يعطي اليهود الانطباع بأنهم شديدو التدين، بل جعلوا من اللغة العبرية والدين هوية لدولتهم (إسرائيل)، ولكن دراسة محكمة شاركت فيها كتيبة من الباحثين تفيد بأن 50% من اليهود الأمريكيين لا يؤمنون بوجود إله، مقارنة بـ 10- 15% من أتباع الديانات الأخرى (موسوعة ويكيبيديا)، بل إن ثيودور هيرتزل مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة كان ملحدا، ولعل أشهر الملحدين اليهود هما وزير الدفاع الإسرائيلي الأشهر موشيه ديان، وديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل الذي سئل ذات مرة: هل تؤمن بالله؟ فكانت الإجابة سؤالا: وهل يؤمن هو بي؟
كان بن غوريون شديد الإعجاب بنفسه، وربما وجدنا له بعض الحق في ذلك لكونه جلس على قمة هرم السلطة في أول دولة في تاريخ البشرية يتم إنشاؤها بالتصويت في محفل دولي، ولكونه بعكس معظم معاصريه من القادة اليهود رحل من بولندا إلى الأرض التي صارت إسرائيل في عام 1906، وقاد حرب عام 1948 التي أسفرت عن هزيمة العرب المعارضين لقيام الدولة العبرية و"إشهار" تلك الدولة رسميا.
وإذا حق لبن غوريون أن يتيه عجبا بنفسه لأنه حقق الغايات التي سعى إليها قومه وصار محل تقديرهم الشديد، فما بال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لا يعرف له أحد إنجازا يخلد ذكره؟ من فرط عشق ترامب لنفسه فقد قام بأدوار ثانوية للغاية في العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، بمدة إجمالية لا تزيد على ثلاث دقائق، فقد كان مرضيا لغروره ونرجسيته أن يرى نفسه على الشاشات ولو لثوانٍ معدودة.
إنني أعترف بأن ترامب سـ "يوحشني"، فقد نظمت في هجائه على مدى السنوات الأربع الماضية عشرات المقالات، وبما أنه سيختفي من الرادار الإعلامي بعد شهرين على أبعد تقدير فسيصبح الأرشيف الترامبي الضخم الذي راكمته على مدى سنوات منتهي الصلاحية كالشخص الذي استمددت مادتي منه.
وما من باب سيدخل منه ترامب التاريخ، سوى باب الهفوات التي فضحت جهله وجعلت منه مادة للتندر، وعلى بشاعة أقواله وأفكاره فقد استأثر ترامب باهتمام العديد من القنوات التلفزيونية الأمريكية الرصينة، التي ظلت ترصد زلات لسانه وتبثها فتصبح مادة طريفة مثيرة للضحك، دون الحاجة إلى معالجتها من قبل كتاب الكوميديا.
ولأن كل شيء في ترامب مزور، من شعره المستعار إلى لون وجهه البرتقالي، فقد كان بدهيا أن يجتذب أشخاصا قيمهم ومعارفهم مزورة، مثل المحامية سيدني بأول التي رافقته في حملته الانتخابية، ثم كلفها بصعود المنابر للتأكيد على أن خصمه جو بادين فاز بالرئاسة بالتزوير، فكان أن وقفت أمام الملأ وأعلنت أن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز شخصيا دعم حملة بايدن الانتخابية بالمال، ولما قال الإعلام إن شافيز من أصحاب الكرامات لأنه ما زال فاعلا في ميدان العمل العام رغم نزوله القبر في آذار (مارس )2013، اضطر ترامب إلى إنهاء خدمات باول.
وإذا وجدت لمحامية العذر في الجهل بموت شافيز، فما قولك في ترامب الذي قال أمام حشد جماهيري في مدينة بافلو بولاية نيويورك إنه تابع جهود رجال الأمن والدفاع المدني بعد انهيار برجي مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من تموز (يوليو)، بينما صارت عبارة ناين إليفن/ 11 أيلول (سبتمبر) تعني منذ عام 2001 حادث الانهيار ذلك.
ومارس ترامب صب البنزين على نفسه ثم إيقاد النار عليها عديد المرات فاضحا جهله وسطحيته، ومن ذلك انه ردد اسم مملكة تايلند سبع مرات في خطبة في ولاية أوهايو، ولكنه أسماها "ثايلاند" ـ بالثاء ـ لأنه إذا جاء حرف "تي" في الإنجليزية متبوعا بحرف "اتش" كما هو الحال في إسم تايلند فإنهما ينطقان ثاء، وصار واضحا أن ترامب لم يسمع بتايلند ولكن قرأ إسمها في نص مكتوب، وبهذا وقع في شر أعماله لأن ثايلاند (بالثاء) تعني "أرض الأفخاذ"، وقالت الصحافة إن عقل ترامب الباطن هو الذي جاء بتلك الكلمة.
وفي نفس تلك الخطبة تحدث عن لقائه برئيس جمهورية جزر فيرجن، وكان المسكين لا يدري أنه هو رئيس جزر فيرجن التابعة للولايات المتحدة.
وترامب هو الذي قال في معرض إثبات أنه يتابع مسار فيروس الكورونا، إن جائحة الأنفلونزا الإسبانية هي التي حملت الأطراف المتحاربة في أوروبا على إنهاء الحرب العالمية الثانية، بينما كانت الجائحة في العام 1918 أي قبل الحرب العالمية الثانية بعقدين.
ولأنه مجبول على الإساءة للآخرين فإنه لم يتردد في الاستخفاف بملامح مرشحة حزبه (الجمهوري) كارلي فيورينا في ولاية فلوريدا، فبينما كانت تننظر منه أن يقدم لها التزكية والدعم المعنوي، وقف على المنصة وقال مشيرا إلى وجهها: انظروا إليها!! هل هذه تقاطيع شخص جدير بالانتقال إلى واشنطن؟ كما تهكم بلغة فظة وقاسية على سيرجي كافولسكي مراسل صحيفة نيويورك تايمز لأنه يعاني من عاهات خلقية في المفاصل.
أحيانا يخيل إليّ أن الشاعر العربي القديم عنى ترامب بقوله:
يا عبقريا في شناعته ** ولدتك أمك وهي معتذرة
ولعل الشاعر الآخر عناه أيضا بقوله:
قل للبغيض ابن البغيض أخ البغيض ابن البغيضة
ضاقت بما رحبت على بغضائك الأرض العريضة
وعلى نفوري من شكله وصوته، فإنني أعترف بأن ترامب سـ "يوحشني"، فقد نظمت في هجائه على مدى السنوات الأربع الماضية عشرات المقالات، وبما أنه سيختفي من الرادار الإعلامي بعد شهرين على أبعد تقدير فسيصبح الأرشيف الترامبي الضخم الذي راكمته على مدى سنوات منتهي الصلاحية كالشخص الذي استمددت مادتي منه.
المبالغات المتعلقة بمكاسب تركيا من ممر ناختشيفان
ترامب وبايدن.. "ليس كل أولاد عبد الواحد واحد"!