9 "سفراء للحرية" خلال 2020.. الأسرى يواصلون تحدي السجن

اختلق الفلسطينيون نضالا من نوع آخر، بتحدي السجان والاحتلال الإسرائيلي، عبر الإنجاب بتهريب النطف للأسرى، وبات الفلسطينيون يطلقون لقب "سفراء الحرية" على المواليد بهذه الطريقة.

وتعيش السيدة روان حامد مع طفليها مجد وتولين حياة أشبه بالفراغ بعد اعتقال زوجها أمجد حامد من بلدة سلواد شرقي رام الله؛ فهي كانت تظن أن عودته من الولايات المتحدة الأمريكية تعني الاستقرار والحياة الهادئة، ولكن الاحتلال كانت في حساباته أمور أخرى.

في عام ٢٠١٥ اعتقل أمجد تاركا خلفه زوجته روان وطفليه اللذين لم يعلما حينها أن غيابه سيكون طويلا، ففي عام ٢٠١٧ حكمت عليه محكمة الاحتلال العسكرية بالسجن المؤبد مدى الحياة.

وبقي الانتظار القاتل هو السائد في حياة كل فرد في العائلة؛ حتى أقنع أمجد زوجته بضرورة إنجاب طفل عن طريق نطفة مهربة منه، وفي بداية الأمر لم تستوعب روان هذا الأمر حتى بدأ طفلاها يلحّان عليها بشدة.

وتقول لـ عربي٢١ إن الفكرة بدأت عام ٢٠١٦ حين اقترح زوجها أن يتم تهريب نطفة من داخل الأسر وحفظها مجمدة إلى أن يتم انخاذ قرار بإجراء الزراعة، وفي عام ٢٠١٧ حين تم الحكم عليه بالسجن المؤبد بدأت الفكرة تتبلور لديها رغم عدم قدرتها على استيعاب الأمر.

ومن خلال زياراتها المتكررة لمنازل أقربائها ومشاهدة الأطفال الصغار حديثي الولادة تشجعت روان وبدأت بتقبل فكرة الزراعة والإنجاب.

وتوضح أنها في عام ٢٠١٩ أجرت أول عملية زراعة ولكنها باءت بالفشل؛ ما جعلها تشعر بالحزن، ولكن زوجها الأسير ساندها بالتشجيع وطرد القلق والتفكير بالأمر مجددا، ما دعاها إلى إعادة التجربة لتنجح هذه المرة.

اقرأ أيضا: "النطف المهربة".. صرخة الحياة رغم قيد السجان الإسرائيلي

وفي تشرين الأول/ أكتوبر من عام ٢٠٢٠ أنجبت روان طفلها الجديد "أكرم" الذي اعتُبرت ولادته تحديا للسجان، حيث أبصر النور ووالده خلف القضبان ولم يره حتى الآن إلا عن طريق الصور.

وتضيف روان: "التجربة التي مررت بها كانت صعبة ومعقدة؛ ولكن أمجد هوّن علي الكثير منها، وكان يشجعني وينتظر بشوق ولادة طفله الجديد، حتى مجد وتولين كانا متحمسين للغاية وفرحا جدا بأخيهما الصغير".

الفرحة التي لمستها روان لدى زوجها أمجد كانت لا مثيل لها سابقا وكأنه للمرة الأولى يُرزق بطفل، ما جعلها تستقبل طفلها بسعادة كبيرة رغم أنها تعلم أنها ستربيه وحدها دون وجود والده.

وتصف الزوجة شعور الإنجاب بهذه الطريقة بأنه بدد قسوة الانتظار، مبينة أنها كانت تأمل أن يتم الإفراج عن زوجها بعد عدة سنوات؛ ولكنها الآن باتت تشعر بأن الفرج سيكون في أي دقيقة.

وتتابع: "أصبح طفلي أكرم هو كل الأمل وكل الحكاية وكل شيء جميل أراه في وجهه، فبعد إنجابه هان علي أمر السجن كثيرا وبتّ لا أشعر بضيق الانتظار وكأن فكرة السجن كلها قُهرت".

تحدي السجان

الفكرة الأساسية للإنجاب عن طريق النطف المهربة كانت وليدة لدى الأسير عباس السيد المحكوم بالسجن المؤبد ٣٥ مرة، حيث طرحها على الأسرى قبل أكثر من عشر سنوات كي يكسر محاولات الاحتلال بث الإحباط واليأس لدى المعتقلين وعائلاتهم.

واعتبر الأسرى أن الإنجاب بهذه الطريقة يمثل تحديا للسجان وكسرا لقيوده التي تريد وقف وإنهاء حياة الأسير وعائلته، في حين تعتبر إدارة السجون الإسرائيلية الأمر ممنوعا ومرفوضا قانونيا وتحاول منعه بكل طريقة.

ومن ضمن هذه العراقيل منع استصدار بيانات شخصية للمواليد أو حرمانهم من زيارة آبائهم في السجون بحجة "عدم وجود صلة قرابة"، وتتم معاقبة من يقوم بتهريب النطف من الأسرى والأسير نفسه بعدة عقوبات بينها الحرمان من الزيارة.

اقرأ أيضا: أسير يحتضن ابنه لأول مرة.. أنجب بنطفة مهربة (شاهد)
 

ومرت هذه التجربة كذلك بحالة من عدم التقبل الاجتماعي في بدايتها؛ ولكن حصول الأسرى على فتوى شرعية تبيح لهم استخدام هذه الطريقة في الإنجاب؛ ساعد كثيرا في تقبل الفكرة بل وتشجيعها من قبل المجتمع الفلسطيني، خاصة أن مئات الأسرى محكومون بأحكام عالية وتحترق أعمارهم داخل السجن.

وكان الطفل "مهند" نجل الأسير عمار الزبن من مدينة نابلس المحكوم بالسجن المؤبد ٢٥ مرة؛ هو أول طفل يرى النور عبر هذه الطريقة عام ٢٠١٢، وبعدها توالت التجارب حتى قارب عدد الأطفال على المئة بينهم تسعة ولدوا عام ٢٠٢٠.

ويحب الفلسطينيون أن يطلقوا لقب "سفراء الحرية" على المواليد بهذه الطريقة في إشارة إلى فكرة تحدي السجن وقيوده.

ويقول الناشط في مجال حقوق الأسرى ثامر سباعنة إن مشاعر الأسير تتغير كليا حين يتلقى خبر إنجاب طفله عن طريق النطف المهربة.

ويوضح لـ "عربي21"، أنه ومن خلال معايشته للأسرى في السجون رأى أن الأسير حين ينجب طفله يشعر بالتفاؤل والانتصار ويتلقى التهاني من الأسرى ويقيمون له احتفالا ويوزع الحلوى داخل سجنه فرحا بالمولود.

ويؤكد أن قضية الإنجاب بهذه الطريقة لا تعني فقط إنجاب طفل وإنما يشعر الأسير أيضا بأن جزءا منه قد تحرر وحلق خارج أسوار السجن.

ويلفت إلى أن هذا الموضوع كان واجه في بداياته صعوبات اجتماعية تكمن في عدم تقبل المجتمع والأهل لهذه القضية؛ ولكن مع تكرار الحالات لاقى الأمر ترحيبا واسعا.

ويعتبر سباعنة أن فكرة الأسر لا تستهدف جسد الأسير فقط وإنما فكره وأحلامه وروحه بحيث يسعى الاحتلال لوقف حياته كليا بعد اعتقاله؛ وهو ما يسعى الأسير لتحديه عبر أمور عدة كالكتابة والرسم وتهريب النطف.

ويشير إلى أن الاحتلال لم يترك قضية تهريب النطف تمر؛ حيث كان يحاول دائما تنغيصها عبر تفتيش الأسرى المحررين وهم على أبواب السجن؛ وكذلك كان يمنع زيارات المواليد الجدد بحجة عدم وجود صلة قرابة، إضافة إلى منع العديد من الأمور التي كان يسمح بها مثل إخراج الحلويات والهدايا من الأسير لعائلته أثناء الزيارات في محاولة لمنع تهريب النطف، ولكن الأسرى يبدعون في كل مرة ويغيرون أساليبهم للنجاح في تهريبها.

ويضيف: "الفرحة التي يشعر بها أهل الأسير بعد إنجاب الطفل فرحة عظيمة لأن ابنهم الغائب منذ سنوات رزق بطفل جديد وكأنه تحرر من السجن؛ وكذلك هو تذكير بوجود أسير يعاني في السجون ووجب التذكير به والاهتمام به".

ويؤكد سباعنة أن قضية تهريب النطف تثير جانبا قانونيا كذلك عبر تذكير العالم بالحقوق التي يجب أن تعطى للأسرى في القانون الدولي، فهو إنسان من حقه الإنجاب والذي هو جزء بسيط من حقه.