لم يكن قرار المملكة المغربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني هو الأول ولن يكون الأخير؛ في أحدث موجات التطبيع التي افتتحتها منذ آب/ أغسطس الماضي الإمارات ومن بعدها البحرين وتطايرت رياحها إلى السودان، وحطت رحالها أخيرا في المغرب، وإذا كانت الشعوب العربية قد هتفت من قبل "من مراكش للبحرين شعب واحد لا شعبين"، فإن حكامها يهتفون اليوم "من مراكش للبحرين للتطبيع كلنا رايحين".
الموجة الأخيرة للتطبيع هي امتداد لموجات سابقة بدأتها مصر في العام 1977 بزيارة الرئيس أنور السادات المفاجئة والصادمة إلى القدس، ثم توقيعه اتفاقيتي كامب ديفيد في أيلول/ سبتمبر 1978 ثم اتفاقية السلام في آذار/ مارس 1979، ثم كانت الموجة الثانية بتوقيع الأردن اتفاقية وادي عربة وتوقيع منظمة التحرير اتفاقية الحكم الذاتي بعد مفاوضات أوسلو، وهو ما فتح الباب أمام عدة دول لبدء علاقات دبلوماسية بمستويات مختلفة مع الكيان، بدءا بمكاتب تمثيلية أو تجارية مثل قطر والبحرين وسلطنة عمان وحتى المغرب، وانتهاء بسفارة كاملة في الأردن وموريتانيا.
لم يكن قرار المغرب مفاجئا، حيث كان أسبق الدول العربية في التواصل مع الكيان الصهيوني منذ ملكها الراحل الحسن الثاني، وكان هو الوسيط بين السادات والصهاينة، باحتضانه للقاءات سرية بين مبعوثين مصريين وإسرائيليين منذ العام 1976، كان منها لقاءات لحسن التهامي المستشار السياسي للسادات مع بعض القادة الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين، مثل مدير المخابرات الإسرائيلية، وموشي ديان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق وقائد حرب 1976، وقد تمت بعض هذه اللقاءات بحضور الملك شخصيا حسبما ورد في مذكرات التهامي ومذكرات محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية المصري إبان عملية التفاوض في كامب ديفيد. وخلال تلك المفاوضات جرى الترتيب سرا لزيارة السادات إلى القدس، والتي بدت ظاهريا كأنها فكرة طارئة للسادات جاءت وليدة اللحظة أثناء خطابه في مجلس الشعب يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977.
هكذا جرت الترتيبات سرا في الرباط، ولذلك كانت المملكة المغربية من الدول المؤيدة لمبادرة السادات وحاولت أن تلعب دورا لإقناع باقي الدول العربية بذلك، لكن موجة الرفض كانت هي الأعلى في تلك الفترة التي قامت فيها جبهة الصمود والتصدي (جبهة الرفض بتعبير السادات) بدور قوي ضد المبادرة (ضمت الجبهة العديد من الدول العربية كان أبرزها العراق وسوريا وليبيا والجزائر ومنظمة التحرير).
موافقة المملكة المغربية على فتح سفارة كاملة هو تطوير لخطوتها السابقة، وإحياء لمسار كان قد توقف ولو ظاهريا عقب الانتفاضة. فما الجديد الذي يدفعها لذلك وهي التي تتولى رئاسة لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي منذ العام 1979
السبب الظاهر والذي تم تقديمه للرأي العام المغربي أن ما تم هو مقايضة سياسية تعترف بموجبها الولايات المتحدة بالسيادة المغربية التامة على إقليم الصحراء، ولكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، فالمغرب الذي كان عرابا للسلام بين مصر وإسرائيل يتهيأ للعب دور جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولذا فقد سارع الملك بالاتصال بالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي لم يصدر عنه موقف مندد بالخطوة المغربية تجاه إسرائيل بل أبدى ترحيبا بذلك، وهو ما يؤكد أن هناك ترتيبات تمت في الخفاء لاستئناف الحوار بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية عبر البوابة المغربية، بعد أن تراجعت سلطة عباس عن قرارها السابق بوقف الاتصالات مع الحكومة الإسرائيلية منذ ستة أشهر بسبب قرارها بضم أراضي في الضفة الغربية لها.
ويبدو أن إدارة ترامب أرادت تحقيق إنجاز سياسي جديد قبل رحيلها عن البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، وليس المقصود بالطبع هو إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الرباط وتل أبيب (وإن كانت إدارة ترامب تعد ذلك إنجازا بذاته)، ولكن تحقيق اتفاق جديد بين عباس ونتنياهو ينقذ هذا الأخير قبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، ويمثل إنجازا جديدا لترامب قبل مغادرته.
هذا الاحتمال يدفعنا لتوقع ضغوط مكثفة من الدول العربية - التي دخلت بالوعة التطبيع قديما وحديثا - على السلطة الفلسطينية لقبول اتفاق أو تفاهم جديد مع نتنياهو، وقد نجد دولا جديدة دخلت إلى البالوعة ذاتها بضغط أمريكي.
رغم تسارع وتيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الموجة الحالية إلا أنه يبقى في الإطار الحكومي الرسمي، ولا يتعداه لإطار شعبي
عندما أنقذ المغرب اليهود مرتين
نتنياهو والإذلال المتعمد للإمارات
محمد رمضان.. من "نمبر وان" إلى القاع