أكد الخبير الأمني الجزائري المنشق عن النظام، كريم مولاي، أن السلطات الحاكمة في الجزائر قد مهدت الأرضية لتمرير الاستفتاء على الدستور المرتقب في ذكرى ثورة نوفمبر المقبل، وأن المعارضة سواء تلك الممثلة في حراك فبراير، أو في المعارضة السياسية الرسمية لن تستطيع وقفها.
وأوضح مولاي، في حديث مع "عربي21"، أن "حراك فبراير الذي علق عليه الجزائريون آمالا كبيرة في إنجاز الانتقال الديمقراطي، قد تضافرت عدة عوامل لإجهاضه، فبالإضافة لقوى الردة في المؤسسة العسكرية وأصحاب المصالح، أيضا جدت عوامل موضوعية على رأسها جائحة كورونا، التي حالت دون الحراك والشارع، ومكنت السلطات الحاكمة من إعادة السيطرة على مقاليد الأمور".
وأضاف: "لقد نجح الحراك في وقت وجيز ليس فقط من إسقاط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته، وإنما في إعادة صياغة محاور الحكم في البلاد، بإدخال محور جديد مثل عبد المجيد تبون وجناحه المستجد، فضلا عن تجديد ثقة الشعب في نفسه وقدرته على التغيير، وكسر حاجز الخوف والإرهاب الذي صنعته سنوات الجمر".
وأشار مولاي إلى أن المعارضة التي أبداها الإسلاميون للدستور ممثلين في الأجنحة الرئيسية للحركة الإسلامية، حركة مجتمع السلم بزعامة عبد الرزاق مقري، وحزب العدالة والبناء بزعامة عبد الله جاب الله، وحركة "النهضة"، من شأنها أن تقلل من نسبة المشاركة في الاستفتاء.
وقال: "لا زال الإسلاميون في الجزائر على الرغم من كل الضربات التي وجهت لهم يمثلون الثقل السياسي والشعبي الأهم، ليس فقط لأدائهم السياسي الذي كان متواضعا في الأشهر الماضية من عمر الحراك، وإنما لأنهم ما زالوا يمثلون الضمير الأقرب للشعب الجزائري".
وأضاف: "كنت على صلة قريبة من كثير من رموز الإسلاميين يوم كنت جزءا من المخابرات الجزائرية، وأعرف أنهم هم الأقدر على إقناع الشعب بالمشاركة أو بالمقاطعة، وذلك راجع إلى أن المكون الديني لا زال هو المكون الرئيس في الجزائر على الرغم من كل عواصف التجريف التي عرفتها بلادنا في السنوات الماضية".
وتابع: "أعتقد أن الإسلاميين يتحملون الدور الأبرز في حماية مبادئ ثورة نوفمبر، التي أعادت الجزائر إلى أهلها بعد استعمار بغيض لا زلنا نتجرع غصصه إلى يوم الناس هذا".
وانتقد مولاي بشدة الحملات التي تشنها أطراف مقربة من السلطات الحاكمة في الجزائر على رموز المعارضة في الخارج، معتبرا أن "رفع شعار المعارضة من الداخل، واتهام كل معارضي الخارج بالعمالة لدول أجنبية هو محاولة يائسة وبائسة، ذلك أن التاريخ يعلمنا أن المعارضة الجدية تكون في الداخل، ولكن عندما تضيق مساحات الفعل في الداخل، فإن الضغط من الخارج كفيل بإقناع المستبدين بالكف عن جرائمهم".
وأضاف: "هناك أسماء معدودة للمعارضين الجزائريين في الخارج، وربما يبرز إسم الديبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت، كواحد من أهم الأسماء التي أسهمت في تعرية عصابة الحكم، وكشفها أمام الرأي العام في الداخل والخارج، وهؤلاء يدفعون ثمنا باهظا من أعمارهم خدمة لشعبهم. هذا فضلا عن أن من يتهم معارضة الخارج بالعمالة عليه أن يتذكر إشادة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، بالتعديلات الدستورية، وهي تعديلات أهم ما جاء فيها أنها فتحت الباب للجيش الجزائري للتدخل في الشؤون الخارجية".
وأكد مولاي، أن "قدرة النظام الحاكم في الجزائر على تمرير التعديلات الدستورية وتغيير مهمة الجيش الجزائري من مؤسسة سيادية إلى مؤسسة قابلة للتوظيف الدولي، لا تعني انتصاره على المعارضة الجزائرية ولا أنه سيستأصل روح التحرر التي انبعثت مجددا مع حراك فبراير، بل إنه لا يفعل أكثر من تأجيل التغيير".
وأضاف: "ربما سيحتاج الجزائريون ونخبهم، وخاصة منهم التيار الإسلامي أن يدفع بالمزيد من وقته وجهده للتغيير حتى وإن تأخر"، على حد تعبيره.
يذكر أن رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية الدكتور عبد الرزاق مقّري كان قد أكد أن مشروع الدستور الذي يجري الاستعداد للاستفتاء عليه في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ليس توافقيا، وليس في مستوى الحراك الجزائري الذي خرج مطالبا بالحرية والانتقال الديمقراطي.
كما أكدت جبهة العدالة والتنمية التي يترأسها الشيخ عبد الله جاب الله، عن رفضها لمشروع تعديل الدستور، وهاجم جاب الله مسوّدة الدستور، معتبرا أن "التيار التغريبي العلماني سيطر على لجنة الخبراء لإعداد المشروع".
كما سجلت جمعية العلماء المسلمين برئاسة الدكتور عبد الرزاق اعتراضها على الدستور، وطالبت بإدخال تعديلات جوهرية عليه.
يذكر أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، كان قد وقع منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي، مرسوما دعا بموجبه الناخبين إلى الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وذلك بعدما صادق البرلمان بغرفتيه على مشروع تعديل الدستور، الذي بادر به تبون قبل شهور.
ويشير مشروع تعديل الدستور في ديباجته إلى الحراك الشعبي، الذي انطلق في 22 شباط (فبراير) 2019، وأجبر عبد العزيز بوتفليقة، في 2 نيسان (أبريل) من العام نفسه، على الاستقالة من الرئاسة بعد 20 عاما في الحكم.
ومن أبرز ما ينص عليه المشروع، وفق تقرير سابق للأناضول، منع الترشح للرئاسة لأكثر من فترتين (5 سنوات لكل واحدة) سواء متتاليتين أو منفصلتين، وأن يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، والسماح بمشاركة الجيش في مهام خارج الحدود، بشرط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
وكذلك منع توقيف نشاط وسائل الإعلام وحل الأحزاب والجمعيات إلا بقرار قضائي، ومنع ممارسة أكثر من عهدتين برلمانيتين منفصلتين أو متتاليتين، واستحداث محكمة دستورية بدلا عن المجلس الدستوري، ويعود إليها البت في نتائج الانتخابات، ومدى دستورية القوانين، والمعاهدات الدولية.
ويعتبر تبون تعديل الدستور بمثابة حجر الأساس في إصلاحات جذرية وعد بها قبل وبعد وصوله لسدة الحكم، في 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
فيما تشكك قوى معارضة في وعود النظام الحاكم بالإصلاح الجذري، وتعتبر أن ما أعلنه من إصلاح هو مجرد شعارات ومحاولة لتجديد واجهته من دون إحداث انتقال ديمقراطي حقيقي.
إٌقرأ أيضا: إسلاميو الجزائر: لهذا صوتنا بـ "لا" على التعديل الدستوري
الصلابي لـ"عربي21": اجتماعات الليبيين في تونس حاسمة
إسلاميو الجزائر: لهذا صوتنا بـ "لا" على التعديل الدستوري