بات من المعتاد لمن
يسير في الشوارع التجارية بالأردن بعد أزمة كورونا؛ أن يرى لافتة "للبيع أو للإيجار" معلقة على كثير من المحال التجارية المغلقة، في مؤشر واضح على
عمق الأزمة التي يعاني منها التجار في البلاد، بحسب مراقبين.
لكن الناطق
الإعلامي باسم وزارة الصناعة والتجارة، ينال برماوي، يرى أن "هذه الظاهرة
موجودة في كل الدنيا وليست في الأردن وحده"، مؤكدا أن "الحكومة اتخذت
إجراءات تحفيزية كثيرة لمساعدة التجار"، من غير أن يوضح ماهية هذه الإجراءات.
وقال برماوي
لـ"عربي21": "ليست لدينا أية إحصائيات حول المحال التجارية التي
أغلقت بسبب أزمة كورونا".
"كورونا" عمّق الأزمة
وفي المقابل؛ يؤكد
رئيس غرفة تجارة عمان، خليل الحاج توفيق، أن التجار واجهوا خلال السنوات الخمس
الأخيرة ركودا غير مسبوق؛ تمثل في تراجع المبيعات والأرباح، وارتفاع الكلفة التشغيلية التي تعد الإيجارات أكثرها إرهاقا بسبب قانون المالكين والمستأجرين الذي
وصف بـ"الجائر".
وقال
لـ"عربي21" إن "أزمة كورونا عمقت المشكلة، وتدخلت الحكومة بين
العامل وصاحب العمل، إلا أنها رفضت التدخل بين المالك والمستأجر، ولو فعلت لساهمت
في نزع فتيل الأزمة، وخففت الأعباء على القضاء الأردني الذي استقبل عددا كبيرا من
القضايا المرفوعة على المستأجرين".
وأوضح أن تعرض كثير
من الشركات للإفلاس وتراكم الديون التي جعلت كثيرا منهم مطلوبين للقضاء؛ أدى إلى
تخوف التجار من استئجار محلات جديدة، لافتا إلى أن غموض مستقبل أزمة كورونا، وعدم
وجود أفق واضح لنهايتها؛ دفع كثيرا من التجار إلى إغلاق محالهم لإيقاف نزيف
الخسائر الذي تعرضوا له.
وحول وجود إحصائية
بالمحال التي أغلقت خلال أزمة كورونا؛ قال الحاج توفيق إن "هذه الإحصائية غير
متوفرة لا عندنا ولا عند غيرنا، إلا أن عدم تجديد المحال التجارية لرخص المهن يشير
إلى عمق الأزمة، حيث بلغت نسبتها 40 بالمئة في العاصمة عمان وحدها".
وبين أن المواسم
التي يعول عليها التاجر لتعويض خسارته، كعيد الأضحى وشهر رمضان والصيف، مرت في أسوأ
أحوالها، لافتا إلى أن "هناك محلات وضعها صعب جدا، ولكنها لم تعلق اليافطة
بعد، وتحاول الصمود متعلقة ببارقة أمل وانفراج قريب".
وحول الخيارات
المتاحة لمن يغلقون محالهم التجارية؛ أوضح الحاج توفيق أن جزءا منهم يسدد ديونه
ويجلس في بيته منتظرا الفرج بمشروع آخر أو الانتقال إلى مهنة أخرى، وربما بعضهم
يتحول من صاحب منشأة إلى موظف، وجزء منهم يكون مصيره السجن، وآخرون يخرجون من
البلاد هربا من التزاماتهم المتراكمة، وربما يتعرض بعضهم إلى "جلطة" على
حد تعبيره.
تداعيات الإجراءات الحكومية
وكانت الحكومة الأردنية
قد فرضت مطلع آذار/ مارس الماضي عددا من الإجراءات الوقائية بسبب أزمة فيروس
كورونا؛ أبرزها تفعيل قانون الدفاع، وفرض الحظر الشامل والجزئي عدة مرات، الأمر
الذي أدى إلى تضرر قطاعات تجارية متعددة.
ورأى نقيب تجار الألبسة
والأقمشة والأحذية، منير دية، أن كثيرا من المحال التجارية لم تستطع أن تصمد أمام
الإجراءات الحكومية التي تمثلت في حظر شامل دام أكثر من 45 يوما متتاليا، ثم
اللجوء إلى حصر الدوام بساعات محددة، وفرض إجراءات صحية وقائية، عدا عن حالة
الركود والتراجع في المبيعات الموجودة أصلا قبل أزمة كورونا.
وقال لـ"عربي21"
إن الحكومة بدلا من اتخاذ إجراءات تسهيلية للتخفيف على هذا القطاع؛ تشددت أكثر في
كل شيء، وتعرضت المحلات التجارية لحملات ضريبية وجمركية من قبل كوادر الجمارك
وضريبة الدخل والمبيعات ووزارة الصناعة والتجارة، وفرض غرامات وإغلاق محلات بحجج
مختلفة.
وتابع دية:
"الحكومة السابقة لم تتخذ أية إجراءات اقتصادية تحفيزية جادة لمعالجة آثار
أزمة كورونا كباقي دول العالم التي تدخلت فيها الحكومة من خلال برامج اقتصادية وضخ
سيولة نقدية".
وأوضح أن التراجع
في مبيعات قطاع الألبسة والأقمشة والأحذية بلغ 85 بالمئة مقارنة مع الأعوام
السابقة، الأمر الذي أدى إلى خسائر متراكمة، مشيرا إلى أن التاجر لم يستطع أن يصمد
أمام سبعة شهور من الخسائر المتحققة والمتتالية، وخصوصا مع المصاريف المطلوبة منه
شهريا، كدفع إيجار المحل ورواتب الموظفين وفواتير الطاقة، عدا عن اقتطاعات الضمان وغيرها.
وأضاف دية أن
التجار استنزفوا كامل السيولة النقدية المدخرة لديهم خلال السنوات السابقة، حتى
غدوا بين خيارين؛ إما الإيجار أو البيع، أو أن يستمروا في الخسائر المتتالية
ليدخلوا في دوامة الدين والتعسر والملاحقة وغيرها.
وقال إن نسبة
المحلات التي أغلقت في العام 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد بلغ
من خمسة إلى ثمانية بالمئة، أي حوالي 700 محل من مجموع محال الألبسة والأقمشة
والأحذية البالغ 12 ألف محل تقريبا.
وأضاف: "أما
في ما يتعلق بالعام الحالي؛ فنتوقع أن تكون النسبة أعلى بكثير، فهناك حوالي 35
بالمئة من المحلات غير قادرة على الاستمرار في عملها إذا لم تسارع الحكومة في
اتخاذ إجراءات دعم وتحفيز".
وحول البديل الذي
يتخذه التاجر الذي يغلق محله أو يؤجره؛ قال دية: "إذا كان صاحب رأس مال فهو
في الغالب ينتقل إلى دول إقليمية كمصر وتركيا، بحكم قربهما وتوافرهما على بيئة
جيدة للاستثمار، وإذا لم يكن عنده رأس مال -كأكثر أصحاب المنشآت الصغيرة
والمتوسطة- فليس أمامه سوى أن يصبح عاطلا عن العمل هو والعاملون عنده، ما يؤدي إلى
آثار اجتماعية خطيرة في المستقبل".
وصعدت معدلات البطالة
في سوق العمل الأردنية إلى أعلى مستوى في تاريخ البلاد خلال الربع الثاني من العام
الحالي، حيث بلغت 23 بالمئة، بارتفاع مقداره 3.8 نقاط مئوية عن الربع الثاني من عام
2019، بحسب تقرير نشرته دائرة الإحصاءات العامة في أوائل أيلول/ سبتمبر.
اقرأ أيضا: هبوط إيرادات السياحة بالأردن 70%.. وتحويلات المغتربين تتراجع
دراسة تتوقع فقدان 140 ألف وظيفة في الأردن بنهاية 2020
تمديد تأجيل أقساط قروض السياحة بتونس.. والتضخم يستقر
انكماش الاقتصاد الأردني 3.6 بالمئة خلال الربع الثاني