تناولت صحيفة "فايننشال تايمز"
في تقرير لها الأوضاع في العراق وما آلت إليه الأمور بعد عام من احتجاجات شعبية
عارمة طالبت بالتغيير ومحاربة الفساد.
وقالت في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21" إن التغيير كان ضئيلا جدا.
تقول الصحيفة إنه عندما خرج آلاف العراقيين
إلى الشوارع الشهر الماضي لإحياء ذكرى الاحتجاجات الجماهيرية التي أجبرت الحكومة على
الاستقالة، لم يجرؤ محمد على الخروج.
وبدلا من ذلك، بقي الناشط المخضرم مختبئا
في مدينة البصرة الجنوبية، خائفا من المليشيات التي صعدت هجماتها ضد المطالبين بتغيير
النظام السياسي الذي يعتبره كثير من العراقيين فاسدا وخاضعا للفصائل المسلحة.
قال محمد، الذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي:
"مات العديد من أصدقائنا أو نجوا من محاولة اغتيال.. والآن نحن مختبئون".
وتثبت مخاوفه مدى ضآلة التغيير منذ احتجاجات
2019 التي أطلق عليها العراقيون اسم "ثورة تشرين الأول/ أكتوبر". وبعثت الاحتجاجات
الآمال في البداية بعد استقالة رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي وعندما حل محله
رئيس الوزراء المؤقت، مصطفى الكاظمي، وهو سياسي مبتدئ وعد بمعالجة مظالم المحتجين.
وتعهد الكاظمي بمحاكمة المسؤولين عن قتل
أكثر من 500 محتج، وكبح جماح الميليشيات، ودرء الانهيار الاقتصادي وإجراء انتخابات
مبكرة في حزيران/ يونيو المقبل بموجب قانون انتخابي جديد.
لكن بعد سبعة أشهر من تعيينه، انزلق العراق
نحو الأزمة بشكل أعمق حيث تسبب التراجع في أسعار النفط في أن تجد الحكومة نفسها تكافح
لجمع ما يكفي من الأموال لدفع الرواتب، وارتفعت حالات الإصابة بفيروس كورونا وتتحرك
الميليشيات بحرية، مثيرة الخوف في نفوس منتقديها.
حتى شركاء الكاظمي يقولون إنه سيجد صعوبات جمة في أن يفي بتعهداته. وقال مسؤول عراقي رفيع: "هذه حكومة مؤقتة في مواجهة نظام
عمره 17 عاما، وغالبا ما يتم التقليل من تقدير مدى عمق المصالح الشخصية التي نعمل
ضدها"، في إشارة إلى الفترة منذ الغزو الأمريكي للإطاحة بصدام حسين عام 2003.
وأقر الكاظمي بالتحديات التي يواجهها في
رحلة إلى أوروبا الشهر الماضي. وقال للصحفيين في مقابلة مائدة مستديرة في لندن: "انهار الوضع المالي بأكمله" بسبب تراجع أسعار النفط الخام. ويعتمد العراق
على عائدات النفط بنسبة 90 في المائة من ميزانيته.
كما تتعرض الحكومة لضغوط من إدارة أمريكية
محبطة من عجز بغداد عن كبح جماح المسلحين المدعومين من إيران بينما يحاول الكاظمي تحقيق
التوازن بين المصالح المتنافسة لواشنطن وطهران، القوتان الأجنبيتان الرئيسيتان اللتان
تتنافسان على النفوذ في العراق.
وكان مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكية،
قد هدد في أيلول/ سبتمبر بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد إذا فشلت الحكومة في وقف
هجمات الميليشيات على أهداف أمريكية. وقال المسؤول العراقي إن بغداد أخذت التهديد
"على محمل الجد"، محذرا من أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى نزوح بعثات دبلوماسية
أخرى وعزل العراق.
وقام الكاظمي ببعض المحاولات لمواجهة الميليشيات،
لا سيما في حزيران/ يونيو عندما شنت قوات الأمن غارة على كتائب حزب الله، وهي جماعة
مدعومة من إيران تحملها واشنطن مسؤولية مهاجمة قواتها.
لكن تم إطلاق سراح رجال الميليشيات الذين
اعتقلوا في العملية، وفي الشهر التالي، اغتيل هشام الهاشمي، مستشار رئيس الوزراء، في
انتقام واضح. وقُتل ما لا يقل عن ناشطيْن في البصرة، مركز الاحتجاجات، في الأسابيع التالية، واختبأ البعض مثل محمد.
وقال الكاظمي إن مقتل الهاشمي والناشطين
كان محاولة لاستهداف الحكومة. وأصر على أنه كان يعمل على "ضبط ومراقبة" الميليشيات وكثير منها جزء من جهاز أمن الدولة تحت مظلة
قوات الحشد الشعبي.
لكنه أضاف: "سياستي تعتمد على الصبر
بدلا من الانجرار إلى حرب أهلية".
ويرى الكثيرون داخل العراق وخارجه أن كبح
جماح الفصائل المسلحة يكاد يكون مستحيلا، نظرا لقوتها النارية ودورها في النظام السياسي،
مقابل نقاط ضعف قوات الأمن الأكثر رسمية.
وقال المسؤول العراقي: "الحقيقة الصارخة
هي أنه لا توجد قوة أمنية يمكن الاعتماد عليها بشكل مطلق، وهذا ليس أساسا للشروع في
إصلاح قطاع الأمن".
وقال إن هدف الكاظمي كان "تحديد المسارات
للحكومة القادمة و(تغيير) المسار" بعد الانتخابات.
وقال رئيس الوزراء إنه لن يسعى لولاية ثانية،
لكن من المتوقع أن يكون جزءا من جهود تشكيل كيان سياسي جديد لمواجهة الفصائل التي هيمنت
على السياسة العراقية.
وقال مشرق الفريجي، ناشط في بغداد:
"نعلم أن (الكاظمي) لا يستطيع السيطرة على الأسلحة، لكننا كنا نراهن على استخدام
الديمقراطية (من خلال) الانتخابات المبكرة وقانون الانتخابات".
لكن من غير المضمون أن يستطيع الكاظمي إجراء
الانتخابات في الموعد المحدد لأن قانون الانتخابات الذي يهدف إلى تعزيز التمثيل يحتاج
إلى دعم الفصائل المتنافسة في البرلمان. وحتى في ذلك الحين، فإنه لن يتطرق إلى نظام
الكوتا السياسية -الذي بموجبه تتقاسم تلك الفصائل المناصب الحكومية- الذي يلقي العديد
من العراقيين باللائمة عليه في المحسوبية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وافق مجلس الوزراء
الشهر الماضي على "كتاب أبيض" يحدد أهدافا للإصلاحات، بما في ذلك خفض فاتورة
رواتب القطاع العام من 25% إلى 12.5% من الميزانية وتضييق العجز المالي من 20% إلى
3% من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن الإصلاحات المؤلمة التي ستؤثر على الأسر
المتعثرة بالفعل سيكون من الصعب تنفيذها، لا سيما خلال الأزمة الاقتصادية التي تسبق
الانتخابات.
ومع ذلك، على الرغم من كل المشاكل، يرى
الكثيرون أن الكاظمي يمثل "الفرصة الأخيرة" للبلاد ليكون لديها زعيم أكثر
ليبرالية وذو عقلية إصلاحية، حسب قول ريناد منصور، مديرة مبادرة العراق في تشاتام هاوس.
الخوف هو، إذا فشل فإن "شيئا أسوأ على وشك أن يأتي".
وقالت منصور: "كانت هناك سنوات قليلة
بعد الحرب ضد داعش عندما بدا أن الأمور تتحسن، لكن ذلك كان دائما ستارا من الدخان لأنه
لم يكن هناك أحد يعالج جذور المشكلة وهي الافتقار إلى المساءلة في السياسة والجماعات
المسلحة والمشاكل الاقتصادية". مضيفة: "لا أعرف إلى أي مدى يمكنهم الاستمرار في ركل العلبة (على الطريق)".
اقرأ أيضا: اعتقال وكيل وزارة سابق بالعراق بتهم فساد
MEE: خامنئي وجّه بوقف الهجمات على الأمريكيين بالعراق
NYT: أمريكا تغلق الباب أمام من ساعدوا جيشها.. وأصبحوا لاجئين
FP: السفارة الأمريكية ببغداد تعكس غطرسة واشنطن ويجب إغلاقها