أشار تقرير لصحيفة "أوبزيرفر" البريطانية إلى الانهيار
البطيء الذي يشهده لبنان حيث لم يعد هناك أمل في التغيير، ما اضطر الشباب للمغامرة
بحياتهم للهروب.
ويتحدث التقرير عن الشاب محمد خلدون الذي باع بداية أيلول/ سبتمبر عقد
شقيقته وجمع ما استطاع من عائلته وأصدقائه ليوفر 400 دولار للمهرب في مدينة طرابلس،
شمال لبنان.
ركب محمد قاربا مهترئا مع آخرين باتجاه جزيرة قبرص. وقالت شقيقته فاطمة
التي أعطته عقدها: "سافر بدون وداع... كان القارب قديما ولكن المهرب قال إنه فقط
للتحرك مسافة 200 متر ثم ينقلون إلى قارب آخر، لكنه سرق منهم الحقائب وطعامهم والماء
وتركهم بدون شيء". وبعد ذلك غرق القارب.
وكان لبنان واحة أمان فيه خيارات
للناس غير الهرب عبر المحيطات، عكس دول أخرى مثل سوريا وليبيا ومصر التي هرب منها عشرات
الآلاف الباحثين عن فرصة حياة جديدة منذ 2015، ليبتلعهم البحر الأبيض المتوسط.
تقول الصحيفة إن حلم الرحيل أصبح اليوم أكثر إغراء لشباب لبنان من الماضي
بسبب تفكك البلد بطريقة سريعة، خصوصا بعد الانفجار الذي هز بيروت في الرابع من آب/
أغسطس.
أصبح مرفأ بيروت بعد الانفجار علامة على آلام البلد المتزايدة. ففيه
تنافست الفصائل السياسية على أخذ مكان وحصة من الموارد. وهو ما أثار السكان المتعبين
والغاضبين في نفس الوقت.
وتنقل الصحيفة عن حسين ترموس (36 عاما) وهو يعيش في الضاحية ببيروت
قوله: "صدقني لو حصلت على تأشيرة في أي مكان في العالم، فسأكون هناك بسرعة دقات
القلب... كل ما يهمني هو الحصول على الضروريات اليومية؛ الطعام وشرابي ودخاني".
وبالنسبة لترموس وغيره الذين يواجهون انخفاضا في العملة اللبنانية والتضخم
والبطالة فإن الحصول على الفتات لم يعد خيارا.
يقول الموسيقار رابح خير الدين: "المشكلة هي عدم وجود أمل لتغيير
الوضع".
وكانت الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما واحدة من الهزات التي تعرض
لها لبنان، وتخللها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ثم الوجود السوري الذي انتهى بعد اغتيال
أشهر رئيس وزراء وهو رفيق الحريري في عيد الحب عام 2005، وكلها حوادث زادت من عدم الاستقرار.
ثم حرب تموز 2006 قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، والتي زادت من عدم الاستقرار
وأدت إلى تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري.
ولم تتوقف التظاهرات طوال هذا الوقت، لكن الاحتجاجات التي اندلعت في
تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وتجاوزت الفواصل الطائفية كانت إيذانا، كما اعتقد البعض،
بنهاية السلطة الهشة. وكان الحافز للتظاهرات هو زيادة تعرفة مكالمات "واتساب"
للتغطية على الفساد الذي قاد لانهيار النظام المالي.
وكان اندلاع التظاهرات من الشمال إلى الحدود السورية وإسرائيل علامة
أمل على أن الشعب اللبناني بدأ يتحكم بمصيره دون اللجوء إلى التصنيفات الطائفية والحزبية، لكن التظاهرات قادت إلى وضع يشبه مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، وهو: الشلل والجمود. واتهم
السكان النخبة الحاكمة التي رفضت الإصلاح السياسي والاقتصادي بتعزيز الانهيار..
وامتدت
الطوابير في مدن الشمال أمام المخابز حيث يحتاج اللبنانيون للدعم لأول مرة منذ الحرب
الأهلية. فقد تضاعفت أسعار المواد الغذائية والدواء والوقود المدعم بأربعة أضعاف، ولم
يعد لدى الحكومة المال الكافي لمواصلة الدعم، حيث ستنضب الأموال في الأشهر القادمة.
والنتيجة هي العيش تحت خط الفقر وبنسبة 70%. فالسنة التي مضت على التظاهرات تفوقت على
السنوات السود أيام النزاع الطائفي والتي دمرت البلاد وقتلت حوالي 115,000 شخص، وكانت
آخر الكوارث انفجار، عندما انفجر مخزن وقود في داخل بناية ببيروت وقتل أربعة أشخاص.
وقال المقاتل في الحرب الأهلية نبيل حداد: "كنا في ذلك الوقت نعرف
من هو العدو... كان الطعام متوفرا على الطاولة والمال في البنوك، ويبدو الأمر غريبا،
فقد كنا نستطيع الحياة وكنا نعرف أنها ستنتهي (الحرب)".
وبالنسبة للكثير من اللبنانيين فإن أسوأ ما في العام الماضي ليس تراجع
قيمة العملة اللبنانية التي أثرت على مدخراتهم في البنوك ولا انفجار مرفأ بيروت ولكن
"معرفة أن هناك حلولا موجودة، ولكن الأنانية والتبعية للمصالح الخارجية هي التي
تمنعهم من أخذها" كما تقول سارة إدريس، المدرسة من مدينة صيدا، و"لا أصدق
أن هذا لم يؤد إلى احتجاجات واسعة حتى بين الطوائف، ولا أصدق أننا لم نعد نتحدث بحرية
حول المصالح التي تعرقل نجاحنا"..
وتقول ضيا سليمان من حي الجميزة القريب من مرفأ
بيروت، والتي كانت تأخذ الدهان لإصلاح بيتها المدمر، إن الرئيس الفرنسي جاء إلى لبنان
ووعد بتقديم المساعدة وطلب من المسؤولين التصرف بمسؤولية ولكنهم عاندوه.
وكان مطلب ماكرون الرئيسي هو إصلاح النظام المسؤول عن الفساد والعجز
الذي تبدى بشكل واضح بعد الانفجار. وكان هذا النظام قد تأكد بعد نهاية الحرب ومؤتمر
الطائف في السعودية الذي اتفق فيه المتحاربون على توزيع المؤسسات الثلاث المهمة في
البلاد وهي الرئاسة ورئاسة الوزراء والبرلمان، والتي تم تقسيمها بين السنة والشيعة والموارنة.
لكن هذه المؤسسات أصبحت مركز أصحاب المصالح والدول المؤثرة في البلاد خاصة بعد الحرب..
وأثْرت جماعات المصالح من عمليات الإعمار. وفي عام 2016 شكل سعد الحريري حكومة وتم
تعيين ميشيل عون رئيسا بعد تحالف حزبه مع حزب الله بحيث تعززت قوة هذا، ولديه الآن مع
حلفائه 70 مقعدا من 128 مقعدا في البرلمان.
وقال دبلوماسي على معرفة بطريقة تفكير حزب الله: "كانوا مصممين
على عدم الاستجابة لحركة الاحتجاج، لا تنازلات من أي نوع"، وأضاف: "كانوا
في حالة حرب، ومن ذلك الوقت بدا أنهم لا يهتمون بما يحدث للدولة طالما ظلوا في القمة".
وفي بداية العام زادت الولايات المتحدة من الضغوط على حزب الله حيث
اعتقدت أن الضغط على حلفاء إيران في لبنان وسوريا ستضعفهم. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية
تحرك الصقور باتجاه توجيه الضغط على حزب الله من خلال فرض العقوبات على مسؤولين وهيئات
تجارية، فيما يتحرك مجلس الشيوخ باتجاه قرار ينص على عدم الاعتراف بالحكومة اللبنانية
طالما كان فيها حزب الله. وقال مسؤولو الحزب إنهم لن يقعوا في مصيدة واشنطن قبل تنصيب
الرئيس الجديد للولايات المتحدة.
ومن جهتهم يقول المسؤولون اللبنانيون إن الحزب لن يسمح بتشكيل حكومة
جديدة بعد استقالة الأخيرة إلا بناء على الشروط المناسبة له. وفي يوم الخميس قال سعد
الحريري إنه مستعد للعودة إلى الحكومة، ما سيكون ضربة للمتظاهرين الذين طالبوا بإصلاح
كامل للنظام السياسي. ولم يرد ماكرون على رغبة الحريري بالعودة خاصة أنه طالب بالتغيير.
لكن الحكومة الأخيرة التي كلف بها مصطفى أديب لم تخرج للعلن بسبب "المعوقات التي
وضعها حزب الله" كما يقول دبلوماسي أوروبي، مضيفا أنهم "لا يريدون منح ماكرون
انتصارا ويريدون وزارة المالية لإظهار من هو المسؤول"..
وبعد ذلك قال ماكرون: "لا يستطيع حزب العمل كجيش ضد إسرائيل ومليشيا ضد المدنيين في سوريا وكحزب سياسي محترم. وعليه ألّا يعتقد أنه قوي ويجب أن يظهر احتراما لكل اللبنانيين. وكشف في الأيام الأخيرة عكس هذا".
اقرأ أيضا: الحريري يحذر من حرب أهلية ويهاجم حزب الله