ما يحدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، سابقة تُعّد الأولى من نوعها في تاريخ انتخابات أمريكا. إنها مقاومة ترامب ورفضه لنتائج الانتخابات، ومن ورائه حزبه، الحزب الجمهوري.
ما يحدث أصدق دليل على وجود من يحرس قيم الديمقراطية، ليس فقط كمؤسسات، وإنما أيضا كدولة عميقة، مخلصة لمبادئ الديمقراطية وآلياتها، ومقاومة لكل من يحاول أن ينأى عنها لصالح الصوت الواحد واللون الواحد.
ما يحدث أصدق دليل على وجود من يحرس قيم الديمقراطية، ليس فقط كمؤسسات، وإنما أيضا كدولة عميقة، مخلصة لمبادئ الديمقراطية وآلياتها
مقاومة أيضا لكل من يدعم الديماغوجية والشعبوية والعنصرية التي كان ينادي بها رونالد ترامب، بل ويحاول أن ينفذه بشكل سريع ومضطرد، ولذلك لم يستوعب ترامب فوز جو
بايدن عليه؛ بل صال وجال واتهم بايدن بالتواطؤ والتزوير. فهو لا يستوعب فكرة اختيار الشعب، ولهذا أخذت الدولة العميقة إجراءاتها في حماية الديمقراطية من تهور ترامب وإرادته، وحدّت من سعيه وراء الفوز بأي ثمن، وعلى حساب الديمقراطية.
ما فعله ترامب وصل لدرجة أن المتابع للأحداث كان متفاجئا، لا يكاد يصدق أن هذه هي أمريكا التي لها تاريخ رائد في مجال الحريات، وأنها فجأة أصبحت إحدى جمهوريات الموز. دونالد ترامب ومن وراءه يريدون تحويل أمريكا إلى دولة مركزية، يريدون اللعب بدولة المؤسسات حتى يتسنى لهم المجال لأن تصبح أمريكا مواكبة للسلطة المطلقة، بحيث لا صوت يعلو فوق صوته.
ولكن الدولة العميقة بأمريكا، وهي مجموعات من الأثرياء ذوي المناصب النافذة، الذين هم في مواقع صنع القرار؛ لن يسمحوا بسرقة أمريكا، ولن يسمحوا باغتيال الديمقراطية. قد يظل الصراع محتدما ومستعرا بين القطبين، ولكن ما زالت الغلبة للآن لصالح المؤسسات، ولعل الأيام القادمة ستكشف أكثر عن خطورة هذا الصراع.
قد يظل الصراع محتدما ومستعرا بين القطبين، ولكن ما زالت الغلبة للآن لصالح المؤسسات، ولعل الأيام القادمة ستكشف أكثر عن خطورة هذا الصراع
لا شك في أن أنظار العالم ستتجه لهذا الصراع. قد تنقسم الدول كل حسب نظامها وتعاطفها ومصالحها للحد من غلواء امتداد تيار ترامب وما يمثله، أو لدعم امتداد وصعود بايدن وما يمثله. ليس من المؤكد أن ينقسم العالم كما انقسمت أمريكا في تلك اللحظة الملتهبة إبان الانتخابات الأمريكية، لكن ما بين الأغلبية المناصرة لتوجهات سلامة الديمقراطية بالالتفاف حول بايدن، وما بين محبي توجهات ترامب ومناصريه؛ تقف مصالح منافع قوة إما لدعم الاستبداد، أو لدعم قيم الحرية والحق والخير والجمال.
سيظل العالم حابسا أنفاسه، برغم غلبة بايدن وحسم الانتخابات. لحظة تسلمه في 20 كانون الثاني/يناير، هي لحظة للقول: "لتحيا الديمقراطية".