نشرت مجلة
"فورين بوليسي" مقالا ترجمته "عربي21" تناولت فيه مشاركة لاجئين وعمال سوريين في بناء المناطق المنكوبة بعد انفجار مرفأ بيروت المدمر.
وظهر اللاجئون
السوريون، في وقت حاجة لبنان، يبنون النوافذ، ويصلحون الأبواب، ويصبغون المنازل،
ويركبون الزجاج في المباني السكنية الشاهقة.
وتشير المجلة إلى أن هؤلاء اللاجئين غالبا ما
يشتمهم السياسيون بزعم أنهم يثقلون أعباء البنية التحتية المدنية، وسرقة الوظائف،
والاستفادة من الدعم المخصص للبنانيين، وبعض هذه الاتهامات تعود إلى نفس
اللبنانيين الذين يطالبون بمغادرة اللاجئين.
وتضيف، على
الرغم من كل عملهم اليدوي، أنهم لا يتلقون سوى أجر زهيد، ويصبح متواضعا جدا بسبب
انخفاض الليرة اللبنانية التي فقدت 80 بالمئة من قيمتها على مدى العام المنصرم.
لكن الأمر الأكثر
إزعاجا بالنسبة للكثير منهم هو "استمرار عدم الاحترام". لا يكاد أي من
اللاجئين الذين يكدحون لإعادة بيروت إلى مجدها السابق يعتقد أن مساهمتهم ستُذكر
عندما تُروى قصة عودة المدينة إلى سابق مجدها، كما نقلت المجلة.
وبعد مرور ما
يقرب من ثلاثة أشهر على انفجار آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم المخزنة بشكل غير
آمن في ميناء بيروت وإلحاق أضرار بالعديد من المناطق التي تحظى بشعبية لدى السكان
المحليين والسياح فإنه "لا يزال جزء كبير من المدينة في حالة خراب".
ولم يقدم المجتمع الدولي حتى الآن سوى الحد
الأدنى من المساعدات الطارئة، بما في ذلك المساعدة الأساسية في الإسكان.
وقالت ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم وكالة
الأمم المتحدة للاجئين التي تدير الاستجابة الإنسانية للعديد من شركائها الدوليين
والمحليين: "أعمال إعادة تأهيل المساكن هي الخطوة الأخيرة في استجابة
المفوضية".
اقرأ أيضا: أرقام صادمة للخسائر الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت
وقالت أبو خالد:
"بينما تدرك المفوضية تأثير الانفجار على الشركات والتحديات التي يواجهها
أصحاب الأعمال، فإنها تركز الاستجابة الحالية للمفوضية على ضمان تمتع الناس بظروف معيشية
آمنة، لا سيما قبل فصل الشتاء".
وقدمت الوكالة الدولية 6500 مجموعة مواد مقاومة
للعوامل الجوية و600 دولار كمساعدة نقدية لأكثر من ألف أسرة (حوالي 4000 شخص)
وتعتزم الوصول إلى 10 أضعاف ذلك العدد.
وقامت الحكومة
الأمريكية بتوجيه المساعدات الطبية والغذائية من خلال الوكالات، بينما يدعم
الألمان تزويد السكان بالطعام، ووعدوا بإنفاق مليون يورو على سوق المزارعين. وقال
متحدث باسم وكالة التنمية الألمانية GIZ: "إن إعادة بناء السوق تؤمن سبل عيش لحوالي 100 من أصحاب الملكيات
الصغيرة".
ولكن الجهود،
العديدة وذات النية الحسنة، تبقى أقل بكثير من المطلوب لإعادة بناء المدينة
وإحيائها.
وتقدر الأمم
المتحدة أن 219 ألف فرد كانوا يعيشون في 73 ألف شقة تقع في 9100 مبنى تأثروا بشكل
مباشر بالانفجار. ولم يتلق أي منهم أي مساعدة من الحكومة، ومعظمهم لم يتلق بعد
الدعم من الوكالات الدولية لإعادة بناء منازلهم ومتاجرهم.
وقال مصدر
دبلوماسي رفيع لـ"فورين بوليسي" إن المجتمع الدولي، بقيادة الفرنسيين،
يبحث حاليا عن شركاء محتملين لتنسيق مشاريع إعادة الإعمار الكبرى معهم.
وفي معظم
البلدان الأخرى، نظرا لأن الحكومة هي المسؤول الأكبر والمسؤول أمام شعبها، فإنه يتم
توجيه الأموال من خلالها. لكن في لبنان فقد الناس الثقة بالنخبة السياسية ولا
يريدون أي مساعدة أو استثمار يمر عبر الحكومة.
وقال: "لتمويل المرحلة التالية من إعادة
الإعمار، يجب أن يكون هناك كيان محلي معتمد من قبل شخص ما في السلطة.. لا يمكننا
التفكير في أي طرف آخر أيضا (يمكنه المشاركة في الإشراف)، وبالرغم من أن البنك
الدولي يعمل على آليات بديلة محتملة، فإن المجتمع الدولي يريد بالتأكيد أن يكون
النشطاء السياسيون من المجتمع المدني جزءا من هذا الكيان".
علاوة على ذلك، فإنه يرتبط التمويل الدولي للمرحلة التالية من إعادة الإعمار ارتباطا وثيقا بالإصلاحات
التي طُلب من الحكومة إدخالها. ووعد سعد الحريري، الذي عاد كرئيس للوزراء الأسبوع
الماضي، بالكشف عن إصلاحات، لكنه ما زال يفشل في تقديم حكومته.
بينما تتشاجر
النخبة السياسية على الوزارات ويسارع المجتمع الدولي للمساعدة، يظهر العمال
السوريون في الشوارع. لقد أثبتوا أنهم أكثر موثوقية بالنسبة لأصحاب المنازل والمحال
التجارية الذين بدأوا بمفردهم في إصلاح ممتلكاتهم التالفة ببطء.
جزء من السوريين
أيضا ماتوا في الكارثة وتركوا وراءهم عائلات يائسة. وقتل منهم في الانفجار 40 شخصا
على الأقل وجرح المئات وما زال ثمانية في المستشفى.
قُتل أيمن الحمصي، عامل التوصيل في أحد المطاعم، جراء شظية زجاجية أصابته أثناء قيادته سيارته في
شارع الجميزة. ويعاني عمه، أكرم الحمصي، من العديد من الأمراض المزمنة، وقال إن
أيمن هو المعيل الوحيد للأسرة. قام بإعالة أطفال أكرم الخمسة، ووالديه في سوريا،
وزوجته التي تزوجها حديثا.
وأضاف أكرم: "الآن تُجبر ابنتي البالغة من
العمر 13 عاما على العمل في محل خياطة لكسب المال".
وتدهورت الظروف
المعيشية للسوريين في لبنان، ولكن نظرا لأنهم كانوا بالفعل الفئة الدنيا من
المجتمع، فقد كان الأثر عليهم أشد.
وقالت دراسة أصدرتها منظمة العمل الدولية مؤخرا
إن السوريين كانوا أسوأ حالا خلال إغلاق فيروس كورونا أيضا. ووجدت أنه تم تسريح
ستين بالمئة من المشاركين السوريين أثناء الإغلاق، ووجدت زيادة تسريح العمال بين
العاملين لحسابهم الخاص.
كثيرون مثل أكرم
يجدون أنفسهم محاصرين: اللبنانيون يريدون رحيلهم، ونظام بشار الأسد يثبط عودتهم
بجعله أكثر تكلفة.
اقرأ أيضا: فرنسا تحذر من غرق لبنان.. وعون يخاطب الحريري
ويخشى الناشطون
أن يكون القليل الذي كان يكسبه 200 ألف
سوري يعيشون في العاصمة قبل الانفجار قد انخفض بشكل حاد حيث أحدث الانفجار فجوة
في جيوب اللبنانيين.
ووفقا للمفوضية، فقد قفزت نسبة اللاجئين الذين
يعيشون في فقر مدقع من 55 بالمئة إلى 80 بالمائة في الأشهر الأخيرة.
وكان عبد اللطيف
يصبغ المنازل المتضررة في الجعيتاوي، وهي منطقة أخرى في شرق بيروت تحملت العبء
الأكبر من الانفجار. دُمر منزله في دير الزور بسوريا جراء قصف النظام، وبينما كان
يعتقد أنه وجد الأمان في لبنان، فقد حطم انفجار الميناء أبواب ونوافذ مسكنه المستأجر
في الكرنتينا بجوار الميناء.
وبالنسبة إلى لطيف، فقد كان الأمر أشبه بفقدان منزله
من جديد. كان يجني 45 ألف ليرة لبنانية في اليوم، وكانت تساوي 30 دولارا قبل
الأزمة الاقتصادية في لبنان وأصبح هذا المبلغ يساوي الآن بين 5 إلى 6 دولارات.
ويقول إنه لا يكسب ما يكفي لإعادة بناء منزله في
سوريا، لكن طلاء منازل اللبنانيين يمنحه العزاء، مضيفا أنه "في مثل هذا الوقت لا
يتعلق الأمر بما يدفعه لنا اللبنانيون، لكنه سيكون من الجيد لو قام صاحب المنزل
اللبناني بإصلاح منزله الذي نعيش فيه".
غير أن بعض
اللبنانيين يعتبرون عمل السوريين الشاق أمرا مفروغا منه، معتبرين إياه مجرد
معاملات.
وقال مدير في
حانة من بين القلائل الذين أعادوا بناء وإعادة فتح محالهم، بفضل التبرعات عبر
الإنترنت والساعات الطويلة التي قضاها العمال السوريون، إن السوريين كانوا دائما
عمال بناء في لبنان وهذا لصالحهم، فهم "يتقاضون رواتبهم مقابل ذلك. هذا هو
السبب في أنهم يفعلون ذلك".
وقال ناصر ياسين، الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت والمحلل السياسي، إنه على الرغم من أن
اللاجئين قد أضافوا بشكل مثمر للاقتصاد اللبناني وعلى استعداد للمساهمة بأي مهارات
يُسمح لهم بإظهارها، فإن من غير المرجح أن يتغير التصور العام الأوسع عنهم.
وقال ياسين:
"يتم بناء الروايات المعادية للاجئين بمرور الوقت من قبل السياسيين
الشعبويين، ولن يتوقفوا عن استخدام البطاقة المعادية للاجئين على الرغم من أن
اللاجئين هم من يعيدون بناء المنازل المدمرة".
ويمثل رأي مدير
الحانة حالة شائعة في بيروت، حيث يشكل التمييز جزءا يوميا من حياة السوريين. لكن
الجذور الخفية لهذا العداء سياسية. لطالما كان مصير لبنان متشابكا بشكل لا ينفصم
عن الجارة سوريا. وقال مدير الحانة: "نحن نعارض النظام السوري لأنه يعمل مع
قوى داخل لبنان دمرت بلدنا".
هناك أمل في أن
يسمح انفجار بيروت للجيران بإعادة بناء تفاهم متجدد مع بعضهم البعض. فكان محمد
أحمد، عامل بناء، مشغولا بترميم عامود في منزل على طراز الفن الزخرفي بالقرب من
الميناء قبل دقائق من وقوع الانفجار، ونجا بحياته، لكن الانفجار أثار بعض الذكريات
المؤرقة.
ويقول:
"كان الأمر كما لو أنني عدت إلى سوريا. بيروت تشبه مدينة سورية تعرضت للقصف..
أنا أعلم شعور فقدانك حيّك".