قضايا وآراء

هاني مهنا.. موسيقار يسعى إلى الفضائح

1300x600

في سنة 2014 دخل الموسيقار الشهير السجن ليقضي خمسة أعوام، لكنه قضى منها ستة أشهر فقط، بسبب ثغرات القانون المصري، التي سمحت، ولا تزال تسمح، لسارقي المال العام بإرجاع ما سرقوه مقابل إنهاء قضاياهم وإخلاء سبيلهم، وهو ما اعتمد عليه كثير من أركان نظام مبارك للفرار من عواقب فسادهم.

قصة الموسيقار الشهير بدأت في توقيت غريب لأن الحكم عليه صدر بعد فوزه يوم 10 مايو 2013 برئاسة اتحاد النقابات الفنية في مصر (وهو اتحاد يضم نقابة السينمائيين والمهن التمثيلية والمهن الموسيقية)، فقد حُكم عليه، في 22 أكتوبر 2014 بالسجن المشدد خمس سنوات مع إلزامه بدفع مبلغ 3 ملايين و183 ألف جنيه، كما حكمت المحكمة على قيادي في بنك الإسكندرية بالسجن 10 سنوات وعزله من وظيفته لمدة 3 سنوات تبدأ من نهاية تنفيذ العقوبة لتسهيل استيلاء مهنا على المال العام. كما قررت المحكمة إلزامهما متضامنين برد مبلغ مساوٍ.

تعود وقائع القضية إلى تقدم مهنا بأوراق تفيد امتلاكه لاستوديو بالمهندسين يصلح لأن يؤجره للبنك، فاعتمد رئيس قطاع الشراء والتعاقدات بالبنك أوراق مهنا، ودفع له البنك قيمة الإيجار لمدة تسع سنوات كمقدم تعاقد، ليكتشف المسؤولون أن الاستوديو به شقوق ومشكلات هندسية كبيرة تجعل استخدامه مستحيلا. طالبوا الموسيقار الكبير بإرجاع أموال البنك فرفض، فقاضوه وحكم عليه بالحكم السابق. وبعد قضاء ستة شهور في السجن، تصالح مهنا مع البنك بإرجاع المبلغ الذي استولى عليه، وفق حكم المحكمة، مما أدى لإغلاق القضية وإخلاء سبيله. 

تبقى بعض الأسئلة:
ألم يكن الموسيقار الكبير يعلم طبيعة الاستوديو الذي قدم أوراقه إلى رئيس قطاع الشراء والتعاقدات الذي تواطأ بالموافقة على استوديو يستحيل الموافقة عليه؟ وأين في هذا العالم، يُدفع مقدم إيجار عبارة عن قيمة الإيجار لمدة تسع سنوات قادمة؟ وإذا افترضنا أن الفنان لم يكن منتبها للشروخ المنتشرة في جدران الاستوديو، لماذا رفض إرجاع أموال الشعب إلى البنك، وهو يعلم تماما أنها ليس من حقه؟ ولماذا وافق رئيس قطاع الشراء والتعاقدات على إتمام تعاقد كهذا إلا إذا كان قد استفاد شيئا لا نعلمه؟ هل يُتصوّر أن ذلك الموظف القيادي، بخبرته الطويلة، لم يكن يعلم أن من واجبه معاينة الاستوديو المشروخ؟

تفوح رائحة الفساد حتى تزكم أنوفنا! ومع ذلك لم ينتبه كثيرون إلى فضيحة الموسيقار الشهير لانشغال الناس وقت القضية بالصراع السياسي بين دولة يونيو العسكرية وخصومها من الإخوان وشباب ثورة يناير، فإذا بهاني مهنا نفسه يصر على لفت الانتباه إلى فضيحته بلقاء لم نفهم سببه مع يوسف الحسيني.

من المؤسف أن يبدأ فنان مثل مهنا حياته بدعم من بليغ حمدي الذي قاده للعمل مع المطرب الكبير محمد رشدي، ثم انطلق في فرقة فريد الأطرش، ثم انفتح له باب النجاح على يدي عبد الحليم حافظ، وبلغ ذروة تألقه بالعمل عازفا للأورج في فرقة أم كلثوم.. ثم نكتشف أن هذا الفنان يحكي، دون خجل، حكاية صداقته مع علاء وجمال مبارك وحبيب العادلي، وغيرهما من مجرمي نظام مبارك.
https://arabi21.com/story/1327653

يحكي مهنا للحسيني:


"دخلت لقيت حبيب العادلي ربنا يديله الصحة، جمال وعلاء، ومجموعة ظباط، إحنا كنا كلنا على بعضنا 16 واحد قاعدين في مبنين ياخد 3 آلاف واحد، دخلت لقيت هشام طلعت مصطفى عامل جامع حاجة صرح بالموكيت، أحمد عز عامل چيم وعامل سبا غير طبيعي، أحدث أجهزة ترابيزات البينج، ترابيزة بلياردو"، وأضاف: "روحت لبست اللبس الأزرق هانفذ بقي 5 سنين المفروض، لقيت علاء جابلي تليفزيون وشاشة، وجمال جابلي تلاجة حاجات زيادة عندهم..".

وعلى نحو أثار سخرية الآلاف على وسائل التواصل الاجتماعي، حكى مهنا عن مواجهة قوية مع علاء وجمال حين صارحهما بأن له نقدا وتحفظا على مبارك، مما فاجأ زملاءهم في الزنزانة، فماذا كان تحفظه؟ أن مبارك لم يؤسس عيدا للفن! أي فنان هذا الذي لا يجد غضاضة من إدانة مبارك رسميا بالفساد المالي وتأييد محكمة النقض لحكم سجنه ثلاث سنين في قضية القصور الرئاسية، بغض النظر عن جرائم قتل المتظاهرين ونهب مقدرات الشعب المصري خلال عشرات السنين... ثم يجد الفنان تحفظه على عدم تحديد يوم معين عيدا للفن، على شاكلة عيد العلم لطلاب المدارس!

وإذا كانت بعض المصادر القضائية قد صرحت بأن ثروة آل مبارك بلغت حوالي 3.6 مليار دولار، فإن رصيدهم المجمد في البنوك السويسرية بلغ 529 مليون يورو، (في حدود 10 مليارات جنيه) وهو مبلغ رسمي أعلنته المؤسسات السويسرية والأوروبية رسميا.. خلافا للأموال الأخرى التي استطاعت الأسرة إخفاءها عن العيون.. كل ذلك لم يمنع مهنا من كيل المدائح لعلاء وجمال وحبيب العادلي.

وباستهتار عبثي حقا، يحكي مهنا عن واقعة لعبه كرة القدم مع رفاق سجنه، حيث عرقله ضابط شرطة قتل معتقلا في قسم المعادي، ويصفه بأنه ذو جسد قوي فيعقب الحسيني "ما شاء الله"، لكن علاء مبارك الذي يحكم اللقاء يحتسب ضربة جزاء على الضابط القاتل، ويوبخه لارتكابه المخالفة.. يضحك الحسيني ومهنا ويقهقهان دون أن يلتفتا إلى ما في كلامهما من استخفاف مهين بحياة البشر.

أما عن أحوال المعتقلين المكدسين بالآلاف في زنازين قذرة، تعبث الكورونا والأمراض في أجسادهم، وأما منع الأدوية وموت السجناء بسبب الإهمال الطبي المتعمد، ومنع الزيارات شهورا ثم السماح بها في أضيق الحدود، ومنع الأطعمة والمنظفات والملابس.. فلا حرج فيه من وجهة نظر الفنان، مع أن هؤلاء المعتقلين ليسوا لصوصا، بل مجرد معارضين سياسيين لدولة يونيو ودباباتها!