نتائج الانتخابات الأمريكية واضحة، وحتى ليس لدى الرئيس الأمريكي الخاسر دونالد ترامب أدنى أمل باحتمال تغييرها لصالح نفسه، وكل ما يفعله هذه الأيام من ضجة وإثارة، ليس إلا بغرض تعكير صفوة فوز غريمه الديمقراطي جو بايدن وصعوبة إقراره بالهزيمة. وعليه، رغم أن البعض مازال منشغلا بمصير هذه الضجة، لكن التساؤلات المحورية اليوم لدى الكثير من المراقبين والمحللين، هي عن سياسات واشنطن تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية وعلاقاتها مع الدول في عهد بايدن.
يذهب البعض في تفسير مرحلة ما بعد ترامب يمينا وشمالا، كأن انقلابا سيحصل في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن، رغم أن ما هزم ترامب لم تكن طريقته الفجة والصريحة أكثر من أسلافه في ممارسة هذه السياسة، وإنما طريقة تعاطيه مع أزمة كورونا، بالتالي هذا الفيروس هو الذي نزل ترامب من شجرة السلطة.
الإطاحة بترامب سببها داخلي بالدرجة الأولى
السياسة الخارجية تتذيل هموم المواطن الأمريكي، وما يهمها بالدرجة الأولى هو الوضع الداخلي، لذلك الإطاحة بترامب ليست لها علاقة بالسياسة الخارجية لإدارة ترامب، ليفرض الأمر متطلبات على إدارة بايدن على هذا الصدد. نعم ترامب أدار هذه السياسة بأشكال ومفردات مختلفة، لكن المضمون في عهده لم يشهد تغييرا وتحولا.
واليوم بعد فوز بايدن بالرئاسة الأمريكية يستطيع أن يجزم الإنسان أن السياسة الخارجية الأمريكية في عهده ستبقى ثابتة في مضمونها تجاه منطقة الشرق الأوسط وجميع ملفاتها الساخنة، مع تغيير الأدبيات والطريقة التي تعبر عنها.
هذا ما يتوقع أن يحدث مع إيران، التي خلافا للقول الرسمي إنها لا يهمها من سيفوز، قد عبرت عن فرحتها الكبيرة من سقوط ترامب، وهذا أمر طبيعي، فهو الأكثر عداء بين الرؤساء الأمريكيين تجاه طهران، وقام باغتيال أرفع جنرالاتها اللواء قاسم سليماني، وفرض عقوبات عليها كانت تاريخية. هذا السلوك وخاصة اغتيال الجنرال سليماني، كان يمثل حاجزا كبيرا أمام إيران للدخول في أي تفاوض مع الإدارة الأمريكية الراهنة المنتهية ولايتها يوم العشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل، رغم الوساطات المتعددة التي قامت بها أطراف إقليمية ودولية طيلية السنوات الثلاث الماضية.
أزال حاجزا نفسيا أمام المفاوضات مع طهران
بالتالي، اليوم يكون سقوط ترامب قد أزال حاجزا نفسيا كبيرا أمام المفاوضات بين طهران وواشنطن، كما أن فوز بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما صاحب النهج الديبلوماسي مع طهران، يشكل فرصة للدخول في هذه المفاوضات. أقله، هكذا ما يراه مسؤولون ومراقبون في إيران، في مقدمتهم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي أكد الأربعاء الماضي، في تعليقه على نتائج الانتخابات الأمريكية، أن الحكومة "لن تفوت أي فرصة لإلغاء العقوبات" الأمريكية، مشيرا إلى أنه "لا يحق لأحد أن يهدر الفرصة".
تصريحات روحاني هذه تكمن في طياتها مؤشرات على رغبة الحكومة الإيرانية في استئناف المفاوضات مع الإدارة الأمريكية المقبلة، قبل انتهاء ولايتها خلال أيار / مايو 20121 وإجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، أملا أن يتم إحياء الدبلوماسية بين الطرفين لإعادة بناء ما دمره ترامب، أي الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي أطاح من خلال الانسحاب منه بأهم انجازات حكومة الرئيس الروحاني في ولايتيها ووضعها في موقف صعب أمام الشارع والقوى السياسية.
على الصعيد الخارجي سيأتي ملف العلاقة مع أوروبا على سلم الأولويات والذي قد يشكل المدخل الطبيعي للملف الإيراني وإعطائهم دورهم في عملية الدفع بهذا الملف حتى تتضح ملامح الرئاسة القادمة، فقد يلجأ بايدن إلى حيلة الإعلان حيلة الإعلان عن العودة إلى الاتفاق النووي، لكن دون أن يلغي العقوبات،
غير أنه في الحسابات الإيرانية، ذهاب ترامب وحده لا يكفي لاستئناف المفاوضات، أقله هذا ما تؤكده السلطات حتى الآن، بل يحتاج الأمر إلى رفع العقوبات التي أعاد الرئيس الأمريكي الحالي فرضها بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، لكن من الصعب بمكان أو من المستحيل أن يلغي بايدن جميع هذه العقوبات قبل أي تفاوض، لكون تراث ترامب في المواجهة مع إيران على مدى السنوات الأربع الأخيرة، يمثل ورقته الرابحه خلال إدارته المقبلة.
وهنا بايدن الراغب بالتفاوض مع إيران، قد ورث إرثا ثقيلا من التخبطات السياسية للإدارة السابقة وبالخصوص على الصعيد الداخلي الذي سيكون الهم الأكبر للرئيس المنتخب ليعيد اللحمة الوطنية وهيبة المؤسسات وحريات الرأي والإعلام، وعلى الصعيد الخارجي سيأتي ملف العلاقة مع أوروبا على سلم الأولويات والذي قد يشكل المدخل الطبيعي للملف الإيراني وإعطائهم دورهم في عملية الدفع بهذا الملف حتى تتضح ملامح الرئاسة القادمة، فقد يلجأ بايدن إلى حيلة الإعلان حيلة الإعلان عن العودة إلى الاتفاق النووي، لكن دون أن يلغي العقوبات، ومع احتمال تخفيف إجراءات الحظر بما يسمح لطهران بالحصول على أرصدة مجمدة لها في الخارج وتسهيل تجارة السلع الإنسانية.
قد يشكل ذلك مدخلا ومبررا للحكومة الإيرانية لاغتنام "الفرصة" للدخول في المفاوضات مع واشنطن مرة أخرى على ضوء التجربة المريرة السابقة، لكن قرار التفاوض ليس بيد روحاني والحكومة، وإنما بيد قائد الثورة الإسلامية في إيران، الذي لم تصدر منه بعد أي إشارة عما اذا كان يأذن لروحاني تجربة المسار مجددا بغية إلغاء العقوبات أو كل شيء سيتم تأجيله إلى ما بعد أيار / مايو المقبل أي مابعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران.