دخل
لبنان رسميا فترة الانتظار في ثلاجة المنطقة والانتخابات الكونية التي سيكون مسرحها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث التنافس على أشده بين المرشح الجمهوري الرئيس دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي جو بايدن، وعلى وقع كلام الرئيس الحريري فجر الجمعة الواضح المعالم، بالانكشاف الحاصل بكل الاتجاهات، الأمنية والسياسية والمالية.
وقد قالها الحريري جهارا نهارا: نحن في طريق الانهيار والبلاء المستطير إلى أماكن لا تحمد عقباها، حيث الوصف الدقيق لبلاد تحترف تضييع الفرص منذ ثلاثة عقود بالهروب من
الإصلاحات والتفاهمات الحقيقية داخليا وإقليميا ودوليا، مؤكدا ان دور الطائفة السنية وطنيا بامتياز وهي ام الصبي عبر العهود. وحذر من حرب أهلية على الأبواب في حال استمرار انهيار صورة الدولة واشتداد الفقر على حياة ما يزيد عن نصف اللبنانيين.
وكأني به عمليا يرسم خارطة طريق بالمشيئة الفرنسية من الإصلاحات؛ إلى التعاون مع صندوق النقد الدولي.
أرقام اقتصادية صادمة!!
ولسوء حظ الجمهورية المنهكة، فقد ابتليت بسياسيين لم يتلقفوا المبادرة الفرنسية وأبعادها في ظرف أقل ما يقال فيه إنه دقيق بأبعاده الثلاثة، أولها من حيث التوقيت، فالعالم منشغل بالانتخابات الأمريكية، في فرصة للفرنسيين لاقتحام المشهد مع مساحة وهامش كبير للقدرة على بلورة حل فرنسي له القدرة على المرور بين نقاط التقاطعات اللبنانية الشائكة.
أما ثانيها فيتجسد بالدفع في بلاد تلفظ أنفاسها اقتصاديا وماليا، حيث النسب تدلل على خامس مديونية في العالم، ممزوجة بثالث نسبة دين قياسا للناتج القومي المحلي، ونسبة بطالة تصل لقرابة 50 في المئة، ونسبة فقر هائلة بحسب التقارير الاقتصادية، وآخرها ما صدر عن منظمة الأسكوا، والذي تحدث عن 50 في المئة من اللبنانيين في الفقر نفسه وليس على هامشه، علما أن الدولة عبر المصرف المركزي لا زالت تدعم السلع الرئيسية من رغيف خبز وعلبة دواء وتنكة مازوت وبنزين للكهرباء ومونة الشتاء، ذلك لبقاء رمق الحياة لدى حزب الفقراء الجدد الآخذ في الزيادة شمالا وجنوبا وعلى امتداد الوطن المسكين. وقد تكون هذه الزيادة في نسبة الفقر شرارة الفلتان القادم، فالعوز والحاجة بمعناها الاجتماعي الاقتصادي مفتاح باب الشر بالمعنى الأمني، ولا أبلغ من ذلك تلك المشاهد التي تملأ الشاشات يوميا.
أما ثالث الأبعاد فهو العثور على اسم رئيس حكومة في زمن عز فيه التوافق على اسم يكون حوله الاجماع الوطني والإقليمي والدولي، لذا الخروج عن المبادرة الفرنسية قد يكون مكلفا في مجهول الأيام.
إن مجهول الأيام معلوم المؤشرات ولا يبدو بعيدا، حيث سيظهر العقم في البحث عن شخصية سنية تقود المركب الحكومي، ولا أبلغ من ذلك تأخر الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة ما يقارب 13 يوما، ليخرج بعدها بيان رئاسي يدعو الكتل النيابية المتخبطة في التسمية إلى بدعة التأليف قبل التكليف، وصولا إلى مسارات تائهة على ما يبدو تحتاج إلى راع ينظم إيقاعها، حيث السلم الموسيقي لدى الكثير من اللاعبين الأساسيين في لبنان بات يعزف نشازا.
نادي رؤساء الحكومة: هل من حظوظ؟
في طريق رحلة البحث القادمة عن رئيس الحكومة عقبات متتالية، تبدأ من قلة المرشحين وعدم حماسة الطامحين. فالرئيس سعد الحريري حائر بين الشارع الغاضب الذي قال إنه استقال لأجله ونحن على أبواب سنة على ثورة تشرين 2019، ومتعب أمام موقف سعودي واضح المعالم حاد اللهجة تجاه حزب الله وتمثيله الحكومي.
أما الرئيس نجيب ميقاتي ومبادرته لا تشفع له للوصول للسرايا، فلا حماسة لديه الرجل لمواكبة حكومة مع العهد الحالي ولا كيمياء من العهد مع نوعية الميقاتي، المتغني الدائم بأنه السني الأول والحريص رقم واحد على إنجازات الطائف ومكتسباته للوطن عموما، والطائفة السنية خصوصا.
أما الرئيس تمام سلام، فمن الواضح أنه يريد أن يبقى بسلام في القادم من الأيام، فقد خبر المعارك التي لا طائل منها داخل مجلس الوزراء، علما أنه لا شيء تغير لا بالشكل ولا في المضمون منذ تلك الحقبة، لا بل تفاقمت المشاكل وزادت الأوزار وبلغت القلوب الحناجر، ولكن للأسف لا من يسمع أو يرى!!
فمن لم يسمع انفجار المرفأ (بيروتشيما) ولم ير الذل على أبواب الأفران ومحطات الوقود ورحلة البحث عن حبة دواء؛ كيف له أن يدرك أن الوطن يلفظ أنفاسه الأخيرة. وفي رحلة البحث لا بد من الوقوف عن المتهم الأول في نادي رؤساء الحكومة، الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يعتبر استبعاده أساسا لدى فريق أساسي في البلاد، علما أن للرجل مزايا لدى الكثير من الطباخين في الإقليم والعالم.
وعليه، إن خلت القائمة المعدّة للبحث من ذلك السياسي حامل الغطاء من الطائفة عبر نادي رؤساء، وبالمباركة الفرنسية- الأمريكية وأرضى الإقليمي ببعديه الإيراني والسعودي، نكون أمام تسمية جديدة بالاسم لا بالشكل.
فالمظلة التي حملت الرئيس- السفير مصطفى أديب جاهزة من جديد لحمل وتسويق اسم قادم للسراي، ولكن ماذا عن العقبات السابقة للتأليف التي على ما يبدو لا زالت حاضرة؛ رغم خطوة اتفاق الإطار مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والشروع في مفاوضات ستبدأ في الرابع عشر من الشهر الحالي برعاية أممية أمريكية؛ لا أحد يدري إلى أين ستفضي في نتائجها، علما أن كثيرا من المقاومين ممتعضين وكثيرا من المهرولين يطبلون وكأن السلام غدا، وعلما أنه لا حلول في كل المنطقة قبل الحل الحقيقي مع الفلسطيني نفسه، كما ردد دوما صاحب الهبوط الأول في القدس عاصمة فلسطين، الرئيس أنور السادات الذي أكد مرارا أنه لا حلول بلا حل عادل مع صاحب المشكلة الأول.
كاظمي لبنان هل يأتي؟
إن الحل اللبناني لا بد أن يجترح برئيس يكون نقطة تقاطع بين الأضداد اللبنانيين والإقليميين والدوليين في آن واحد. وربما أقرب الأمثلة هو في وصول رئيس وزراء على غرار ومواصفات دولة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، شخصية لا تعادي أحداً، وهو صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأمريكيين، وأخرى عادت إلى مجاريها، مؤخراً، مع الإيرانيين وتقرب من الخليجيين وتحديدا السعوديين.
ولا بد للبرنامج القادم أن يحاكي أولويات تجمع بين بلاد الفرات وبلاد الأرز، حيث العناوين الكبرى في الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والصحية عبر:
أولا: انتخابات مبكرة مع الاتفاق على قانون عادل، وهنا الأرض الخصبة للمشاكل في الاتفاق بين كافة القوى.
ثانيا: وضع أسس نظام صحي حديث لمواجهة مخاطر تفشي وباء كورونا المتمادي الذي سيضرب كل القطاعات أكثر مما هي منهكة أصلا.
ثالثا: العمل لتطبيق الاستراتيجية الدفاعية وإيجاد أرضية مع حزب الله، بما يحاكي هواجس الداخل والخارج في وقت واحد، وتحديد دور السلاح ضمن آلية تعزز من وضع المفاوض اللبناني أيام التفاوض الشاقة القادمة في الناقورة على كافة المستويات، والتي تتطلب خبراء من الطراز الأول جغرافيا وتقنيا وسياسيا واقتصاديا وقانونيا في معركة حقيقية أمام الإسرائيلي، حيث لا سبيل لأخذ الحق إلا انتزاعا.
رابعا: ضرورة تشريع قانون موازنة مالية عامة توصف بالاستثنائية، لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية وتداعيات انهيار الاقتصاد والمصارف وانفجار المرفأ، لتوفير دعامات البقاء في الأيام القادمة.
خامسا: سياسة خارجية عنوانها مصالح لبنان مع الجميع، لاستعادة للمكانة اللبنانية المفقودة منذ مدة مع العديد من الدول المحورية، وإلا كما قال وزير الخارجية الفرنسية لودرويان؛ فلبنان إلى زوال.
إن أغلب الظن أن رحلة البحث عن كاظمي لبنان بالنسخة المنقحة ليست بالهينة؛ في رجل سيكون: أمريكي الضمانة، فرنسي الهوى، إيراني القبول، سعودي المراس، ولبناني الدينامية والحركة. والأصعب من بروز الشخصية هي إمكانية بيان وزاري كاظمي الهوى والمضمون، حيث المشهد يبدو واقفا عند بزوغ فجر نتائج من سيكون سيد البيت الأبيض الجديد.