شهدت الأيام الماضية تسابقا محموما من العديد من الأنظمة الرسمية العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد برز
التطبيع الاقتصادي من خلال
صفقة القرن منذ الإعلان عنها وانتقل بدوره إلى التطبيع الاجتماعي.
فقد عملت إدارة الرئيس الأمريكي الخاسر "دونالد ترامب" على تكليف صهره ومستشاره الصهيوني "جاريد كوشنر" بالتخطيط والإشراف والتنفيذ لصفقة القرن، وقد اختارت الولايات المتحدة الأمريكية البحرين للإعلان فيها عن الشق الاقتصادي لهذه الصفقة من خلال انعقاد ورشة اقتصادية بالمنامة في 25 و26 حزيران/ يونيو 2019م، تحت عنوان: "السلام من أجل الازدهار"، حضرها عدد من صهاينة العجم والعرب باسم
تشجيع الاستثمار في الأراضي
الفلسطينية، ومنح قادة الحكومات والأعمال والمجتمع المدني فرصة لحشد الدعم لمبادرات اقتصادية، في إطار اتفاق سلام موهوم مقابل مال خبيث مدفوع.
وقد بدت معالم التطبيع بعد ذلك من خلال الاتفاقيات التي وقعت مع الكيان الصهيوني من
الإمارات والبحرين
والسودان والمغرب، وكان القاسم المشترك بينها أن المباركة الأولى لهذا السفاح جاءت من رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي.
وقد نشرت الصحف العبرية نص الاتفاق مع الإمارات؛ ممثلا في إقامة السلام وعلاقات دبلوماسية والتطبيع الكامل بين البلدين، وأن يعترف كل جانب بسيادة الطرف الآخر ويحترمها، وأن تتم تسوية النزاعات بين البلدين بطرق سلمية، وإنشاء سفارات وتبادل السفراء بأسرع وقت ممكن، والالتزام باتخاذ خطوات لمنع أي عمل عدائي من أراضيهما ضد الدولة الأخرى، وتوقيع اتفاقيات تعاون في مجالات عديدة منها: التجارة والاستثمار والطيران والسياحة. ولا تختلف بنود الاتفاق مع الإمارات عن غيره من الدول العربية الأخرى المطبّعة.
وقد نظرت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني على أنه مفتاح الرضا الأمريكي؛ الذي هو في حقيقته لا يطعم من جوع ولا يؤمن من خوف، وسارعت الإمارات في تعزيز هذا
التطبيع اقتصاديا ليس فقط في التبادل التجاري، بل كذلك في التبادل الخدمي بالإسراع في الرحلات الجوية والسياحية المتبادلة والسماح بفتح بنوك صهيونية بالإمارات، وفتح المجال لحركة رأس المال على مصراعيها، بل سمحت بدخول الصهاينة دون تأشيرات في الوقت التي حرمت فيه العديد من الدول العربية من ذلك.
ولكن اللافت للنظر أن التطبيع المصري الأردني الذي مرت عليه أعوام عديدة كان رسميا ورفضته الشعوب، أما التطبيع الحالي فقد تحول إلى تسابق محموم بين الدول المطبعة لا سيما من الإمارات والبحرين؛ في زيارة شعوبها لأرض فلسطين المحتلة. وبدا إعلامهم يزين هذا التطبيع البغيض كأنه فتح مبين، وأن التقدم والرقي وحل المشاكل سيكون على يد دولة الكيان الغاصبة.
إن هذا التطبيع المخزي خيانة لله والرسول والمسلمين، فأرض فلسطين المحتلة هي أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل عن شبر منها، ولا التعامل ولو بشطر سلعة من سلعها مع الكيان الصهيوني المغتصب، فلا يجوز شرعا شراء سلع وخدمات الغاصب وكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به.
ورحم الله السلطان عبد الحميد الثاني الذي عرض عليه زعيم الحركة الصهيونية "ثيودور هرتزل" من المال ما يحل مشكلة الدولة العثمانية الاقتصادية من جذورها ويحقق لها الرخاء مقابل التنازل عن فلسطين، فقال له قولته المشهورة: "لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليس ملكا لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة، والله لإن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين".
إن الذين فرّطوا في الدين والأرض ونسوا الدماء التي سكبت من أجل فلسطين، وكيف فتحها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وحررها صلاح الدين الأيوبي، لا مكان لهم في التاريخ المنظور والمسطور سوى في باب الخيانة والتآمر، ويجب على الشعوب العربية والإسلامية مقاومة ذلك بمقاطعة السلع والخدمات الصهيونية، سواء تم إنتاجها في فلسطين أو الدول المطبعة إنتاجا واستيرادا. وفلسطين لن يحررها إلا المخلصين العاملين، مع التأكيد على أن الأمة الإسلامية قد تمرض ولكنها لم ولن تموت، وخاصة الفئة المنصورة في أرض فلسطين التي لا يضرها من خالفها أو خذلها أو تآمر عليها.
twitter.com/drdawaba