الدستور المصري يحظر أن يترأس
رئيس الدولة حزبًا سياسيًا.. و"مستقبل وطن" يقول إنه بعيد عن أي مغالبة سياسية
أو انفراد بالسلطة.
منتقدون يقولون إن "مستقبل
وطن" هو "حزب السيسي" كما كان ائتلاف "دعم مصر" في مرحلة
سابقة.. ووارد أن يتغير المشهد.
بالضغط على أيقونة التعريف بحزب
"مستقبل وطن"، الأبرز حاليا في مصر، عبر موقعه الإلكتروني، تظهر صورة كبيرة
للرئيس عبد الفتاح السيسي في الواجهة.
وبالعودة لما قبل أسبوعين، تقرأ
وتسمع من إعلام حكومي وخاص عن انتخاب عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس الحزب، رئيس المحكمة
الدستورية العليا الأسبق، رئيسا لمجلس الشيوخ (الغرفة البرلمانية الثانية).
عبد الرازق، الذي أعلنت النشرة
الرئيسية للتلفزيون الرسمي، انتخابه رئيسا للحزب في آذار/ مارس الماضي، ترأس مجلس الشيوخ،
بعد سيطرة حزبه على نحو 70 بالمئة من مقاعده، مع فوز عريض لمرشحي الحزب في المرحلة
الأولى من انتخابات مجلس النواب (الغرفة البرلمانية الأولى)، في تشرين الأول/ أكتوبر
الماضي.
وتعزز دلائل الفوز المتوقع للحزب
في انتخابات مجلس النواب اعتقادا يكرره مغردون، أغلبهم معارضون، على نطاق واسع بأن
"مستقبل وطن" هو "حزب السيسي".
ويقول هؤلاء إن الحزب "يكرر
تجربة الحزب الوطني، الذي ترأسه الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981-2011)، وكانت ممارساته
سببا في الإطاحة به في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011.
كما أنهم يرون أن الحزب يتلقى
"دعما كبيرا من الدولة لإدارة الحياة البرلمانية بسلاسة، في ظل استحواذ متوقع
على المجلسين البرلمانيين".
لا انفراد بالسلطة
ردًا على بعض هذه الدلائل، قال
"مستقبل وطن"، عبر بيان في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إنه لا
"يسعى إلى أن يكون شبيها لأي أحزاب، لا في الشكل ولا في الأداء السياسي بأي حال من
الأحوال".
وشدد على أنه "يرفض تماما أن
يُعاد إنتاج أشكال وأساليب سياسية قديمة"، وأنه "حريص على مصلحة مصر وشعبها".
وتحدث عن أنه "يريد حياة
سياسية بعيدة كل البعد عن أي مغالبة سياسية أو انفراد بالسلطة".
ومنذ نشأته، عام 2014، نفى الحزب،
في أكثر من تصريح لمسؤوليه، كونه حزبا للرئيس أو مقربا منه.
حظر ورفض
أما من زاوية الدولة، فالسيسي،
ومنذ أن تولى الرئاسة عام 2014، يرفض أن يترأس حزبا.
وعن دور الدولة في دعم الأحزاب
السياسية قال، في تصريح لصحفيين يوم 26 كانون الأول/ ديسمبر 2019، إن "الدعم السياسي موجود".
وأضاف: "أنا لست طرفا ضد
أحد، وما عندي حزب حاكم (..) هناك أكتر من 100 حزب. ممكن يكونوا 4 أو 5 كيانات"،
في إشارة لدمج الأحزاب.
ووفق المسار الذي يعتمده السيسي
حتى الآن، فهو أول رئيس لمصر لا يقف خلفه تنظيم أو حزب سياسي معلن، فالرئيس الراحل
جمال عبد الناصر (1956– 1970) أسس "الاتحاد الاشتراكي"، في 4 تموز/ يوليو
1962، كتنظيم موحد يقود الحياة السياسية بمصر.
وكذلك أسس الرئيس الراحل أنور
السادات (1970- 1981) الحزب الوطني في 1978، واستمر في عهد مبارك، حتى تم حله بحكم قضائي،
بعد ثورة 2011.
وانتمى الرئيس الأسبق الراحل،
محمد مرسي (2012- 2013)، لحزب "العدالة والتنمية"، الذراع السياسية لجماعة
الإخوان، قبل أن يتم حل الأول وحظر الثاني، عقب الانقلاب العسكري على الرئاسة، صيف
2013.
ومسار السيسي لا يمكن تغييره
إلا بتعديل دستوري، فالمادة 140 من الدستور المصري تنص على أنه "لا يجوز لرئيس
الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة".
ولم تُمس تلك المادة في تعديلات
دستورية أُقرت في 2019، وسمحت للرئيس بإمكانية البقاء في السلطة حتى بعد 2030.
من ائتلاف إلى حزب
مع حلول انتخابات برلمان
2015، كان ائتلاف "دعم مصر"، المكون من قائمة مستقلين وأحزاب بينها
"مستقبل وطن"، هو أكبر كتلة برلمانية، واعتُبر الائتلاف آنذاك الداعم الأول
لرئيس البلاد.
ومع تواتر الحديث، في الشهور
الأولى من 2018، عن اتجاه لتحويل الائتلاف إلى حزب سياسي، ظهرت معارضة قانونية وسياسية
من مؤيدين للنظام.
فتغيير عضوية النائب من ائتلاف
إلى حزب سيصطدم بالمادتين (110) من الدستور و(6) من قانون مجلس النواب، وهما تنصان
على إسقاط عضوية النائب حال تغيرت أحد شروط العضوية، كالصفة أو الانتماء الحزبي، اللذين
انتُخب على أساسهما.
وقال الإعلامي والبرلماني آنذاك،
مصطفى بكري، المقرب من السلطة، في تصريح، إن "تحويل (ائتلاف) دعم مصر لحزب سياسي
(هو) استهانة بالدستور وانحراف تشريعي، ومجلس النواب لن يعد قوانين لمصلحة أحد".
ومتطرقا آنذاك لما يبدو أنه المخرج
الذي اتجه إليه النظام، أضاف بكري: "إننا بحاجة إلى تواجد ظهير سياسي للدولة المصرية".
ظهير سياسي
بالفعل، انتهت مرحلة برلمان
2015، وكان ائتلاف "دعم مصر" متصدرا مشهد دعم الرئيس والدولة.
وفي المرحلة المقبلة، حيث توجد
غرفتان للبرلمان القادم، يبدو أن حزب "مستقبل وطن" هو الأقرب لتسلم الدفة
من الائتلاف.
من النشأة يبدو أن "مستقبل
وطن"، وفق مراقبين، تم إعداده ليكون أحد الكيانات البارزة في الحياة السياسية
المصرية، سواء برغية من أعضائه أو توجيه من الدولة.
سريعا، صعد شاب يدعى محمد بدران
إلى الحياة السياسية، عبر إطلاق حملة بعنوان "مستقبل وطن"، لدعم الدولة والسيسي
في مرحلة ما بعد الإطاحة بمرسي، على خلفية كون بدران رئيسًا لاتحاد طلاب مصر آنذاك.
ثم تحولت الحملة إلى حزب أسسه
وترأسه بدران، في آب/ أغسطس 2014، وخصه السيسي بالصعود معه على متن يخت "المحروسة"،
أثناء افتتاح تفريعة جديدة لقناة السويس، في الشهر ذاته من العام التالي، وراجت تقارير
صحفية آنذاك بأن الحملة والحزب ظهرا بدعم من الدولة.
وبطريقة دراماتيكية، سافر بدران
إلى الولايات المتحدة الأمريكية بهدف معلن هو استكمال الدراسة، مطلع كانون الثاني/
يناير 2016، وحصل على دورة سريعة في القيادة والإدارة، قبل أن يستقيل من الحزب إثر
أزمات داخلية، عقب تغيبه الطويل بالخارج، وذلك في أيلول/ سبتمبر 2016.
جاءت الاستقالة بعد أشهر قليلة
من تقارير صحفية، في أيار/ مايو 2016، تحدثت عن طموح لدى بدران لتشكيل الحكومة حال
حصد حزبه الأغلبية البرلمانية وفق ما ينص عليه الدستور، لا سيما وقد أصبح ثاني كتلة
في البرلمان المنتيهة ولايته بـ57 مقعدا (من 596)، في أول تجربة انتخابية آنذاك.
بعدها أصبح أشرف رشاد، وهو وجه
غير معروف حزبيًا، رئيسًا جديدًا للحزب بالتزكية، في أيلول/ سبتمبر 2017، مع نفي متكرر
لكونه حزب الرئيس.
وآنذاك قال أحمد الشاعر، المتحدث
باسم "مستقبل وطن"، في تصريح لصحيفة "المصري اليوم" (خاصة)، إن
"الرئيس السيسي ليس عضوًا بالحزب، ولكننا داعمون له بشكل كبير".
وأضاف: "نعمل على أن تكون
لنا الأغلبية في مجلس النواب، حتى نتمكن من تشكيل الحكومة، وتقديم حقائب وزارية بخطط
ورؤى جاهزة"، رافضًا اتهام الحزب بأنه نموذج جديد للحزب الوطني المنحل.
وفي آذار/ مارس الماضي، انتُخب
عبد الوهاب عبد الرازق رئيسًا للحزب، قبل أن يترأس، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي،
مجلس الشيوخ (الذي انتخب في آب/ أغسطس)، في ظل فوز حزبه بنحو 70 بالمئة من المقاعد.
وقال عبد الرازق، في حوار متلفز
مع عمرو أديب، الإعلامي المصري، نهاية تشرين الأول/
أكتوبر الماضي: "إننا حزب داعم للدولة، وفي ظهر الدولة أو ظهير لها، وذلك أمر
له شقان، شق أننا نقف مع الدولة، ولكن نتدخل للتصحيح".
وتابع: "بمعيار موضوعي بحت،
شاءت الأقدار أن الأداء الحكومي هذه الفترة فيه إنجازات والأمور كلها تسير بإيجابية
كبيرة جدا، فلم يعطك فرصة أن تصطدم أو تعارض، ولا يمنع هذا لو أن هناك أمورا سلبية نراجعها
ونقف أمامها".
إذن فحزب "مستقبل وطن"،
وفق هذه المعلومات وصعوده اللافت والمتكرر، هو الأقرب بقوة في هذه المرحلة لدعم السيسي
دون أن يكون حزبًا للرئيس، في ظل حظر دستوري، ولا ناطقا باسمه، في ظل رفض الرئيس ذاته
أن يكون هناك حزب حاكم.
وهو ما يعزز أن "مستقبل
وطن" هو الظهير السياسي لهذه المرحلة، ويتلقى دعما واسعا من السلطات، مثلما كان
ائتلاف "دعم مصر" في مرحلة سابقة.
اقرأ أيضا: مشاهد من انتخابات برلمان مصر.. رشاوى واتهامات وصراع أجهزة
محللون ينددون بتمديد "الطوارئ" بمصر للمرة الـ14 على التوالي
لماذا يهاجم إعلام السيسي حملة مقاطعة البضائع الفرنسية؟
غضب السيسي يطال رجاله بالانتخابات.. وصعود لـ"الوطني الجديد"