حلها بسهولة إن خلصت النيات، واجتمعت الأطراف المعنية على طاولة الحوار. وما زالت هناك فرصة للحل السلمي عبر المفاوضات والطرق الدبلوماسية، إلا أن لجوء اليونان إلى الأساليب التصعيدية يعقد الأمور وقد يؤدي إلى وصولها إلى "نقطة لا عودة منها"، لأن أثينا تتحرك حاليا في منطقة خطيرة، وإن الراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.
twitter.com/ismail_yasa
اتفاقية لوزان: ما الذي تستطيع تركيا تغييره؟
مغالطات متعمدة.. التطبيع التركي القطري والتطبيع الإماراتي
الموقف الأوروبي والأمريكي من النزاع شرق المتوسط