شاهد العالم مباشرة على كل الفضائيات عمليات اقتحام آلاف من أنصار الرئيس ترامب لحرم الكونغرس، وهو مبنى الكابيتول الرمز والمنارة للديمقراطية الأمريكية منذ 270 عاما.. وتابع الناس في القارات الخمس ما لم يتوقعوه وما لم يحدث في الولايات المتحدة في التاريخ الحديث.
أربعة مواطنين في الجرد الأولي للضحايا قتلوا في هذه العمليات وقد أطلقت الصحفية الأمريكية (جين كوفليه) من وكالة (بلومبيرغ) نعت (أربعاء الغوغاء) تمثلا واستحضارا لأشهر قصائد الشاعر (ت. س. إليوت) بعنوان (أربعاء الرماد).
وفعلا هناك تماثل بين الأربعاء الشعرية والأربعاء الترامبية لكونهما يعلنان نهاية الديمقراطية الدستورية المؤسساتية وتدشين عهد الغوغاء، إلى درجة أنه في نفس اليوم الرهيب طالبت نائبة رئيسة الكونغرس السيدة (كاترين كلارك) ومعها نواب آخرون من بينهم المسلمة (إلهان عمر) بالتصويت الفوري على عزل ترامب الآن ودون انتظار يوم العشرين من كانون الثاني (يناير) الحالي لأنه بحسب هؤلاء لا يهدد العمل التشريعي العادي فحسب أو الديمقراطية الدستورية فحسب بل يهدد الأمن العام والسلام الاجتماعي في الولايات المتحدة بأسرها!
يمكن تصديق هذه الأصوات إذا ما قرأنا الخطب التي ألقاها ترامب على أنصاره والتي شحنها باستعادة النشيد القومي المتطرف القادم من الحرب الأهلية الأمريكية أواسط القرن الثامن عشر بل ورفع رايتها والتي كانت تقاوم (أبراهام لنكولن) قبل أن تغتاله لأنه سعى إلى تحرير العبيد.. وهذه النبرة اليمينية العنصرية في خطاب ترامب هي التي حسب علماء الاجتماع و السياسة نفضت رماد الزمن عن الغرائز العنصرية لدى شريحة أقلية نشيطة من الأمريكان وزكاها ترامب نفسه وأجج لهيبها حين لم يكن حازما إزاء الجرائم العنصرية التي هزت المجتمع والتي قتل فيها بدم بارد بعض العنصريين من الشرطة الفيدرالية مواطنيهم السود! إلى درجة أن إدارة تويتر منعت عشية الأربعاء بث تغريدات ترامب وغلق حسابه مدة 12 ساعة لأنها تدعو للعنف وتشرع للقتل وتدعو إلى تقسيم المجتمع إلى (واسب) والآخرين!
وم سيبقى في ذاكرة الأجيال القادمة وأعتقد أن الدستور يضم بنودا تدين هذه الممارسات وتسمح للمشرعين بإحالة المتسببين في الفوضى على أنظار القضاء وهذه المرة بعد سقوط قتلى!
وعبارة (الواسب) هي المتداولة وتشير إلى تفوق العنصر الأبيض والمتدين بالبروتستانتية على غيرهم من مواطني الدرجة الثانية أي من عداهم من أصول أفريقية ومكسيكية (لاتينوس) ومن طوائف يسميها العنصريون بالهنود الحمر بينما هم لا هنود ولا حمر بل سكان القارة الأمريكية قبل كريستوفر كولمب واجتياح الأوروبيين للقارة التي سموها جديدة وهي أعرق من أوروبا نفسها وممارسة الإبادة الجماعية الموثقة والمعروفة للسكان الأصليين لانتزاعهم من أراضيهم واستعمارها بالغزاة!
الذي جرى يوم الأربعاء في الكابيتول هو عملية وصفتها السيدة (نانسي بيلوسي) رئيسة المجلس التشريعي أمس بالهمجية، وحين تدخل الرئيس المنتخب جو بايدن على الشاشات أمس قال ناصحا ترامب: "أنت أقسمت يوم تنصيبك على صيانة الدستور ودستورنا لا ينص عل تعريض مؤسسات الدولة للفوضى، وأذكرك بأن بضعة آلاف من أنصارك الخارجين عن القانون لن يغيروا ذرة من إرادة مئات الملايين من الناخبين الذين يضمنون بأصواتهم حسن سير مؤسساتنا الدستورية التي لم تتزعزع بهذا الشكل منذ 270 عاما!".
وبتأخير كبير تكلم ترامب على عجل ليأمر "قواته" بالتراجع والعودة إلى بيوتهم واحترام الكونغرس، وبالفعل انسحبت هذه الغوغاء وأكمل المشرعون عملهم في النظر والبت في بعض الاعتراضات على النتائج بهذه الولاية أو تلك، ولكن بعد سقوط أربعة ضحايا المعلن عنهم إلى حد هذه الساعة وإصابة 16 عون أمن بجراح متفاوتة الخطورة في عمليات التصادم بين الفوضويين ورجال الأمن داخل قاعات الكابيتول!
إنه يوم سيبقى في ذاكرة الأجيال القادمة وأعتقد أن الدستور يضم بنودا تدين هذه الممارسات وتسمح للمشرعين بإحالة المتسببين في الفوضى على أنظار القضاء وهذه المرة بعد سقوط قتلى!
لعل أغلب المحللين والمراقبين على حق حين أجمعوا تقريبا في الحوارات التلفزيونية عشية الأربعاء على أن شخصية دونالد ترامب هي التي كانت المحرك الأساسي للغوغاء لأنها شخصية حسب رأي المحلل النفسي (بيل أندرسون) من جامعة ماريلاند متقلبة وغير واثقة من نفسها وتختلق حولها مؤامرات وهمية بداية من أقرب المقربين منه في الحاشية الحاكمة من 2016 إلى 2020!
الأردن.. المهمة المستحيلة لإعادة التموضع
هجوم أوريون.. رسائل بوتين لبايدن