في الوقت الذي تتزايد فيه المطالب الصحفية والحقوقية للسلطات
المصرية بتخفيف قبضتها على حرية الرأي والعمل الصحفي، تمت الموافقة على مادة جديدة بقانون العقوبات تجيز حبس الصحفيين وتغريمهم، ما أثار موجة انتقادات واسعة.
ووافق مجلس الوزراء، الأربعاء الماضي، على إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات تنصّ على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صورا، لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية في أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت.
واشترطت المادة الحصول على تصريح من القاضي، وموافقة النيابة العامة، والمتهم، والمدعي بالحق المدني، أو ممثلي أي منهما؛ وذلك بهدف منع تصوير المتهمين إعلاميا، لحين صدور حُكم بات في القضايا التي يُحاكمون بها حماية لهم.
الثالثة عالميا في حبس الصحفيين
في الوقت الذي بلغ فيه عدد الصحفيين المحبوسين رقما قياسيا؛ احتلت مصر المركز الثالث ضمن أكثر الدول التي فيها صحفيون محتجزون في 2020، بحسب لجنة حماية الصحفيين الدولية، حيث رصدت اللجنة وجود 27 صحفيا قيد الاحتجاز في مصر، بتهم تشمل الإرهاب ونشر أخبار كاذبة.
وقالت اللجنة؛ إن السلطات المصرية كثفت موجة الاعتقالات والتهم والتجديد اللانهائي لفترة التوقيف الاحترازي السابق للمحاكمة، مشيرة إلى وجود ما لا يقل عن ثمانية صحفيين مصريين من الـ 27، تمدد السلطات فترات احتجازهم باستمرار.
لكن الرقم ارتفع بعد أيام من إصدار التقرير، بعد إلقاء قوة تابعة للأمن الوطني القبض على الصحفي بجريدة الشعب، وأحد مؤسسيها، عامر عبدالمنعم (58 عاما)، من منزله فجرا بمنطقة فيصل في محافظة الجيزة، دون الكشف عن مكان احتجازه وسببه.
انتهاك مبادئ العمل الصحفي
وصف وكيل لجنة الثقافة والإعلام السابق بمجلس الشعب، الدكتور سليمان صالح، مشروع القانون بأنه "غير دستوري، ويضاف إلى جملة القوانين المكبلة لعمل الصحفي في مصر، ويفتح الباب أمام حبس المزيد من العاملين في مجال
الصحافة".
وأكد في تصريح لـ"عربي21"، أن "القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ بمجرد موافقة البرلمان عليه، يقيد حرية الصحافة، وحق الصحفيين في الحصول على المعلومات، وحق المتهم في محاكمة عادلة؛ لأن علانية الجلسات وتغطية الإعلام لها من أهم شروط إدارة العدالة، وفق المواثيق الدولية".
وأشار إلى أن "القانون الجديد ليس القانون الوحيد الذي ينتهك مبادئ العمل الصحفي، ويعرض الصحفيين لخطر عقوبة الحبس؛ فهناك الكثير من القوانين التي تقيد حرية الإعلام في مصر تحت مسميات مختلفة لتبرير إصدارها".
مخالفة القانون
قانونيا، أكد المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، رضا مرعي، أن "الأصل في الجلسات هو العلانية، إلا في حالة وجود قرار استثنائي من القاضي يمنع ذلك، وعلى هذا الأساس كان يحضر الصحفيون الجلسات، وينشرون الأخبار عن وقائعها".
وأوضح في تصريحات صحفية، أن "القانون، حال إقراره، سيُخالف المبدأ القانوني "الخاص يُقيد العام"، فقانون السلطة القضائية، وهو قانون خاص، ينصّ في المادة 18 منه على أن "تكون جلسات المحاكم علنية، إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية؛ مراعاة للآداب أو محافظة على النظام العام، ويكون النطق بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية".
الصحافة ليست جريمة
واعتبر نقيب الصحفيين المصريين الأسبق، بمحافظة الأسكندرية، عامر عيد، أن "مشروع القانون المجحف جزء من الهجمة والحصار المستمرين على الصحافة، كما أنه نوع من التضييق على الصحفيين الذين يعملون على تغطية القضايا في المحاكم".
وأضاف لـ"عربي21": "السلطات المصرية لا تريد سماع الأصوات الواضحة، على قلتها، على الرغم من أن حرية التعبير والرأي كفلتها القوانين الدولية، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الخاص بالأمم المتحدة، مرورا بالمواثيق المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها".
وأعرب عن رفضه للمادة، قائلا: "نحن كصحفيين مصريين، ضد إضافة قانون يجيز حبس الصحفيين الذين يعملون وفق قوانين نقابة الصحفيين والدستور، وضد تكبيلهم بعقوبات سالبة للحريات"، مطالبا "الحكومة المصرية بإعادة النظر في القانون، ورفضه من قبل البرلمان المقبل".