في وقت احتدم فيه الجدل حول قرار إغلاق السفارة الأمريكية في بغداد نتيجة ارتفاع وتيرة الهجمات على المصالح الأمريكية؛ ومن ضمنها السفارة الأمريكية؛ كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدخل رسميا مناخ الانتخابات الرئاسية التي هيمن عليها طوال الخمسة عشر عاما الماضية استراتيجية الخروج من العراق وأفغانستان وجدوى الحرب وكلفتها.
وفي الوقت الذي واجهت فيه زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لأثينا موجة من الاحتجاجات والتظاهرات الغاضبة في عدد من المدن اليونانية أحرق فيها العلم الأمريكي يوم أول أمس الثلاثاء 29 أيلول (سبتمبر) الماضي؛ كانت الولايات المتحدة تنتظر بشغف المناظرة التاريخية بين مرشحي الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب ومنافسه جو بايدن؛ ليتضح أنها مجرد مشاجرة خالية من المعنى والمبنى السياسي والفكري العميق؛ فالطبقة السياسية أشهرت إفلاسها في هذه المناظرة؛ ولم تعد تملك ما تقدمه بحق للمواطن الأمريكي والعالم.
إفلاس واضح لترامب ونظيره بايدن؛ فرغم الأصول السياسية الكبيرة التي استثمر فيها دونالد ترامب في السنوات الأربع الفائتة؛ والتي شهدت مضاربات قوية خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية في التطبيع والتصعيد مع إيران وتسريع المسار السياسي في أفغانستان؛ إلا أنها لم تجد نفعا في توجيه الاهتمام نحو إنجازات ترامب وفتوحاته التي بعثرها وباء كورونا كوفيد 19.
إطلاق موجة التطبيع الخليجية مع الكيان وتشديد العقوبات على إيران؛ لم تنعكس على الجدل الانتخابي إيجابا؛ فالنقاش والجدل ذهب بعيدا بين المتناظرين نحو تقاذف الاتهامات والإهانات التي طالت أفرادا في عائلة ترامب (إيفانكا وزوجها كوشنير) وأفرادا في عائلة بايدن ولديه (هنتر وبيو المتوفى) عاكسا حالة الإفلاس السياسي؛ مشهد اختصر الواقع الأمريكي المرتبك والمنقسم على ذاته في صراع أيديولوجي خطير يتطور بتسارع بين الحين والآخر.
انقسام أمريكا وإفلاس الطبقة السياسية ينعكس على فاعلية السياسة الخارجية الأمريكية ومجمل استراتيجيتها الدولية؛ التي تشمل العلاقة مع روسيا والصين وأوروبا والمنطقة العربية وغرب آسيا؛ أمر سيقود لارتهان السياسة الأمريكية لإرادة لاعبين صغار كإسرائيل ودول خليجية كالإمارات وأخرى متوسطية كاليونان
رغم التفاؤل الذي أبدته الإدارة الأمريكية بتطبيع نظم خليجية مع الكيان الإسرائيلي؛ ورغم حرص إدارة ترامب على ضم السودان لموجة التطبيع بلقاء عقد الأسبوع الأخير من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي استضافته أبو ظبي؛ فإن مشهد الانقسام والتصارع الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية ظل الطاغي والمتحكم بالمشهد السياسي؛ إذ حضرت منظمة مناهضة الفاشية اليسارية (انتيفا Antifa) والمنظمة اليمينية الفاشية (الأولاد الفخورون Proud Boys) وغابت العراق وإيران وأفغانستان والقاعدة وداعش والحشد الشعبي العراقي؛ حضرت التهديديات بالمحاكمة والملاحقة القانونية لترامب وغابت البرامج الاقتصادية والاجتماعية.
استهلك كل من بايدن وترامب طاقتيهما ووقتيهما في الدفاع غير المباشر عن قوى لا تعترف بالعمل السياسي والدستور الأمريكي؛ تارة بوصف بايدن (انتيفا) بأنها مجرد فكرة وليست مليشيا؛ وتارة أخرى برفض ترامب إدانة عنف المليشيا اليمينية Proud Boys بإصدار الأوامر والتعليمات لها بالرجوع للخلف أثناء المناظرة وكأنها مليشيا تأتمر بأمره.
من الواضح أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة لم تكن حاضرة بقوة فالجدل والانقسام العرقي والأيديولوجي تعاظم شيئا فشيئا بعد انتخاب ترامب؛ واتخذ طابعا متفجرا بعد مقتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد.
الانقسام الفكري والأيديولوجي بات أكثر وضوحا في أمريكا بعد وفاة عضو المحكمة العليا (القاضية روث بادر غينسبورغ)؛ إذ اتخذ مسارا صداميا في ما يتعلق بمعركة خلافة القاضية الليبرالية الراحلة بين اليمين الأمريكي المحافظ الذي يمثله ترامب والديموقراطيين ومن خلفهم الليبراليين والتقدميين من اليسار الأمريكي؛ ما دفع الكاتب الأمريكي توماس فريدمان للتحذير من حرب أهلية محتملة في أمريكا.
سيناريو فاقمه الكشف المتكرر عن مؤامرات لاغتيال الرئيس الأمريكي؛ مقابل تهديدات يتلقاها الليبراليون والتقدميون بالقتل والإيذاء؛ مناخ عززته إعلانات ترامب المتكررة بأنه لن يتنازل عن السلطة سلما للفائز في الانتخابات الرئاسية؛ موقف أكده مجددا أثناء المناظرة يوم أول أمس الثلاثاء مع منافسه بايدن.
ملف خلافة القاضية الأمريكية والانقسام الداخلي في أمريكا أكثر حضورا من ملف اليونان وإيران والتطبيع؛ ما يشير بوضوح إلى أن الانقسام في أمريكا عميق يصعب تجاوزه بمجرد حسم الانتخابات الرئاسية؛ إذ ستمتد تداعياته إلى ما بعد الانتخابات سواء فاز ترامب أو بايدن.
أخيرا؛ انقسام أمريكا وإفلاس الطبقة السياسية ينعكس على فاعلية السياسة الخارجية الأمريكية ومجمل استراتيجيتها الدولية؛ التي تشمل العلاقة مع روسيا والصين وأوروبا والمنطقة العربية وغرب آسيا؛ أمر سيقود لارتهان السياسة الأمريكية لإرادة لاعبين صغار كإسرائيل ودول خليجية كالإمارات وأخرى متوسطية كاليونان ملحقة أضرارا كبيرة بفاعلية الاستراتيجية الأمريكية؛ ديناميكية تسمج بخروقات سياسية حتمية تحققها القوى المنافسة كروسيا والصين؛ أو القوى الإقليمية الطامحة كإيران وتركيا وكل من يملك الإرادة والرغبة بالفعل السياسي.
hazem ayyad
@hma36
وسيم شحادة وخدمة الصهاينة والبيادة!
حراك المصريين في سبتمبر.. دلالات وإلهاءات
أوامر ترامب التنفيذية في مواجهة الرياح الرقمية