في تطور يؤسس لمرحلة جديدة، أعلن تنظيم "هيئة تحرير الشام" التبرؤ من منهج وسلوك منظّر السلفية الجهادية، الشيخ عصام البرقاوي، الملقب بـ"أبي محمد المقدسي"، بعد أن كان التنظيم يعتبره من أهم المرجعيات الدينية له.
جاء ذلك في بيان صادر عن "المجلس الشرعي العام" التابع لـ"تحرير الشام"، أكد فيه الأخير البراء من "المقدسي"، قائلا: "ليس منا ولسنا منه، ولا على طريقته، ونفرق بين منهجه البدعي في التوحيد، وبين منهج التوحيد الذي تلقيناه عن أهل العلم سلفا وخلفا، نبرأ إلى الله مِن منهج البرقاوي وسلوكه".
واتهم البيان المقدسي بإطلاق عبارات "التكفير والعمالة والخيانة"، والانحياز لـ"جماعة الخوارج"، وإثارة الفتن في "الساحات الجهادية"، سواء في أفغانستان أو العراق، والفجور في الخصومة، وعدم مراعاة فقه الخلاف ولا أدبه.
وعزا البيان الموقف من المقدسي إلى الحرص على عدم زيادة الشرخ بين الأمة، وقال: "واجب "الدفاع عن الأمة، وذلك بعد تدخل أشخاص مِن خارج الحدود، أدت فتاويهم إلى تمزيق الممزق، وزيادة الشرخ، مِن خلال توصيفات التخوين والعمالة، أو توصيفات الخارجية والغلو، دون اعتبار لمشايخ الساحة".
وكان المقدسي قال عبر قناته في "تلغرام"، قبل أيام، إنه "ثبت لدينا ظلم وظلمات أمني "هيئة تحرير الشام"، بل وتعاونهم مع الاستخبارات التركية في تفاصيل تحقيقاتهم مع المسلمين"، وأضاف: "من أعان الاستخبارات التركية على المسلمين، فقد ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام المعروفة".
"من منظر إلى مثير فتن"
واستعرض الباحث المتخصص في الفكر الإسلامي وشؤون الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، في حديث لـ"عربي21"، العلاقة بين "تحرير الشام" والمقدسي.
وقال: "شكل المقدسي أهم مرجعية لـ"تحرير الشام" عندما كانت تحت مسمى "جبهة النصرة"، حيث كان التنظيم يوظف فتاوى المقدسي في حشد عناصره، خصوصا أصحاب الفكر المتشدد لقتال فصائل المعارضة، وكذلك استفاد أيضا من فتوى المقدسي بعدم شرعية إعلان "دولة الإسلام في العراق والشام"، وإعلان التأييد لـ"النصرة" عندما كانت مبايعة لـ"القاعدة" في حينها".
وأضاف شريفة: في ذلك الوقت، كانت هناك منفعة متبادلة لكليهما من التحالف، حيث وجد تنظيم "تحرير الشام" في المقدسي مرجعية لتغذيه بالفتاوى للقضاء على فصائل المعارضة، منها "حركة حزم"، و"جبهة ثوار سوريا"، وبقي الأمر هكذا، إلى أن تم الإعلان عن "جبهة فتح الشام"، التي كانت أولى مؤشرات الفرقة بين "تحرير الشام" و"القاعدة".
وتابع الباحث بأن "المقدسي أيّد "تحرير الشام" في فك ارتباطه بـ"القاعدة"، لكنه سرعان ما انقلب على التنظيم، بسبب الخلافات بين زعيمه "أبو محمد الجولاني"، وبين زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، على خلفية فك الارتباط بينهما في العام 2016.
وحسب شريفة، فإن انحياز المقدسي إلى جانب التنظيمات المتشددة مؤخرا، ومنهم "حراس الدين"، وتكفيره فيما بعد "تحرير الشام" بعد الاتهام بالتحالف مع تركيا و"حلف الناتو"، استفز "تحرير الشام" جدا، وكان لا بد من الرد عليه.
وقال الباحث: "استخدم "تحرير الشام" فتاوى المقدسي، واعتمده منظرا له، والآن يحاول التنظيم التخلص من إرث القاعدة الثقيل، خصوصا أن حديث المقدسي يشكل تهديدا له، حيث يعطي حديثه الشحن العقدي للتنظيمات المتشددة لضربه، ولذلك وُصف المقدسي بمثير الفتن".
تخلص من نهج قديم
وقرأ الكاتب المختص بالحركات الدينية، والباحث في مركز "جسور للدراسات"، عرابي عرابي، في بيان "تحرير الشام" حول المقدسي، تأكيدا منه على قطع صلاته بالنهج التنظيري القديم، وكذلك إعلانا عن استعداده عن قتال هذا النهج.
وقال لـ"عربي21": قد يُقرأ من البيان هذا أن "تحرير الشام" تخلص تماما من النهج القديم، وأنه مستعدة للاعتذار من الفصائل التي قاتلتها سابقا، ما يؤشر إلى تغير محتمل في شكل العلاقة بينه وبين فصائل "الجيش السوري الحر".
وأشار عرابي إلى حديث شرعي العام في "تحرير الشام"، عبد الرحيم عطون، الشهر الماضي، عن رغبة تنظيمه بإقامة علاقات مع الغرب، وهو ما كان التنظيم يستهجنه سابقا.
وكان "عطون" قال في تصريحات لصحيفة سويسرية (لو تيمبس- Le Temps)، إن تحرير الشام "لا يشكل خطرا على الغرب"، وإنه "آخر من يقاتل نظام الأسد وحلفاءه، لكنه لن يتمكن من القضاء عليه دون مساعدة".
فتاوى بالتحريم
وكان المقدسي شن هجوما عنيفا على هيئة "تحرير الشام"، وأفتى بتحريم الانتساب لجهاز الأمن العام التابع لها.
وقال في قناته عبر "تلغرام": "لا يجوز لمسلم، والحال كذلك، أنْ يعمل في هذا الجهاز الخبيث، الذي يعمل سندا وعونا وذنبا لاستخبارات دولة علمانية عضو في حلف الناتو".
وتابع: "عندنا أنّ مَن أعان الاستخبارات التركية على المسلمين، فقد ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام المعروفة، وهو (مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين)".
الجيش الأمريكي يرسل تعزيزات إلى قواته بسوريا
بيدرسون: خلافات بلجنة دستور سوريا حول الجولة المقبلة