رشيد غلام: المغرب لن يربح أي شيء من التطبيع مع إسرائيل

في مقابلة خاصة مع "عربي21"، قال الفنان المغربي الشهير، رشيد غلام، إن "الفنانين العرب باتوا مجرد مرتزقة لدى دولة الإمارات، ولذلك لم ولن نسمع لهم صوتا واحدا رافضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني"، داعيا إلى "ضرورة إحياء حركة فنية عربية مُعبّرة عن قضايا الأمة، وفي القلب منها فلسطين".

وأشار إلى أنهم تلقوا خطوة قيام المغرب بتطبيع علاقاته مع إسرائيل بـ "كثير من الامتعاض والغضب والغيظ والاشمئزاز والأسف الشديد، لأننا كنّا نظن أن المغرب أحد القلاع العصية على التطبيع، وهو كذلك من حيث الشعب المغربي وجمعياته الأهلية".

وأضاف: "كان لدينا علم، كما يعلم الجميع، أن النظام المغربي له علاقات قديمة مع الكيان الصهيوني الغاصب سريا، والآن خرجت تلك العلاقات للعيان وبشكل رسمي، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلا، وسنعمل على التصدي له ومواجهته بكل الوسائل المشروعة".

ووصف ردود الفعل الرسمية المغربية بالمخيبة للآمال، لأنه كجميع "الأنظمة الشمولية في العالم العربي، لا تخرج الهيئات ووسائل الإعلام الرسمية عن إطار الإشادة بما يفعله النظام، والتماس الحكمة والعمق والنباهة فيما قام به. لكن ردود الفعل الشعبية كانت مصدومة وغاضبة جدا، وكانت هناك وقفات احتجاجية بالمغرب وبعضها مُنع بالقوة البوليسية".

واستنكر الفنان المغربي الشهير تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الذي قال إن قرار إعادة الاتصال مع الاحتلال الإسرائيلي، لا يعدّ تطبيعا للعلاقات بين الطرفين.

وقال "غلام": "هذا ليس تطبيعا فقط. كلمة تطبيع تعني إرجاع العلاقات إلى ما كانت عليه، بينما نحن لم تكن لدينا أي علاقات مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب".

وأضاف: "اليهود يهود في أوطانهم التي يسكنونها، وهم أخوة لنا في الإنسانية، أما ساكنو فلسطين فهم مغتصبون، وعلاقتنا معهم هي خصام جذري، وعداوة مطلقة، وصدام وجودي، إما يكونوا هم في فلسطين أو نكون نحن في أرض فلسطين، وبالتالي فأي تعامل معهم سواء كان تطبيعا أو تفاهما أو مسالمة هو خيانة وغدر بالفلسطينيين وغدر بمقدساتنا الدينية وبمسجدنا الأقصى، وبالتالي وزير الخارجية يقول ما يشاء، لأنها مجرد كلمات للتزيين".

"توتر ومخاطر"

واتفق مع ما ذهب إليه البعض بأن خطوة التطبيع قد تؤدي في المغرب إلى مزيد من التوتر والانزلاق نحو المخاطر والأزمات المختلفة، قائلا: "كل شيء وارد؛ فالمغرب به أزمات كبيرة من حيث الاحتقان الشعبي، اقتصاديا وسياسيا وحقوقيا واجتماعيا، بالإضافة إلى جائحة كورونا وتداعياتها، وبالتالي هذا التطبيع قد يكون أيضا ككرة الثلج التي تكبر مع هذا الاحتقان الشعبي ويمكن حدوث أشياء لا تُحمد عقباها".

وأردف: "الرهان الذي يلعب عليه النظام المغربي في تدجين الشعب بالنفخ في الوطنيات والتحجج بمسألة قضية الصحراء المغربية، وربط هذا بذاك، سيفشل ويخيب، وبسرعة ستنطفئ هذه الكذبة وستنقشع هذه الغمامة الترامبية، فكيف يلبّسون ويربطون مصير الصحراء بتغريدة ترامب على تويتر. والمسألة لن تُحل بهذه الطريقة الهزلية، ولجأوا لذلك فقط ليخدعوا المغاربة، رغم أنهم يدركون جيدا أن الأزمة لن تنتهي لا بحل السفارات أو القنصليات في مدينة العيون. والصحراء مغربية، وأحقية الشعب المغربي بالصحراء تُنتزع بالقوة والدبلوماسية، وبأمور أخرى بخلاف بالتطبيع والمداهنة للصهاينة".

وشدّد "غلام" على أن "المغرب لم يربح أي شيء من التطبيع مع إسرائيل، بل أنه لن يحقق أي شيء جراء تلك الخطوة. كما لم تحقق مصر والأردن والإمارات أي شيء من وراء ذلك، وإن تحقق له شيء ما فهو دليل أكبر على المقايضة بحق قضية مُقدسة لنا جميعا من أجل محاول الحصول على مكتسبات سياسية أو وطنية، وهذا شيء غير مقبول إطلاقا".

"فلسطين من أقدس المقدسات"

وبسؤاله عما إذا كانت قضية الصحراء بالنسبة للشعب المغربي قد تُعد أكثر أهمية من قضية فلسطين، أجاب: "الشعب المغربي شعب يحب فلسطين ويقدرها كثيرا، ويعرف قيمة القضية الفلسطينية، ولديه مشاكل وطنية وسياسية مثل الصحراء المغربية. إلا أن مسألة الوطنيات جعلت الناس تنسى مفهوم المقدس وهل هو ما تقدسه الديانات السماوية أم تفرضه التقسيمات الجغرافية، والوطن مُقدس من ناحية الدفاع عنه، إلا أن ليست الصحراء مُقدسة بقيمة فلسطين".

وتابع: "فلسطين مُقدس ديني ومن أقدس المقدسات، والصحراء مُقدس وطني جغرافي نحميها كما نحمي أراضينا من أي معتدي عليها، لكن المقارنة بين الأمرين غير صحيحة، والتلاعب بهذه الأمور في الإعلام يخرج مثل هذه النزاعات للناس، ويجعل هناك اختلاطا لدى البعض".

وقال: "الدولة الوطنية صنعها المستعمر لكي ينشغل كل بلد بنفسه، وسمى قضية (المُقدس الفلسطيني) بـ (القضية الفلسطينية)، حتى نعتقد أننا نؤازر شعب آخر من أجل اكتساب أرضه، لكننا لا نؤازر فسلطين، لأن واجبنا المقدس تحريرها؛ فهي مسرى الرسول، والفلسطينيون هم في الواجهة وفي مقدمة الدفاع عن الأرض، إلا أننا تضامننا معها ليس كتضامننا مع أي دولة أخرى، بل هو واجب مُقدس لا يسقط إلا بتحرير القدس".

"تأميم الفن العربي لصالح التطبيع"

وعن دور الفن العربي من مواجهة موجة التطبيع الحالية مع إسرائيل، أوضح أن "الفن العربي حاليا تحت سيادة شركات الإنتاج الإماراتية والسعودية، وهم الذين يملكون كل وسائل الإنتاج الفني، وأصبحوا يسيطرون على الإنتاج الفني سيطرة مطلقة، وبالتالي بات كل الفنانين العرب تحت مظلة التطبيع، ولن تجد فنانا واحدا يعترض على هذا التطبيع، ولن تجد صوتا حتى من بين الذين غنوا سابقا للحلم العربي، بل ستجد الكل منبطحين للأسف".

وواصل "غلام" حديثه بالقول: "لن تجد صوتا واحدا يهمس ولا ينبس ببنت شفه. كل الفنانين مغلوبون على أمرهم يخشون على مجدهم الدنيوي وعلى مناصبهم الفنية ونجوميتهم، وقد رأينا كيف تستخدم الإمارات ومصر وغيرهما بعض الفنانين من أجل الترويج للتطبيع مع إسرائيل، وستجد مزيدا من الأعمال الفنية التي تروج للتطبيع خلال الفترة المقبلة".

واستطرد قائلا: "التطبيع له خطة منذ زمن عبر امتلاك ناصية الفن والثقافة، وإعداد المهرجانات في الوطن العربي، وذلك من أجل السيطرة التامة على الأصوات المؤثرة في المنطقة العربية، لكن الشعوب العربية تجاوزت حتى هذه العقلية ولن ينطلي عليها ما يحدث ومهما كان المروجين له".

وأقر بأن "الفن العربي الآن تم تأميمه بالكامل، وقد نجحت إسرائيل وأذرعها في التغلغل داخل الحركة الفنية والثقافية العربية واستطاعت اختراقها"، مضيفا: "الكيان الصهيوني بكل تأكيد أصبح مطمئنا من جهة الفن العربي والفنانين العرب، لأن الدولة الوظيفية، وهنا أقصد الإمارات، عملت بشكل جيد، ورتبت كل الأمور، بحيث يكون الفنانون العرب مجرد مرتزقة تحت إمرتها، وباتت رقابهم مملوكة للمُموّل".

"حركة فنية عربية مُعبّرة عن الأمة"

وبسؤاله عما إذا كان سيقوم بأعمال جديدة في مواجهة موجة التطبيع الراهنة، أجاب: "بالطبع، لكن مع الأسف الأصوات غير المُطبّعة لا تجد أي دعما لتنتج أعمالا فنية لمواجهة تلك الموجة والتعبير بحق عن مختلف قضايا الأمة. لذلك كانت وستبقى المشكلة في دعم الأعمال الفنية المقاومة والممانعة، ورغم ذلك سنحاول فعل كل ما بأيدينا وكل ما نستطيع لكي نُعبّر عن صوتنا بشكل عالي لنؤكد أن القدس لنا، والأقصى لنا، ولن نبيع فلسطين، ولن نكون مُطبّعين أبدا؛ فيستحيل أن نخنع أمام التطبيع".

وشدّد الفنان المغربي الشهير على "ضرورة إحياء حركة فنية عربية مُعبّرة عن قضايا الأمة، وفي القلب منها فلسطين، وهو الأمر الذي يتطلب دعم مثل هذه الحركة الفنية، وبالإيمان أن الثقافة والفن لهما دورا بارزا في تعزيز وإزكاء الشعور الوطني المقاوم، والحس الممانع، لتصبح تلك الحركة صوتا حقيقا للأمة وقضايا المختلفة".

وزاد بقوله: "لا يوجد دعم حتى للفنانين الخانعين أمام الإمارات، وبعض هؤلاء لو وجدوا دعما خارج منظومة الليكود الإماراتي لعبّروا عن ما يخالجهم حقيقة، وعبّروا عن قضايا الأمة، خاصة أن بعضهم كانوا مستقلين، لكن عندما تكون كل وسائل الإنتاج ملكا لليكود العربي فيصبح من الطبيعي كل مَن لا يستطع الإنتاج لنفسه خانعا لهم، خاصة إذا لم يكن صاحب مبدأ".