لدوافع مختلفة، يكاد يتفق معظم اللاعبين الإقليميين والدوليين على التصور ذاته في ما يخص السلام الذي ينبغي أن يسود اليمن خلال المرحلة المقبلة، وجميع هؤلاء اللاعبين تقريباً لا يجدون بدّاً من المساعدة في التمكين الممنهج لأكثر الأطراف المحلية سوءا؛ باعتبارهم النقيض للأغلبية التي لا ترغب هذه الأطراف في تمكينها أو لا تجرؤ على ذلك في ظل سطوة الغرب ونفوذه.
هذا الأمر يعني بوضوح شديد أن ثمة توجه لتطويع الغالبية العظمى من اليمنيين التي تنبذ انقلاب الحوثي ونهجه الإرهابي الدموي، وتعارض مساعي الانفصال التي يتورط فيها المجلس الانتقالي المدعوم من التحالف السعودي الإماراتي، وتشكل مليشياته المسلحة امتداداً طبيعياً للجهادية السلفية.
وأقل ما يقال في هذا التوجه أنه يصيغ نهاية مجحفة للمعركة المدمرة التي عصفت وتعصف باليمن واليمنيين؛ عبر سعيه إلى مكافأة أعداء الشعب اليمني من الانقلابيين والانفصاليين وامتداداتهم الإقليمية، مثل إيران والإمارات، والإبقاء على نفوذهم السياسي والعسكري على حساب الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني.
أقل ما يقال في هذا التوجه أنه يصيغ نهاية مجحفة للمعركة المدمرة التي عصفت وتعصف باليمن واليمنيين؛ عبر سعيه إلى مكافأة أعداء الشعب اليمني من الانقلابيين والانفصاليين وامتداداتهم الإقليمية، مثل إيران والإمارات
أكثر ما يثير الإحباط أن قيادة
الشرعية وحكومتها، تكاد بدورها أن تُلغي المسافة بينها وبين المخطط الإقليمي والدولي الهادف إلى تركيع المعسكر المحسوب عليها، وهو طيف واسع من اليمنيين الذين يزيد عددهم على الثلاثين مليون نسمة، إلى الحد الذي بات معه التمييز يكاد أن يكون مستحيلاً بين هذه
القيادات في الشرعية وبين المتربصين بالمشروع الوطني اليمني الواضح الملامح، من اللاعبين المحليين السيئين وامتداداتهم الإقليمية والدولية.
لكن واستناداً إلى معطيات وأسباب ودوافع براغماتية بحتة، فإنه ليس من الحكمة ولا من السياسة ولا من مقتضيات التفكير الاستراتيجي أن تقوم بعض الأطراف الإقليمية الصديقة، والتي كانت ولا تزال محط آمال قوى التغيير في اليمن بانتهاج سياسة تشجيع المعارضين لجماعة الحوثي الانقلابية، على تبني مواقف مهادنة إزاء هذه الجماعة والارتماء في أحضانها، ضمن مخطط يهدف إلى تيئيس الغالبية العظمى من اليمنيين من الحرب الدائرة حالياً والتي تتحكم بها للأسف القيادة
السعودية المتخبطة.
تمثل جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي الطرفين الأكثر سوءا. فعلى الرغم من أنهما يتقاسمان الولاء لإيران، إلا أنهما يعملان من أجل مشروعين متضادين من الناحية الجيوسياسية، لكنهما يتفقان في الأثر العدائي الخطير على الشعب اليمني ودولته. فأقل ما يقال فيهما أنهما يسعيان إلى القضاء على الوحدة والقيم الجمهورية والديمقراطية، وتكريس الشمولية والكهنوتية والادعاءات الباطلة بالحق الإلهي في الحكم.
لا أحد يتحمل المسؤولية عن فقدان البوصلة في المعركة اليمنية، أكثر من السعودية وعهدها الجديد. فمنذ وصول الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى منصب ولاية العهد في السعودية في حزيران/ يونيو 2017، عبر الانقلاب الأبيض على ابن عمه الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، شهدت المنطقة تغيرات دراماتيكية كان اليمن إحدى أهم الساحات التي انعكست عليها هذه التغيرات بشكل سلبي للغاية.
لا أحد يتحمل المسؤولية عن فقدان البوصلة في المعركة اليمنية، أكثر من السعودية وعهدها الجديد
لقد تكرست بفعل النهج السعودي الجديد هذا عزلةُ من كانوا حتى وصول ابن سلمان إلى منصب ولاية العهد؛ لا يزالون يمثلون الحلفاء المخلصين للرياض في معركة يفترض أنها تسعى إلى إنهاء الانقلاب في اليمن وإعادة السلطة الشرعية وتقويض النفوذ الإيراني؛ الذي تكرس بفعل سيطرة
الحوثيين على صنعاء والذي يشكل
خطراً وجودياً للدولة السعودية.
ليس هذا فحسب، بل إن معسكر الشرعية الحليف للرياض، تعرض لأشكال عديدة من الاستهداف الممنهج كان أكثرها قسوة القتل المباشر لقوات الجيش الوطني، بعشرات الضربات الخاطئة، وتقنين الدعم التسليحي والمالي لهذا الجيش، واستحداث تشكيلات عسكرية جديدة من ضباط وأفراد وحشود قبلية وهمية، مرتبطة من حيث الولاء بالنظام السابق.
تطورت أساليب استهداف معسكر الشرعية بشكل لا يصدق، فقد تعرض هذا المعسكر لما يمكن وصفه بالعزل الإقليمي، وهو توجه تبنته الرياض وأبو ظبي بهدف سد كل النوافذ التي يمكن أن تسمح لقوى معسكر الشرعية بالحصول على الدعم الإقليمي، لمواصلة كفاحها ضد مهددي كيان الدولة اليمنية من الانقلابين والانفصاليين.
ضمن هذه السياسة تبنى التحالف السعودي الإماراتي نهجاً عدائيا ضد قطر وتركيا، وضد سلطنة عمان كذلك وإن بدرجة أقل عدائية، لكنه فاق في مستواه ذلك الذي يظهره التحالف الثنائي تجاه إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإمارات وثقت علاقاتها مع إيران خلال العامين الأخيرين إلى أبعد الحدود.
ضمن هذه السياسة تبنى التحالف السعودي الإماراتي نهجاً عدائيا ضد قطر وتركيا، وضد سلطنة عمان كذلك وإن بدرجة أقل عدائية، لكنه فاق في مستواه ذلك الذي يظهره التحالف الثنائي تجاه إيران
لم تكن ردة فعل بعض الأطراف الإقليمية الصديقة موفقة، تجاه المخططات الكارثية للتحالف الثنائي، فقد مالت إلى الاستثمار في الأدوات الإيرانية الجاهزة على الساحة اليمنية، بغية تعظيم قدرتها في تصعيب المهمة السعودية في اليمن، وهي بهذا النهج لن تختلف كثيراً عما
تقوم به الإمارات طالما الأمر يتعلق بالمصادمة المباشرة مع إرادة الأغلبية من الشعب اليمني وتطلعاته المشروعة نحو استعادة دولتها.
وبغض النظر عن الأبعاد التكتيكية أو حتى الاستراتيجية لتوجه كهذا، فإنه من غير المقبول أن يجري تجاهل الطيف الواسع من اليمنيين الذين يتوقون إلى تفهم إقليمي على الأقل، إن كان الدعم متعذراً، وهم يكافحون من أجل استعادة دولتهم التي يريدون بناءها ضمن الجغرافيا اليمنية والوحدة الطبيعية لبلدهم، وعلى مبدأ الشراكة الوطنية الواسعة وعلى قيم الجمهورية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
twitter.com/yaseentamimi68