أثار الإعلان عن مشروع القطار الكهربائي السريع في مصر، الذي تنفذه شركة ألمانية، وتصل تكلفته إلى ٢٣ مليار دولار، جدلا واسعا في مصر، في ظل ما تعانيه البلاد من أزمات اقتصادية وتفاقم أزمة الدين الخارجي بشكل غير مسبوق في عهد رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
السيسي وخلال لقائه الأربعاء، الرئيس والمدير العام التنفيذي لشركة "سيمنز" الألمانية، جو كايسر، ونائبه رولاند، بحضور رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ووزير النقل كامل الوزير؛ أعلن عن إنشاء منظومة للقطار الكهربائي السريع، تنفذه الشركة الألمانية بطول 1000 كيلومتر، وبتكلفة نحو 360 مليار جنيه، نحو 23 مليار دولار.
بيان للرئاسة المصرية، أكد على التنفيذ الفوري ولمدة سنتين لأحد خطوط المشروع الذي يربط مدينة العين السخنة بساحل خليج السويس بمدينة العلمين الجديدة بالبحر المتوسط، مرورا بالعاصمة الإدارية الجديدة. ليشمل ١٥ محطة، بطول ٤٦٠ كيلومترا.
وفي الوقت الذي يطال فيه المشروع انتقادات كثيرة حتى من بعض أنصار النظام، ولكونه يمر في الصحراء بعيدا عن الدلتا والوادي مركز تجمع 100 مليون مصري، بجانب تكلفته العالية، انتقد البعض إسناد المشروع لشركة "سيمنز" الألمانية بمبلغ 23 مليار دولار بدلا من 9 مليارات فقط كان سيحصل عليها تحالف مصري صيني لتنفيذ ذات المشروع.
وفي أيلول/ سبتمبر 2020، تم الإعلان عن فوز التحالف المصري الصيني "سامكريت- الهيئة العربية للتصنيع"، بتنفيذ مشروع القطار (العين السخنة- العلمين)، بطول ٥٤٣ كيلومترا، وبتكلفة ٩ مليارات دولار، بعد فوزه فنيا.
وقالت الصحف المصرية إن اللجنة العليا للإشراف على مشروع القطار السريع (العين السخنة، العاصمة الإدارية الجديدة، أكتوبر، برج العرب، الإسكندرية، العلمين)، قد انتهت من العرض الفني باختيار عرض التحالف المصري الذي تقوده ccecc الصينية".
"قرار لشخص.. ولا مساءلة"
وفي تعليقه على إسناد مشروع القطار الكهربائي في مصر لسيمنز الألمانية قال الخبير الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي: "في ظل غياب الرقابة والمحاسبة في مصر وفي ظل النظام القائم تبقى المسائل في مصر وبينها الاقتصادية في ظل الضبابية".
الصاوي، وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنه "لا أحد يعرف طبيعة العقد المبرم، ولم يُعرض المشروع من الأساس على أي جهة رقابية، ولم يتم فيه استطلاع المجتمع الأهلي أو المدني لمعرفة مدى الحاجة للمشروع أو أهميته للمصريين أو من حيث جدواه الاقتصادية والمالية".
ولفت الباحث الاقتصادي، أيضا إلى مسألة تدبير التمويل اللازم للمشروع، متسائلا: "من أين؟ هل من خلال القروض الخارجية؟ هل هناك فوائض لدى الحكومة؟ أم سيكون ذلك على حساب استثمارات معينة في الموازنة العامة للدولة المصرية؟".
وفي توصيفه للصفقة قال: "نحن أمام حالة يمكن وصمها بعدم الشفافية والضبابية الكاملة؛ وبالتالي تبقى الإجابة فقط في مسألة شراء شرعية النظام في الإطار الدولي".
وأضاف الصاوي: "فكما تم شراء الكثير من الصفقات الخاصة بالأسلحة أو التعاقد على صفقات اقتصادية لا تحتاج إليها مصر أيضا تتم صفقة القطار الكهربائي، ويتم تفضيل شركة ألمانية على شركة صينية".
وختم حديثه بالقول: "الأمر عبارة عن قرار لشخص واحد بعيد عن مشاركة أي جهة أو مؤسسة متخصصة؛ وبالتالي نحن أمام حكم فرد حكم عسكري لا يتسم بالشورى ولا الديمقراطية ولا الشفافية ولا المحاسبة".
"نقاط تنموية كاذبة"
الخبير الاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، قال: "لا شك في أن مشاريع القطارات الكهربائية السريعة وخاصة تلك التي تقوم عليها شركة سيمنز الرائدة في هذا المجال هي دائما من المشاريع التي تعطي قفزة لأي بنية تحتية في أي دولة وتحدث تأثيرا مباشرا على التنمية".
رئيس جامعة كامبريدج المؤسسية، أضاف بحديثه لـ"عربي21": "ولكن الأمر في مصر دائما مختلف، فالنظام الحاكم وحكوماته يرى تلك التعاقدات دائما من وجهة نظر مختلفة لها علاقة مستديمة بتحسين صورة النظام الحاكم أمام المؤسسات المالية الدولية وتسجيل نقاط تنموية كاذبة من أجل استمرار سيل القروض".
وأشار إلى أن "الدين بات طريقة للحياة في المنظومة الاقتصادية المصرية والذي تثبت غالبية الدراسات بأنه إذا توقفت تلك القروض فإن النظام المصري في عرضة لإفلاس محقق وسريع".
المستشار السياسي والاقتصادي الدولي، أكد أنه "بالرجوع لمذكرة التفاهم المبدئية الموقعة مع سيمنز وطبقا للتصريح الرسمي المنشور على موقع الشركة فإن تلك المذكرة وقعتها الهيئة الوطنية للإنفاق والتابعة لوزارة النقل المصرية ومعها شركتا أوراسكوم وعثمان أحمد عثمان المحليتان".
وأوضح أن "المذكرة تهدف لإنشاء شبكة تمتد ألف كيلومتر تمثل المرحلة الأولى منها ٤٦٠ كيلومترا بتكلفة ٣ مليارات دولار؛ وهذا يثير تساؤلات عجيبة حول الأرقام الفلكية التي تتداولها الصحف الحكومية في مصر، والتي تمثل أضعافا مضاعفة لقيمة العقد الحقيقي والمعلن رسميا من قبل الشركة".
وتابع: "أضف إلى ذلك أن الطريق الذي تغطيه تلك الشبكة هو جزء من صناعة مصر الجديدة التي تخدم العاصمة الإدارية وساكنيها وفئة معينة مرتبطة بالساحل ومدينتي السخنة والعلمين؛ وهي في الحقيقة خريطة لا تخدم بأي حال من الأحوال العصب الرئيسي للاقتصاد المصري ولا البنية التحتية للنقل".
وأكد أنها "لا تأخذ في عين الاعتبار الغالبية العظمى من الشعب المصري الكادح الذي يدفع قيمة هذه المشاريع الممولة بقروض لا تنتهي من قوت يومه الذي بات لا يتحصل عليه ولا يجده".
وختم حديثه بالقول إن "هذا المشروع بعيدا عن المغالطات المالية الكبيرة، هو مشروع يخدم مصر السيسي الجديدة، مصر النخبة والأغنياء والتي لا تنتمي للشعب المصري ولا للمصريين".
"هذا كان الأولى"
أحد أشد أنصار النظام العسكري الحاكم وهو السياسي ورئيس حزب "الجيل"، ناجي الشهابي، انتقد المشروع بشدة، وتساءل عبر "فيسبوك": "هل الأولى والأفضل أن ننشئ القطار السريع الذي يمتد طوله ألف كم ويتكلف 360 مليار جنيه؟".
وأضاف: "أم نستغل هذا المبلغ بتمويل تطوير شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، مثل الحديد والصلب بحلوان، والغزل والنسيج بالمحلة، والصباغة والتجهيز بالمحلة، ومصانع شبرا الخيمة، وكفر الدوار، ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي، وبناء مائة مصنع لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالدواء، وألبان الأطفال، وكل ما تحتاجه البلاد، وتشغيل الشباب؟".
من جانبه يعتقد عالم الاجتماع والاقتصادي المصري نادر فرجاني، أن السيسي أسند المشروع لـ"سيمنز": "تملقا لأوروبا عموما، وألمانيا خصوصا، واستغفارا لقتل جوليو ريجيني، وسجله الفاضح في انتهاك حقوق الإنسان"، مؤكدا أنه "ينقذ سيمنز من الإفلاس مرة أخرى بمشروع القطار بين عاصمته اللعينة في الصحراء ومرتع قصوره الصيفية مع أولاده".
ما مستقبل الشركات القطرية في مصر بعد المصالحة الخليجية؟
"عربي21" ترصد قرارات استنزفت جيوب المصريين في 2020
انخفاض إيرادات قناة السويس إلى 5.61 مليار دولار في 2020