فاز
الأهلي الأسبوع الماضي وللمرة التاسعة بدوري أبطال أفريقيا، بطولة النخبة الأقوى والأصعب في القارة السمراء، كما بقية قارات العالم. الفوز لم يكن عادياً لا فنياً، ولا إدارياً وإعلامياً، ولا نفسياً. ببساطة لم تكن التاسعة المستحقة عن جدارة، فهي بطولة عادية كونها أنهت مرحلة ماضية ودشّنت أخرى جديدة على كل المستويات، كروياً ورياضياً وإدارياً واعلامياً ونفسياً.
لا باس من التذكير طبعاً بأن الأهلي كان دوماً أكثر من مجرد نادي رياضي، وكرة القدم أكثر من مجرد لعبة. نادي القرن الأفريقي تأسس قبل أكثر من مائة عام كتجمّع لشباب الحركة الوطنية
المصرية من أجل مقاومة الاحتلال الإنجليزي على مستويات عدة. وكان الشاب المغربي عمر لطفي أحد مؤسسيه، كما سمّى الوداد البيضاوي تيمناً بالفيلم الشهير لكوكب الشرق أم كلثوم. هذا قبل أن يتحول بساط الريح العربي (حسب الرائع فريد الأطرش) إلى وسيلة للتعذيب مع أنظمة الاستبداد العسكرية التي حكمت بلادنا بعد الاستقلال، إثر تمدد انقلاب تموز/ يوليو 1952 عربياً وتحديداً في حواضرنا المدينية الكبرى.
طوت البطولة التاسعة نهائياً مرحلة سوداء كانت بدأت قبل عامين ونصف تقريباً، مع اقتحام مساعد ومستشار وصديق ونديم وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وزير
الرياضة ثم وزير الترفيه (منصب غير موجود بالعالم كله) تركي آل الشيخ؛ الساحة المصرية وتقديم نفسه كمحب للبلد والرياضة والفن، وراغب في المساعدة والاستثمار رياضياً وفنياً وكأهلاوي منذ الصغر - حسب زعمه - فمنحه النادي الأهلي رئاسة شرفية - لا يستحقها - مقابل دعمه للنادي والرياضة بشكل عام. وسرعان ما اكتشف مجلس الإدارة بقيادة أحد أساطير النادي ومصر والعرب، محمود الخطيب، وهو المنتخب في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة وفريدة محلياً وعربياً وقارياً، أن تركي غير جدير وغير كفؤ، ويريد عملياً التحكم بالنادي وتفاصيل إدارته اليومية مع بروباغندا إعلامية مكثفة ويومية، فتجاهله ومنعه من التدخل نهائياً في شؤون النادي ما أجبره على المغادرة والتبجح بالاستقالة، رغم أن الرئاسة شرفية لا استقالة فيها.
رفع مجلس إدارة الأهلي بعد ذلك الكارت الأحمر رسمياً ونهائياً في وجه تركي، بإلغاء قرار تعيينه رئيساً شرفياً وحذف اسمه من سجلات وتاريخ النادي. القرار تأخر عامين أيضاً بعدما قدم تركي وأداته الرئيسية في الساحة الرياضية مرتضى منصور، مختطف
الزمالك ومحوّله إلى عزبة له ولأولاده، 60 بلاغاً (نعم ليس أقل من ذلك) للنائب العام للتشكيك في ذمة الخطيب والمجلس ككل. والمؤسسات المهنية التي ما زالت صامدة في البلد (الجهاز المركزي للمحاسبات والكسب غير المشروع والنيابة الإدارية والمالية) قامت بتحقيقات استمرت عامين ثم أصدرت قرارها أو حكمها النهائي بأن لا شبهة ولا تجاوز أو مخالفة في عمل إدارة الأهلي، وأن ما قدمه تركي من تبرعات للنادي لا يتجاوز 70 مليون جنيه، وهو رقم متواضع قياساً لميزانية نادي القرن التي تتجاوز الملياري جنيه.
اعتبر تركي الشيخ رفض الأهلي وجمهوره بمثابة الإهانة لا الانفصال والافتراق الطبيعي لعدم التوافق (قال حرفياً مضخماً كالعادة من ذاته أضاعوني وأي فتى أضاعوا)، فبادر إلى خطوة لا يتصورها عقل، حيث قام بشراء نادي الأسيوطي لمنافسة الأهلي وإدارة الحرب اليومية ضده، مع رفع الأسعار وخطف اللاعبين الذي فكر فيهم الأهلي بمساعدة من طابور خامس أهلاوي (ضمّ تحديداً مجدي عبد الغني وحسام البدري)، بموازاة حملة إعلامية عبر قناة الأسيوطي أوصلت الوضع العام إلى الاحتقان وحتى حافة الانفجار الأمني، فتم إغلاقها واستعاض عنها تركي بمجموعة واسعة من الإعلاميين المرتزقة، وما كشفته فضيحة فندق فور سيزون (آب/ أغسطس 2018) كانت قمة جبل الجليد لأن ما خفي كان أعظم.
إلى ذلك استغل تركي الشيخ وضاعة وانتهازية مختطف الزمالك، مرتضى منصور، الذي حول النادي إلى عزبة له ولأولاده؛ ولي العهد أحمد، وولي ولي العهد أمير (كما قال ميدو في شكواه الشهيرة للجنرال عبد الفتاح السيسي في شباط/ فبراير 2016)، بعدما دمّر تراثه وأهان ونكّل بكل رموزه أحياء وأمواتا، فتم أخذ أفضل لاعبيه لـ"الأسيوطي1" (أحمد الشناوي وعلي جبر، بينما رفض طارق حامد ومصطفى فتحي ضغوط وابتزاز مرتضى للانتقال إلى الأسيوطي)، وتم تعويض مرتضى بلاعبين آخرين. وخلال العام الماضي تبجح تركي علناً بأنه جلب المدرب السويسري كريستيان جروس ونصف الفريق لعزبة مرتضى وأولاده، بعدما تحولت إلى "الأسيوطي 2".
الأهلي رد بثبات واحترافية ومسؤولية واللجوء للقانون والتعاون التام مع التحقيقات والصبر حتى نهايتها، طبعاً دون أي ردّ أو تسريب إعلامي، وفاز العام الماضي ببطولة الدوري الأصعب في تاريخه رغم التحالف الثنائي بل الثلاثي ضده؛ من تركي الشيخ ومرتضى منصور ورئيس اتحاد
كرة القدم هاني أبو ريدة، وهجمة إعلامية شرسة غير مسبوقة ضد نادي القرن والخطيب؛ باعتباره أحد أساطير النادي والبلد بشكل عام.
مع الهزيمة غادر تركي البلد نهائياً مصوراً ذلك كعقاب لمصر وللمصريين، واشترى نادي العامرية في إسبانيا، وحاول شراء مانشستر يونايتد ونيوكاسل (لصالح سيده ابن سلمان)، ساعياً لتكريس فكرة الندم التي سوقتها أبواقه في مصر، بينما في الحقيقة هو تنازل شكلاً فقط عن "الأسيوطي1"، حيث لم يقم ببيعه نهائياً واعتمد أكثر على مرتضى منصور و"الأسيوطي2" لمنافسة الأهلي بعدما جلب له هذا الموسم أهم لاعبيه (أشرف بن شرقي ومحمد أوناجم)، مع الاستمرار في دفع رواتب بقية اللاعبين المهمين، وتمويل التجديد لمن انتهت عقودهم. ولم يجلب مدربا واحدا فقط هذا العام وإنما ثلاثة، بعد إقالة الصربي ميتشو واستقالة الفرنسي باتريس كارتيرون، ثم التعاقد أخيراً مع البرتغالى جيمي باتشيكو.
ومعادلة تركي الواضحة وضوح الشمس أفادت بأن الدعم مرتبط بهجوم مرتضى منصور المستمر ضد الأهلي والخطيب تحديداً، والنيل من هيبته وسمعته، متجاوزاً الروح الرياضية والمواثيق الدولية وحتى آداب وعادات وتقاليد الشعب المصري، تحديداً في ما يتعلق بالتعرض للحرمات والأعراض، ناهيك عن تراجع مرتضى نفسه عما كان يردده دوماً باعتبار الخطيب الأسطورة الأولى للكرة المصرية رياضياً وأخلاقياً.
رغم ذلك تصرف الأهلي بنفس الطريقة، بالهدوء والصبر والاحتكام للقانون والمؤسسات والاستقرار لفريق كرة القدم، وفاز طبعاً بالبطولة الأهم والأغلى "الدوري العام"، وبسهولة بل بفارق كبير عن منافسيه "الأسيوطيين". ولأنه انسجم مع نفسه ومبادئه، ساعد في فوز منافسه الرئيس والمباشر "الأسيوطي 2" (عزبة مرتضى) بالمركز الثاني والتأهل بالتالي لدوري النخبة الأفريقي على حساب "الأسيوطي1" الذي لا يزال تركي الشيخ يتحكم به بشكل تام.
تم الرد على فوز وثبات الأهلي واحتكامه للقانون والمؤسسات - ما تبقى منها - بحملة إعلامية مكثفة ضد مجلس الأهلي والخطيب، وتبخيس بطولة الدوري نفسها وتضخيم البطولات المتوسطة التي فاز بها مرتضى منصور، والترويج لمقولة أن معيار التقييم الأساسي هو دوري الأبطال الأفريقي لا الدوري المحلي.
في هذا الصدد يمكن تخيّل الذهنية الموتورة لتركي الذي قام بدفع 300 مليون جنيه، في ما بدا أقرب إلى الرشوة وخارج كل المعايير الرياضية وقواعد اللعب المالي النظيف، لحرمان الأهلي من اثنين من أهم لاعبيه المخضرم (أحمد فتحي والشاب رمضان صبحي) للنيل من مجلس الإدارة واتهامه بالضعف وعدم القدرة على حماية لاعبيه والاحتفاظ بهم - قال تركي حرفياً إن سور النادي منخفض - والتأثير بالتالي على حظوظه في دوري الأبطال والبطولات الأخرى.
إذن كان نهائي دوري الأبطال أكثر من مجرد مباراة لكرة القدم، وتم وضع سيناريوهات لما بعدها، ولو خسر الأهلي لتم إطلاق حملة إعلامية مكثفة مأجورة لاتهام الخطيب والإدارة بالفشل، والتضحية بدعم وأموال تركي، علماً أن هذا الأخير كان هدد بالحساب في الانتخابات بعد إشهار البطاقة الحمراء له، وراجت أحاديث عن دعمه للائحة منافسة في الاستحقاق المقرر بعد عام من الآن.
الأهلي فاز بالبطولة وانهارت كل خطط ومشاريع تركي وأداوته، والانتصار طوى مرحلة بكاملها، خاصة بعدما نجح الخطيب ومجلسه بإعادة بناء فريق قوي جداً سيبقى في القمة محلياً وأفريقيا، وهي المهمة التي شوّشها تركي وعرقلها لسنوات.
أما مرتضى منصور فقد فشل في كل الامتحانات الصعبة والمركزية (الدوري المحلي ودوري الأبطال الأفريقي)، وتزامنت المباراة الأخيرة مع عزله من قبل اللجنة الأولمبية وعودة الزمالك لأبنائه الأصليين بعد تخلص النظام منه، بعدما تجاوز حدوده وظنّ أنه واحد من النظام لا مجرد أداة له.
هو في النهاية ملكي حسب التعبير الحرفي للسيسي لا عضو كعبد الرحيم علي الذي اكتفى النظام بإسقاطه في الانتخابات، ولكن مع السماح له بالسفر. أما مرتضى فقد تم إسقاطه في الانتخابات وستجري محاسبته عن تجاوزاته التي تمت أساساً بمباركة النظام من أجل بثّ الفتنة وإلهاء وإشغال الناس عن أزماتهم وهمومهم، كما ستتم مصادرة الأموال التي اختلسها من أموال النادي العامة، حيث قال تقرير لصحيفة المصري اليوم نقلاً عن لجان التفتيش الإدارية والمالية أنه قام باختلاس مليار جنيه تقريباً، وهو نفس الرقم الذي أشار إليه دوماً أحمد سليمان، عضو مجلس الإدارة السابق وحليف مرتضى الذي بات خصمه الآن.
كان الأهلي وسيظل دوماً أكثر من مجرد ناد، هو نادي القرن وفخر مصر والعرب وأفريقيا، كما قال حرفياً رئيس جنوب أفريقيا ممتدحاً قرار الأهلي التاريخي بالتعاقد مع مواطنه المدرب بيتسو موسيماني، وهو ثاني الأندية المتوّجة بالألقاب القارية على مستوى العالم بعد ريال مدريد، ومنافسته مطلوبة بل وضرورية من أجل رفع مستوى الكرة والرياضة محلياً وعربياً وأفريقيا، غير أن هذا يجب أن يتم ضمن قواعد الروح الرياضية والتنافس الشريف واللعب المالي النظيف المقررة أولمبياً ودولياً.