(المقال يعالج الاعتراف والتطبيع ي حالة إسرائيل بالذات باعتبارها كيانا جديدا له طابع خاص جدا).
أولا: الاعتراف
إسرائيل مشروع استعماري استيطاني يدمر المنطقة العربية انطلاقا من فلسطين، وهو مشروع لزرع إسرائيل في المنطقة حتى تخدم مصالح الغرب عندما ترحل قواته العسكرية من المنطقة. وبذلك عاشت المنطقة عصرا رومانسيا صممه الغرب واصطدم مع من خرج عن الصف، مثل عبد الناصر، وصار كل شيء مصمما لخدمة المشروع الصهيوني.
وقد اعتمدت إسرائيل ثلاثة محاور وتتوسع بها في المنطقة:
المحور الأول: هو استخدام القوة الطاحنة لسحق العرب وجيوشهم، حتى يصبح العسكري العربي مرعوبا من الجيش الإسرائيلي، ولذلك يدعو إلى السلام مع هذا العدو خوفا منه ومن بطشه. وقدمت إسرائيل عددا من المشاهد المرعبة حتى تُدخل الرعب في قلوب العسكرين والسياسيين في المنطقة (كما فعل التتار تماما) فييأسوا من مجرد مشاعر العداء، فيجنحون إلى المهادنة تحت ستار السلام، وهم يعلمون أنه استسلام للعدو الباطش. وقد تباهى نتنياهو بنظريته ونتائجها في استقدام العرب طوعا وجزعا إلى أعتاب إسرائيل.
المحور الثاني: هو استخدام أحدث تكنولوجيا الحرب والسلاح والتدريب، وإبقاء الجيش سلاحا رادعا للعرب يأخذ دائما زمام المبادرة، ويعتدي ولا يقبل بهجوم أحد عليه. ولذلك اعتبرت إسرائيل أن هجوم الجيش المصرى علي جيشها المحتل لسيناء في تشرين الأول/ أكتوبر 1973 عدوانا وانتهاكا لميثاق الأمم المتحدة. ورغم خطأ هذه النظرة من الناحية القانونية، إلا أن إسرائيل تقبل كل ما يدفع مشروعها ولا شأن لها بموازين العالم وقواعد قانونه.
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل تعتبر واشنطن السند لها، تدعمها عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا بل وتخضع العرب لإسرائيل، بحيث صارت العلاقات العربية الأمريكية علاقات تابعة لثابت أصلي جديد، وهو علاقة الدولة العربية بإسرائيل، فصارت توصية إسرائيل ورضاها هي أوراق اعتماد هذه الدولة العربية وذلك الحاكم عند واشنطن.
المحور الثالث: استخدام القوة المفرطة لسحق العرب وسحق شخصيتهم والاستيلاء على أراضيهم، فهي الضمانة الوحيدة لتوسيع المشروع. فتستولي إسرائيل على سيناء ثم تجلو عنها بمقابل كبير لدعم المشروع الصهيوني، وهو ارتهان إرادة مصر ودفعها إلى تسهيل اختراق المشروع لبقية الجسد العربي. ولذلك فالكيانات والمشيخات التي لم تحتلها إسرائيل فهمت اللعبة، وسارعت بدفع من واشنطن صوب إسرائيل على معادلة جديدة، تختلف عن الاعتراف مقابل الانسحاب.
ولذلك فإن الاعتراف العربي بإسرائيل قسمان:
القسم الأول: هو الاعتراف بإسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضى التي احتلتها.
القسم الثاني: هو الاعتراف بمقابل مستقل، دون أن يسبق ذلك ضرب الدول العربية واحتلال أراضيها.
وكلا القسمين يُنتج صفقات لا تعطي الشرعية لكيان غاصب، خاصة بعد أن أكدت إسرائيل أن قرار التقسيم 1947 ليس سند الشرعية لها، وإنما سند الشرعية هو قوة إسرائيل وخضوع العرب للجلاد بكيان غير مشروع.
ثم إن الاعتراف كثمن لرد الأرض ومكافأة للمعتدي، كما أن الاعتراف جائزة للمنتصر. وكان ذلك مقبولا في القانون الدولي الاستعماري، حيث يمنّ المستعمر على فريسته باستعمارها وتحضيرها. ولا يجوز استجداء الشرعية لكيان غاصب وذلك بعضوية الأمم المتحدة، لأن علاقة إسرائيل بالأمم المتحدة تنحصر في قرار التقسيم الذي وظفته إسرائيل ثم لفظته، لأن عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، باطلة فلا يجوز أن تتحصن إسرائيل بالعضوية بينما انحسرت عن إسرائيل جميع شروط العضوية. ثم إن عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة لا ترتب لها شرعية تفتقدها ذاتيا. وقد شرحنا في مقال آخر وظيفة الاعتراف.
وأخيرا الاعتراف بكيان باطل؛ باطل مثله هو الآخر، خاصة وأن الاعتراف يعني الإقرار بصحة الجرائم الإسرائيلية واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه. كما أن إسرائيل، وهو اسم سيدنا يعقوب ونجلّه عن أن يُستخدم رمزا لكل قبيح، هي تجسيد للمشروع الصهيوني الذي يتضمن تمدد إسرائيل من النيل إلى الفرات.
الاعتراف أخيرا تواطؤ مع إسرائيل على انتهاك كافة قرارات الأمم المتحدة في القضية، وتشجيع لها على ارتكاب المزيد من الجرائم تحت ستار تنمية المنطقة وازدهارها.
وحتى لو غضضنا الطرف عن اقتصاد إسرائيل، إلى الشرعية ذاتيا وبحسب ما تمثله، فإن لحظة الاعتراف المصري مثلا أوجدت إسرائيل من عدم، وشجعتها على المزيد من التوسع، وأمنت الحدود مع مصر لتفرغ إلى ما بعدها. وكان يتعين على مصر التحفظ عند الاعتراف على كيان يزعم أنه دولة بلا حدود ويتركها لمقتضيات التوسع والقوة، ثم التأكيد على ثوابت الموقف المصري، وهو يتعلق بربط الأراضي المصرية ببقية الأراضي العربية وقضية القدس. وعندما قررت إسرائيل ضم القدس والجدار العازل، فكان يتعين على مصر سحب الاعتراف بإسرائيل.
ثانياً: التطبيع:
العلاقة بين الاعتراف والتطبيع يفترض أن الأول مقدمة للثاني. معنى التطبيع إعادة الوضع إلى طبيعته السابقة، ولذلك فإن التطبيع مع إسرائيل مستحيل؛ لأن إسرائيل ظاهرة حديثة ولم تكن هناك معاملات سابقة معها.
والتطبيع معناه الوحيد هو عودة العلافات الي سابق عهدها قبل انقطاعها، ولذلك فالاعتراف بإسرائيل مقدمة للتسلل الإسرائيلي إلى صلب المنطقة، رغم أن المنافع التجارية لدول الخليج وشركاتها مع السوق العربية، وليس مع إسرائيل كما قيل في الإعلام العربي.
وفي هذه الحالة نعتمد على وعي الشعوب العربية، وهي تربو على 500 مليون. وبلادهم سوق تتنافس عليه الدول الأخرى، ولا يزال معدل التجارة البينية متواضعة. فيجب على الشعوب مقاطعة بضائع الدول التي تعترف بإسرائيل وتتاجر معها.
ولكن انقطاع الصلة بين الاستثمارات الخليجية والأهداف القومية يمكن أن يكون مثيرا لاهتمام ومصالح دول الخليج. وقد رأينا عظم الاستثمارات الخليجية في الصين، ومع ذلك لا تُستخدم هذه الاستثمارات لتحقيق أي مزايا سياسية لمسلمي الصين أو الأقصى والحقوق الفلسطينية.
ولا جدوى من حملات المشيخات ضد الفلسطينيين وتبييض صفحة إسرائيل؛ لأن الشعوب تدرك أن الصهاينة ضد العروبة، وأن الخطر على هوية المنطقة يتوازى مع التهام فلسطين.
وسوف أنشر قريبا مقالا عن دور الاستثمارات الخليجية في العالم العربي، خاصة في مصر، في خطط التنمية.
وأخيرا، أنبه أن إلى أن إسرائيل رغم توسعها الدبلوماسي تعاني من الشعور بعدم المشروعية، والاعتراف بها هاجس يلح عليها، وسنجد أن الاعتراف يتصدر صفقات السلام بين إسرائيل ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية.