تواجه العديد من المناطق التراثية والتاريخية في العاصمة المصرية تهديدات حقيقية؛ بسبب الطرق والكباري التي تشق وتعلو وجه القاهرة بشكل متسارع.
وباتت عديد المناطق التاريخية والتراثية تتعرض لأعمال الهدم والإزالة من أجل إنشاء طرق ومحاور مرورية وكباري علوية بدعوى تطويرها، وسط اعتراضات واسعة من قبل السكان ومتخصصين.
وحذر البعض من أن الاستمرار بهذا النهج قد يدفع إلى رفع اسم مصر من قائمة التراث العالمي، وتصنيفها بأنها دولة ذات تراث مهدد، علما بأن مصر موقعة على اتفاقيات اليونسكو للحفاظ على التراث.
ورد رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي على الانتقادات العديدة التي توجه له على خلفية بنائه الكثير من الكباري والطرق، سواء في الأماكن التاريخية أو الصحراوية.
وقال السيسي، في مداخلة هاتفية، إنه "لا يعمل في هذا المجال فقط، بل في المجالات كافة لكن الناس تلاحظ العمل على الكباري لأنها تستخدمها بشكل يومي".
للمرة الثانية خلال شهور، تقوم محافظة القاهرة بحملة إزالات واسعة للمنازل والمقابر بمنطقة السيدة عائشة التاريخية، شملت عشرات المنازل ضمن مشروع لتوسيع الميدان وإنشاء كوبري يربط بين طريق صلاح سالم ومحور الحضارات في منطقة عين الصيرة.
وأدرجت اليونسكو القاهرة التاريخية ضمن مواقع التراث العالمي، بطلب من الدولة المصرية سنة 1979. وتقع منطقة السيدة عائشة ضمن الحدود المقترحة من اليونسكو لمنطقة القاهرة التاريخية عام 2014، وتخضع لإشراف الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.
ووصف المهندس المعماري، أحمد منصور، الاستشاري السابق بمشروع اليونسكو لإحياء القاهرة التاريخية مشروع التطوير بأنه "يفتقر إلى الشفافية"، مشيرا إلى أن "الأمر متكرر، سواء في حالة محور الفردوس الذي اخترق مقابر الغفير العام الماضي، أو مشاريع المحاور المرورية عمومًا التي تُغيّر النسيج العمراني للمدينة، دون مخططات معلنة".
وأكد، في تصريحات صحفية، أن "محو منطقة أو جزء منها لا علاقة له بالحفاظ على التراث العمراني. أظن أنه لا يوجد أي شخص من المتخصصين في القاهرة التاريخية يعرف ما هو الغرض من هذا المشروع أو تفاصيله".
وغير بعيد، احتج سكان حي مصر الجديدة بالقاهرة على إنشاء "كوبري البازيليك" في قلب المنطقة التراثية والتاريخية للحي بشكل مفاجئ، وأكدوا في بيان أصدرته مبادرة تراث مصر الجديدة، أن الكوبري سيدمر قلب المنطقة التراثي، وسيلحق أضرارا سلبية على جودة الحياة.
ويبلغ طول الكوبري، بحسب البيان، كيلومترين، ويبدأ من ميدان الإسماعيلية مرورا بشارع عثمان بن عفان وميدان البازيليك، وبمحاذاة كنيسة السيدة العذراء، حيث مدفن مؤسس الحي العريق البارون إمبان، ومرورًا بشارع الأهرام، وصولًا لقصر الرئاسي في الاتحادية، ونادي هليوبوليس الرياضي.
وظهر على نحو مفاجئ، مشروع "عين القاهرة" الذي سيقام على أرض حديقة تراثية بحي الزمالك، وسط رفض كبير من سكان الحي، كما نفى الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، علمه بالمشروع الذي يجب أن يعرض عليه أولا، لأخذ الموافقة من عدمه، بحسب محمد أبو سعدة رئيس الجهاز.
لكن الشركة صاحبة المشروع ذكرت أنها تسلمت الأرض التي سيقام عليها المشروع بعد توقيع عقد حق انتفاع لمدة 25 سنة، مع محافظ القاهرة بمقابل مادي سنوي تحصل عليه المحافظة، دون مناقصة ولا مزايدة، وإنما عبر تقدمهم بالمشروع للجهات السيادية في الدولة، بحسب موقع مدى مصر المستقل.
في أيلول/ سبتمبر الماضي، نقلت وكالة رويترز عن مختصين قلقهم ورفضهم من قيام الحكومة المصرية بشق طريقين سريعين عبر هضبة الأهرامات خارج القاهرة لإحياء وتوسعة مشروع ظل معلقا منذ التسعينيات بعد غضب دولي.
ويقول بعض المتخصصين في علم المصريات ودعاة الحفاظ على البيئة إن "الطريقين السريعين سيهددان سلامة هضبة الأهرامات، ويمران فوق مواقع أثرية لم تكتشف بعد، ويتسببان في تلوث يمكن أن يؤدي لتآكل الآثار، ويخلفان قمامة، ويعرضان المنطقة المغلقة المليئة بالكنوز الأثرية للنهب".
تشويه لا تطوير
انتقد محافظ البحيرة الأسبق، المهندس أسامة سليمان، توسع الحكومة المصرية في تشويه معالم القاهرة، قائلا: "ما يحدث من تعد على التراث يؤكد أن هذه ثقافة العسكر، ويكشف أنه ليس لديهم أي رصيد مع التاريخ أو التراث، وسنجد تشويها كاملا للحضارة المصرية في ظل غياب التخطيط والشفافية والمكاشفة، وما يجري هو تشويه لا تطوير".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "التمادي في إنشاء الطرق والجسور في قلب المناطق التراثية يؤكد أن النظام العسكري يتجه دائما إلى الترميم على حساب التجميل، ولا يعبأ برفع اسم مصر من قائمة التراث العالمي إلى قائمة التراث المهدد".
وأشار إلى أن "أي تخطيط يبدأ أولاً بكيفية الحفاظ على التراث والتاريخ للأماكن القديمة، لكن هناك عشوائيات تصنع داخل الأحياء التراثية تحت مرأى ومسمع من الأنظمة العسكرية منذ الخمسينيات وحتى الآن حتى وصولنا لهذه الصورة من التكدس والكثافة".
فشل أم تدمير ممنهج؟
اعتبر أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي، الدكتور حسام الشاذلي، أن "ما يحدث في مصر قد بات في حكم الكوارث القومية بكل المعايير؛ فإن إزالة المباني الأثرية وتشويه التراث الحضاري المصري هو جريمة بكل المقاييس لا يمكن أن يسمح بها أي مصري، وأعتقد أن من أهم أسباب هذه الجرائم هو غياب الكفاءات الحقيقية عن حكومات السيسي الفاشلة والتي باتت تتخبط في كل الاتجاهات وعلى كل المحاور".
وأرجع في حديثه لـ"عربي21" ما يحدث إلى أن "البلاد تدار بعقلية عسكرية بحتة وأن من يقومون باتخاذ القرار في مصر هم وللأسف الشديد يمثلون قاع الهرم العقلي الجمعي والذين وصلوا لمناصبهم عبر نفق انقلاب عسكري دموي كان نتاجه مرحلة من الفساد المؤسسي غير المسبوق".
وإذا أضفنا كل القطع إلى رقعة التخطيط الاستراتيجي في مصر ـ والحديث لا يزال للشاذلي- لوقفنا أمام سؤال لا مفر منه، وهو: هل القضاء على تاريخ مصر ونيلها والتفريط في أرضها وبقاء منظومات التعليم والصحة في أسوأ صورها، وتوريط أجيال في قروض لا قبل لهم بها، هل هذا هو نتاج حكم فاشل أم هو جزء من مخطط كامل لتركيع مصر؟".
جيل "ثورة 25 يناير".. كيف يراها بعد 10 أعوام على اندلاعها؟
ما سر تناقضات مشروع قطار مصر الكهربائي؟
وعد جديد من السيسي للمصريين يضاف إلى وعود لم تتحقق