مثّل بيان 3 تموز/ يوليو 2013 لحظة إعلان هزيمة ثورة يناير، لكن مذبحتي رابعة والنهضة أعلنتا عن رؤية النظام الجديد لشكل الحكم. ولم يقتصر هذا الإعلان الآثم على إجراءات سياسية، بل صاحبته عملية تحقير اجتماعي للمنقَلَب عليهم، أدت إلى مباركة قتلهم والتنكيل بهم من قِبَل قطاعات معارضة لهم.
لكن ما نتج عن دموية السيسي ونظامه الجديد لم يتوقف عند حدود أيام المذبحة، بل جاوزها إلى سبع سنوات (حتى اليوم) دون وجود أمل منظور في إيقاف نتائج ما أحدثته المذابح والممارسات القمعية والوحشية وعمليات التحقير الاجتماعي.
شن نظام يوليو (الثاني) حربا على تنظيم الإخوان المسلمين، باعتباره التنظيم الأكبر والأهم في المعادلة السياسية المصرية، لكن خلال تلك الحرب انتبه أعضاء الإخوان أخيرا إلى أن قيادتهم هي التي أوصلتهم إلى تلك اللحظة المُهدِّدة لحيواتهم وحيوات ذويهم، ولم يكن أحد يظن أن عقارب الساعة ستعود للوراء، فضلا عن تصور أنها ستعود إلى عصور محاكم التفتيش والقتل على الهويّة.
رغم سوء الأوضاع الأمنية كان هناك من لا يزال متشبثا بمنصبه القيادي داخل التنظيم، لينتج عن ذلك تباين في وجهات النظر أفضى إلى أكبر انقسام شهدته الجماعة في مصر، فاق ما جرى عقب اغتيال الأستاذ البنا
جرت داخل الجماعة انتخابات في شهر شباط/ فبراير 2014، أي بعد المذبحة بستة أشهر فقط، في مؤشر واضح على قدرة التنظيم على أن يتجاوز ضربة قاتلة طالت كل قياداته حتى الصفوف الثلاثة الأولى من جسده، لكن رغم سوء الأوضاع الأمنية كان هناك من لا يزال متشبثا بمنصبه القيادي داخل التنظيم، لينتج عن ذلك تباين في وجهات النظر أفضى إلى أكبر انقسام شهدته الجماعة في مصر، فاق ما جرى عقب اغتيال الأستاذ البنا.
أحد الشباب الذين كانوا في المرحلة الجامعية عقب الانقلاب العسكري، وهو من أسرة منتمية إلى الجماعة، استطاع الخروج من مصر عقب الإفراج عنه، لكن رحلته خارج مصر وداخل التنظيم تروي جوانب مظلمة لجماعة عريقة تضرب بجذورها في التاريخ المصري الحديث.
يروي الشاب (الذي طالب بالحفاظ على هويته) أن بدء صدامه مع الجماعة كان مع أحداث شارع محمد محمود أواخر 2011، وهي الأحداث التي لم تشترك فيها الجماعة بشكل رسمي. سمع حينها خطابا داخليا يخالف الواقع الذي رآه بعينه خلال الأحداث، ومن هنا بدأت رحلة الخلاف، وسرعان ما أصبحت آراؤه المختلفة محل انتقاد وتوبيخ. وقبيل وصول الرئيس الراحل مرسي إلى سُدة الحكم، انفصل عن التنظيم الذي تربى فيه طوال عمره باعتباره من أسرة تنتمي إلى الجماعة.
كانت فترة ما بعد الثورة حتى الانقلاب مرحلة انفتاح غير مسبوق لكثير من شباب الجماعة، خاصة أولئك الذين كانوا في المرحلة الجامعية التي تُجبر بطبيعتها أي مشتبك مع الشأن العام أن يختلط بالعديد من الثقافات السياسية والاجتماعية، وكذلك كان صاحبنا.
عقب الانقلاب العسكري عاد سريعا إلى رفاق عمره ليشارك معهم مجابهة الانقلاب، لا عودة الرئيس. انخرط في تنظيم الفعاليات في جامعته، وارتقى أحد رفاقه برصاص الأمن داخلها، كغيره ممن ارتقوا في الشوارع والميادين. وبعد أشهر من التظاهر والمطاردة الحثيثة من الأمن تم اعتقاله، ليمر بمرحلة أخرى من التفكير في مسار حياته قبل الاعتقال، وما سيفعله بعد خروجه.
قام صاحبنا بالتوجه إلى السودان، ومنه إلى إحدى دول الاتحاد السوفييتي سابقا، وبعدما قام بتوفيق أوضاعه واستعداده لإطالة المكث هناك، قام شابان عربيان كانا يدرسان في نفس البلد بتفجيرات في مدينة أوروبية أخرى، ليحيلا حياة العرب هناك إلى جحيم، فيضطر صاحبنا للخروج والعودة مرة أخرى إلى السودان.
مرة أخرى استطاع أن يوفق أوضاعه والعمل في دولة تزخر بتواجد أعضاء جماعته السابقة، لكنه أُبلغ هذه المرة من أحد أفراد جهاز أمني، بأن تواجده غير مرغوب فيه (بناء على تحريض صدر من بعض إخوانه)، وأمامه أيام قليلة لمغادرة البلاد قبل إلقاء القبض عليه وترحيله، ليجد نفسه في ورطة كبيرة وخصومة أيضا مع من قضى عمره بينهم.
استقر صاحبنا في أقصى الشرق الآسيوي بعيدا عن أي ارتباط بأحد، يحاول أن يستجمع شتات نفسه بعدما فارق أسرته وخاصم صحبة العمر وفقَد أصحابه بين الأسر والقتل. أصبح تساؤله الشاغل: لو انتهى نظام السيسي وعادت الحياة الديمقراطية إلى مصر، هل سيعود إليها؟ يقول إن ما فقَدَه في تلك الرحلة منذ المذبحة لا يمكن إرجاعه، تحديدا فقْد الصحبة وفقْد الروح وفقْد اليقين، بعدما أصبح الشك مسيطرا على نظرته لأمور كثيرة، حتى المفاهيم الدينية التي تربى عليها، وهو هنا يفرّق بين شكه في الدين وبين شكّه في ما تربى عليه من مفاهيم دينية، فالإيمان لم يغِبْ عن قلبه.
هناك روايات متكررة تتقاطع في جزء أو أجزاء مع رواية صاحبنا مما يعطيها مصداقية. كذلك شهد كاتب السطور بعضا من الممارسات غير اللائقة بالتنظيمات الدعوية
الأشهر الثلاثة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية
عبد الله مرسي.. ودولة العمليات القذرة!