كتاب عربي 21

تماهٍ سلفي صهيوني!

1300x600

نقول في مصر "ما جمّع إلا لمّا وفّق"، ونعني بذلك: أن الله إذا جمَعَ بين اثنين فسيوفق بينهما. وهذا منظور ومتحقِّق في حالات كثيرة، وبالطبع قد تشذّ عن المقولة حالات أخرى.

عشتُ طفولتي بأكملها وقِسطا من مراهقتي في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يربط عاطفتي ووجداني بالوطن الثاني وأهله. وخلال تلك السنين شهِدتُ حملات التبرع على الشاشات للقضية الأم، قضية فلسطين، كما كانت خُطَبُ الجمعة وعمليات التربية في المدارس ترسخ رفض الاحتلال الصهيوني على كامل الأرض الفلسطينية. وبعد سنوات من ترك الوطن الثاني، أدركت أن مدير المدارس التي كنت فيها كان الراحل الأستاذ محمد مهدي عاكف، مرشد الإخوان الأسبق، وأن قيادات المدرسة كانوا من الإخوان المسلمين.

ثم التقيت برفاق الكبار من الراحلين من الإخوان المسلمين، لأعلم منهم حجم العلاقة التي كانت تربط (ملوك) السعودية بالإخوان، وليس فقط الأمراء، ولا غرابة في ذلك؛ إذ قام جزء من النهضة العلمية في المملكة على أكتاف الإخوان المسلمين الهاربين من الحكم العسكري في مصر والعراق والشام وغيرهم، فكان الإخوان أوفياء لمن منحهم المأوى، وكان الآوون أوفياء لحملة الرسالة والنهضة التعليمية والثقافية في بلدهم.

عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 أصبحت المملكة السعودية في عين العاصفة، وتحت المجهر، نظرا لأن 15 شخصا من مرتكبي أحداث البرجين (من بين 19) كانوا يحملون الجنسية السعودية، وكذلك كان أسامة بن لادن أمير التنظيم، حينها قررت المملكة التبرؤ من وصمة الإرهاب ونشر التطرف، وأعلنت، من جملة تحولاتها، أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.

فيما بعد وفي أحد مواسم الحج، التقى بالأستاذ عاكف أحد أبناء أمير كبير وله منصب هام، واعتذر له عن موقف المملكة من الإخوان، وبرره بأنه محاولة لتخفيف الضغوط الأمريكية عقب أحداث 2001، وهذا ما سمعته من أحد أعضاء مكتب الإرشاد السابقين.

 

المعروف عن المفتي الأسبق للمملكة الشيخ عبد العزيز بن باز، أنه لم يكن يقدح في الإخوان بقدر ما كان يرى أنهم لا يقومون بما يكفي لنشر "التوحيد"، وكانت بينه وبين الشيخ القرضاوي سجالات فقهية ومودة كذلك

لم يكن الموقف السعودي الرسمي من جماعة الإخوان المسلمين شاذّا في الوسط السعودي، فالمعروف عن المفتي الأسبق للمملكة الشيخ عبد العزيز بن باز، أنه لم يكن يقدح في الإخوان بقدر ما كان يرى أنهم لا يقومون بما يكفي لنشر "التوحيد"، وكانت بينه وبين الشيخ القرضاوي سجالات فقهية ومودة كذلك، كما روى الشيخ القرضاوي في خلافه مع الشيخ ابن باز في مسألة (المعازف/ الموسيقى)، وكانت أبواب المملكة مفتوحة على مصراعيها للإخوان من كل الأقطار.

ليس هذا فحسب، بل يمكننا العودة بالتاريخ إلى الوراء، عندما كان يقوم الملك المؤسِّس عبد العزيز آل سعود بدعوة وفد حجيج الإخوان إلى اللقاء بحضور الأمراء والأعيان، وحضر الأستاذ البنا بعض هذه اللقاءات خلال حجّه، وطلب من الملك إنشاء فرع للجماعة في المملكة، فأجابه بدبلوماسية "كلنا إخوان مسلمون"، ففهم البنا رحمه الله رفض الملك.

قرابة قرن من الزمان كانت العلاقة بين الإخوان والمملكة ممتدة، تتوثق حينا، وتفتر حينا، لكنها لم تدخل حالة النزاع والخصومة إلا عقب الربيع العربي. وأحسب أن الطرفين تورطا في زرع الخصومة؛ السعودية بخوفها من وصول الثورات إليها، والإخوان بسبب قيادتهم غير الرشيدة على مدار العقدين الأخيرين، ثم وصل الصدام إلى ذروته عقب ارتهان القرار السعودي للإمارات بوصول الأمير الحَدَث إلى مركز القرار.

مرت أكثر من سبع سنوات على الانقلاب العسكري في مصر، والدعم السعودي الكامل للحرب التي يشنها النظام المصري ضد الإخوان المسلمين، قام خلالها حكام المملكة بالكثير ضد الإخوان، وقاموا بالكثير أيضا تجاه موروث وطنهم الثقافي، لذا لم يعد غريبا استخدام الدعاة وعلماء الملك في مهاجمة الإخوان المسلمين، ولا كرامة لأحد هناك إذا أراد أن يغرّد خارج السرب، أو رفض مجرد التلميح السامي، فما بالنا بالأوامر؟

 

اللافت للنظر، أن تقوم هيئة دينية سعودية بوصف الإخوان بأنها جماعة "إرهابية ومتطرفة، وأنه خرج من رحمها جماعات العنف والتطرف في العالم"، فهؤلاء هم أصل التكفير والتشدد في العالم بأسره، منذ قيام دعوة محمد بن عبد الوهاب القائمة على التكفير والدم

لذا لم يكن غريبا ما صدر عما تُسمّى بـ"هيئة كبار العلماء" في السعودية من مهاجمة جماعة الإخوان، ووصفها بأنها جماعة "منحرفة"، لكن اللافت للنظر، أن تقوم هيئة دينية سعودية بوصف الإخوان بأنها جماعة "إرهابية ومتطرفة، وأنه خرج من رحمها جماعات العنف والتطرف في العالم"، فهؤلاء هم أصل التكفير والتشدد في العالم بأسره، منذ قيام دعوة محمد بن عبد الوهاب القائمة على التكفير والدم، وطوال التاريخ الإسلامي لم نشهد هذا العنف والتكفير الممنهَج إلا بعد قيام هذه الدعوة، ولم يقف أمام العنف والتطرف سوى مشايخ الأزهر الذين عانوا من تبديع وتفسيق السعوديين لهم، ووقفت جماعة الإخوان ضد هذه الأفكار بقيادة مرشدها الراحل حسن الهضيبي. فالغريب أن يقوم أبناء التكفير والتشدد والتفسيق والتبديع، بوصف الإخوان بأنهم أصحاب هذه الشرور التي ملؤوا بها الدنيا.

لم يكن غريبا أن تحتفي دوائر الإفتاء والأوقاف في مصر بهذه التصريحات، رغم ما نسمعه من مشايخهم على الدوام من نقد المنهج السلفي في العلوم الدينية، وهو النقد الذي يتجاوز كثيرا الحدود العلمية، لكن السياسة تجمع المستبدين وغلمانهم، بدلا من أن يتهذبوا بالدين.

لم يكن غريبا كذلك أن يحتفي الصهاينة بأعداء الأمس الذين لم يدعوا منبرا ولا محرابا إلا ودعوا فيه على "اليهود الغاصبين/ أحفاد القردة والخنازير.. إلخ".. لم يكن غريبا، لكنه كان مُحزِنا ومؤلما. لم يكن المرء يرجو أن يرى يوما يتحالف فيه منتسبو الشريعة - أيا كان موقفنا منهم - مع مغتصبي الأرض والتاريخ وسافكي الدماء وسارقي الأعمار، وأعداء الأمس واليوم وغدا، لكن العزاء أن هذا الرضى والغزل أتى في زمن حكام الخذلان والمهانة مع الخارج، وحكام المناشير والرصاص مع أبناء وطنهم، وهي خصال تتفق مع خصال الصهاينة الغاصبين، لذا نقول لهم جميعا: "ما جمّع إلا لمّا وفّق".

twitter.com/Sharifayman86