(1)
تشير آخر التحديثات في
الاقتصاد السوداني إلى أن نسبة التضخم وصلت رقما قياسيا، يصل إلى ١٦٦.٨ في المئة خلال شهر آب/ أغسطس ٢٠٢٠م، فهل هناك كارثة أكثر دلالة من هذا؟
أما التقديرات العالمية فإنها تشير لأرقام أخرى، لقد أصبح السودان رابع دولة عالميا في التضخم القياسي بناء على تقديرات جامعة هوكينز، تسبقه فنزويلا (١٥٩٠في المئة) وزيمبابوي (٥٦٨ في المئة) ولبنان (٣٦٥ في المئة) والسودان (٢٦٥ في المئة)، وتليه سوريا (٢٢٥ في المئة).
وخلال أشهر معدودة تصاعد التضخم من ٨١ في المئة في آذار/ مارس إلى ١٦٦ في المئة في آب/ أغسطس، بينما التقديرات العالمية هي بخلاف إحصاءات الحكومة. وقد تجاوزت الاستدانة من النظام المصرفي ثلاثة أضعاف المسموح به.
ونضيف لك معلومة مدونة في تقرير العرض الاقتصادي للنصف الأول من العام ٢٠٢٠م والذي أصدره بنك السودان المركزي، ويشير لتراجع عائد الصادرات في شهور نيسان/ أبريل وأيار/ مايو وحزيران/ يونيو، فإين ذهب؟ ومن المسؤول؟ قد نقول إن أزمة كورونا أوقفت الحركة التجارية، فلماذا لم يتوقف الاستيراد إذن؟ إنه الفشل المريع سيدي رئيس الوزراء حمدوك؟
لقد تضرر أكثر من ٧٥٠ ألف مواطن بسبب السيول والفيضانات، وانهار أكثر من ١٠٠ ألف منزل، وتأثرت كل المزارع والبساتين على شاطئ النيل الذي يوفر ٩٠ في المئة من احتياجات العاصمة من الخضروات والفواكه واللحوم البيضاء والألبان، دون أن تحرك الحكومة ساكنا، وحتى إعلان الطوارئ جاء متأخرا أسبوعين. واجتمع مجلس الوزراء مرة واحدة، في واحدة من أكثر صور اللامبالاة وانعدام الحس بالمسؤولية والروح القيادية، بل المؤشر الأخطر هو ضعف استجابة المجتمع الدولي لإسناد الحكومة. ومشكور الجانب العربي، فقد بادر بالدعم الإنساني.
إن نقص الهمّة أحد أسباب الكارثة، ويضاف لذلك غياب الرؤية واضطراب السياسات والافتقار للوحدة والتجانس. فقد قال د. إبراهيم البدوي، وزير المالية السابق، في ندوة بالخرطوم مساء الجمعة (١١ أيلول/ سبتمبر) "إن الحل في تعويم سعر الصرف". وأكبر أخطاء الوزير وبموافقة د. حمدوك أنه مضى في هذا الاتجاه دون أن يتحوط لذلك بإجراءات تحكمية تضبط سعر الصرف، من خلال احتياطات مناسبة من العملات الأجنبية، بما يضمن توفر سيولة للحكومة لتوفير الضروريات وكبح حركة السوق.
ومع ضعف الخبرة، أدت تلك السياسات لحالة من الإفراط في التضخم، وفقدت العملة المحلية المعركة سريعا وتدهورت من ٧٠ جنيها للدولار إلى ١٢٠ جنيها، ومن ١٥٠ جنيها إلى ١٧٠ جنيها خلال شهر، ومن ٢٠٠ جنيه إلى ٢٧٠ جنيها للدولار الواحد خلال ٧٢ ساعة، في صورة مصغرة عن التدهور والانهيار. فقد كانت خزائن بنك السودان فارغة، ومعالجات الحكومة قاصرة ومحدودة.
(2)
جاء في بيان شركة سكر كنانة بعد اجتماع مجلس الإدارة يوم ١٠ أيلول/ سبتمبر ٢٠٢٠م ما يلي: "ويؤكد المجلس رفضه لأي تدخلات في إطار المؤسسية من جهات وكيانات تدعم انفلاتات العاملين عن العمل/ والعمل على بث الفرقة بين مجموعات العاملين الذين ظلوا منذ تأسيس الشركة يعيشون في تكاتف ووحدة".
وهذه صورة مصغرة لما يجري في المؤسسات والشركات والكبرى، وما يعانيه رجال المال والأعمال، وما يخشاه المستثمر الذي يبحث عن الأمان والربحية، بينما في واقع حكومة حمدوك الجديد تم العبث بكل هذه الحقائق والمميزات.
فقد دُمر مشروع استثماري في سنار وفي الجزيرة، وتمت مضايقة الراجحي في الشمالية. هذا بؤس حكومة لا تعرف قيمة هذه الشركات والمؤسسات، وبينما تدعو للحرية الاقتصادية تشجع بالصمت أو التردد على أعمال تؤثر على استقطاب الاستثمار، بل هناك أطراف من الحاضنة السياسية تدعو لمحاربة الطفيلية والرأسمالية. وتمكن مراجعة بيانات الحزب الشيوعي السوداني لمعرفة أن هذه الحكومة لا تعرف ما تريد، وتقودنا إلى واقع بئيس.
(3)
وختامها نعيد طرحنا للحلول، ولإنقاذ الواقع لا بد من التأكيد على الآتي:
* أن المخرج هو توظيف الموارد الذاتية للإنتاج وحسن إدارتها، فإنتاج السودان من الذهب وحده ١٨٠ طنا على الأقل (أسعار الذهب في تصاعد)، وإذا تحصلت على ١٠٠ طن، فيمكن أن توفر خمسة مليارات دولار، وقس على ذلك. ويتطلب ذلك التفافا شعبيا ووحدة إرادة سياسية، يمكن أن يوفر أرضية للانطلاق. وللأسف فإن بعض أجندة الحكومة تتجه للمزيد من التأزيم السياسي وتوسيع شقة المواقف الوطنية، مع انقسام داخل قوى الحكومة وتناقض مواقفها بين الجهاز التنفيذي والقوى الداعمة. ومهما كانت أجندة القوى الحزبية، فإن همّ المواطن "لقمة العيش".
* وهذا الأمر لا يتحقق في ظل استقطاب سياسي وتجاذب واحتراب، مما يقتضي تجاوز المرارات السياسية والشحن وحالة "فش الغبائن"، مع تحقيق سلام عادل دون مزايدات ومناورات.
* إعلاء الأجندة الوطنية، والابتعاد عن الاصطفاف خلف محاور أجنبية، وإجراء مفاوضات بأفق شفاف مع المؤسسات العالمية والصناديق في المنطقة والإقليم.
* إدارة حوار مجتمعي واسع، مع كل الأطياف، وخاصة المتخصصين والمنتجين والفاعلين في مجال الاقتصاد والمال، والتوافق على خطة شاملة ومانعة.
* إن التحدي الاقتصادي قضية وطنية وتهدد حياة كل مواطن، وترتبط بكل شرائح المجتمع، وهي بذلك محل اهتمامهم، ولا تخص فئة أو مجموعة.
* ولن يتحقق ذلك إلا عبر إرادة سياسية جديدة وحكومة جديدة، فهذه المجموعة الحاكمة محدودة الخبرة وشحيحة الخيال وقليلة الفاعلية، ولذلك فإن الحل يبدأ بحل هذه الحكومة، وتكوين حكومة كفاءات مستقلة، وبلورة مشروع وطني شامل.. والله المستعان.