نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية مقالا للكاتب "روجر بويز"، تناول فيه أدوار روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، في الشرق الأوسط، ولا سيما في التوصل لاتفاق بين النظام السوري والاحتلال الإسرائيلي.
وتساءل "بويز" عن مدى إمكانية إحداث بوتين أثرا في هذا المجال، وسلط الضوء تحديدا على تصرفاته في سوريا، ليخلص إلى أنه تمكن بالفعل من ملء فراغ الهيمنة بعد خفوت التدخل الأمريكي في السنوات الأخيرة.
واعتبر الكاتب أن "السلام" وإن حلّ في سوريا، وبين النظام والاحتلال، فإن كل ذلك سيكون مقدمة لاستغلال البلد المتوسطي كقاعدة للتدخل في أزمات أخرى في المنطقة.
وذكّر بويز بأن الكرملين يتعامل منذ أكثر من نصف قرن مع عائلة الأسد في سوريا، أولا مع الأب حافظ ثم ابنه بشار، واصفا العلاقة بين الجانبين بأنها "مختومة بالدم".
واعتبر الكاتب أنه ما من شك في أنه إذا أُطيح ببشار غدا فسوف يمنحه بوتين الحماية، وربما يمنحه منزلا ريفيا خارج موسكو، "ويخصص له من يتسوق نيابة عنه ويحيطه بفريق من الحراس المسلحين لحمايته من المحكمة الجنائية الدولية وأعداء آخرين".
ومع ذلك، فإن العلاقات بين بوتين والأسد، وكلاهما في السلطة منذ عام 2000، لا تفسر تماما الأحداث الغامضة الأخيرة.
وعلى سبيل المثال، بحسب الكاتب، فإن هنالك توسعا بوتيرة سريعة للقاعدة الجوية العسكرية الروسية في حميميم باللاذقية، وقد خصص النظام السوري في العام الماضي قطعة أرض إضافية حيث أُنشئ مدرج ثان، تشير تقارير إلى أنه يمكن للقاذفات الاستراتيجية استخدامه.
وتضم قاعدة حميميم بالفعل وحدة تجسس متطورة تابعة للاستخبارات الروسية، وحظائر طائرات معززة لحماية عشرات الطائرات من هجمات الطائرات المُسيّرة. وتعد القاعدة المركز العصبي للدفاع الجوي السوري.
لكن السؤال الآن: من يحتاج إلى قاذفات استراتيجية في وقت تمر فيه الحرب الأهلية في سوريا بأهدأ فتراتها منذ عقد من الزمن؟
وهناك لغز آخر، بحسب الكاتب، وهو وساطة بوتين لتبادل الأسرى بين النظام والاحتلال الإسرائيلي.
فقد تمت، بحسبه، "مبادلة راعيين سوريين بامرأة إسرائيلية استجوبتها المخابرات السورية بعد أن ضلّت طريقها إلى قرية درزية في الجولان في وقت سابق من الشهر".
وجاءت وساطة بوتين بمقابل سخي من الاحتلال، الذي اشترت ما قيمته 1.2 مليون دولار من لقاح سبوتنيك الروسي ضد فيروس كورونا لتوزيعه في سوريا.
ويخلص الكاتب إلى أن بوتين يوسع دوره كلاعب قوي في الشرق الأوسط، مستغلا الفجوة التي خلفها انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وأن انفصال الولايات المتحدة، الذي بدأ في عهد باراك أوباما، وإهمالها للزعماء العرب وتركيزها على الصين، ترك مكانا شاغرا.
ويشير الكاتب إلى أن التدخل العسكري الروسي هو الذي أنقذ بشار الأسد في عام 2015، وهو ما ترك أثرا لدى الأنظمة العربية في كل مكان. وكذلك كان الأمر بتخلص روسيا المزعوم من أسلحة الأسد الكيميائية، فقد حفظ بوتين لأوباما ماء وجهه، وحافظ على سلامة وكيله الديكتاتور.
"بريماكوف" المثل الأعلى
وينقل بويز عن أحد مصادره في أوروبا الشرقية أنه لا تمر لحظة تتعلق بأزمات الشرق الأوسط، إلا ويستيقظ فيها بوتين ويفكر: ماذا كان يفغيني ماكسيموفيتش (بريماكوف) فاعلا في هذا الموقف؟
وكان المصدر يتحدث عن يفغيني بريماكوف، المستعرب الماكر الذي خدم في التسعينيات كرئيس للمخابرات الروسية ووزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء.
اقرأ أيضا: كاتب إسرائيلي يرصد أهم تطورات العلاقة مع نظام الأسد
وبعد نهاية الحرب الباردة، أوضح بريماكوف أن السؤال الأساسي لروسيا لم يكن ما إذا كانت ستصبح جزءا من أوروبا أم لا، بل كيف تلتف على الهيمنة الأمريكية وتواجهها.
وكان ذلك يعني إنشاء تحالفات عملية، ومنع تقدم الولايات المتحدة إلى ما يمكن اعتباره مجال نفوذ روسيا الطبيعي، وقبل كل شيء تحديد النقاط التي تغفل عنها واشنطن. وفي عهد بريماكوف، رسخت روسيا نفسها كمصدر كبير للأسلحة وركزت بشدة على تلك البلدان التي أزعجها وجود جيش بري أمريكي ضخم في العراق.
الآن أخذ بوتين مرة أخرى ورقة من كتاب معلمه الراحل. لقد استثمر دعمه العسكري للأسد في وجود دائم في سوريا، ليس فقط القاعدة الجوية والسيطرة على المجال الجوي، ولكن أيضا بالحصول على قاعدة بحرية في ميناء طرطوس.
وعندما يحل السلام في سوريا، ستطلب روسيا أن يكون لها دور أكبر في الأزمات المختلفة في شرق البحر المتوسط. وستتحدى موسكو طموحات تركيا بأن تكون القوة المسيطرة في الشرق الأوسط.
ويرجع الكاتب إلى بداية مساعي بوتين للعب دور صانع السلام في الشرق الأوسط، الذي يعود إلى عام 2007، عندما أرسل بريماكوف إلى دمشق ليرى إمكانية إرساء السلام في المنطقة بقيادة روسيا.
وكان الأسد آنذاك يجري بالفعل محادثات حذرة مع إسرائيل بشأن مرتفعات الجولان بوساطة تركية. لم يتحقق أي تقدم، وكان الجميع، بمن فيهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يتزاحمون على سوريا، معتقدين أن الأسد يمكن أن يتحول إلى حليف للغرب وليس لروسيا. لم ينته هذا إلى أي شيء أيضا، لكن الفكرة لم تترك بوتين تماما؛ وكان يفكر: "ماذا لو أقنعت إيران بمغادرة سوريا وتنازلت إسرائيل بالمقابل عن مرتفعات الجولان؟"، وفق الكاتب.
ويوضح الكاتب أن بريماكوف لو كان لا يزال على قيد الحياة لكان رفض هذا على الأرجح، وقال له: انس الأمر، لماذا قد تتنازل إيران عن موطئ قدمها في سوريا؟ حتى لو عاد الحرس الثوري إلى إيران، فماذا عن حزب الله ووكلاء إيران؟ هل سيستسلمون حقا كجزء من صفقة تشمل تخفيف العقوبات وإحياء اتفاقها النووي؟ ليس في ظل حكم المرشد الأعلى الحالي خامنئي.
وربما قال بريماكوف أيضا: فلاديمير، ألم تشاهد مسلسل وادي الدموع الإسرائيلي؟ كيف يمكن لإسرائيل أن تتخلى عن الجولان؟ أي مؤشر سيبعث هذا به؟
ويصور المسلسل التلفزيوني المشار إليه مقدار الدماء التي أريقت في قتال السوريين عام 1973.
ومع ذلك، فإن هنالك خطبا ما، بحسب الكاتب، إذ يحتمل أن يرى بنيامين نتنياهو، الذي سيواجه انتخابات أخرى الشهر المقبل، جاذبية انضمام سوريا إلى صفوف الدول العربية الأخرى التي تسعى إلى "توثيق العلاقات مع إسرائيل"، وهو ما سيشكل خسارة مدمرة للنظام الإيراني.
ويستطيع نتنياهو، وفق الكاتب، قراءة ما بين السطور، فالأسد "غاضب من الوجود الإيراني المتهور ولم يعد بحاجة إليه، وقد سمحت روسيا للطائرات الإسرائيلية بقصف وكلاء إيران في سوريا: إشارة بالتأكيد إلى أن بوتين يؤيد الانسحاب الإيراني"، وفق زعمه.
أما بوتين، فإنه يشم فرصة سانحة، وهو ما يتضح كثيرا من الاجتماعات المختلفة التي عقدها مسؤولوه في قاعدته الجوية السورية، فالرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن يركز في الشرق الأوسط على إعادة إيران إلى الطاولة وإعادة الاتفاق النووي إلى مساره، وهذا سيؤكد التزامه بالكفاءة السياسية، لكن لا يمكن له أن ينزع بالكامل فتيل برميل البارود في المنطقة. وهذا يمثل فرصة، حتى لو ضئيلة، لـ"فلاديمير صانع السلام".
WP: خطة بايدن الخارجية تقليدية لكنها انقلاب على نهج ترامب
أعضاء بالشيوخ يدعون لمحاسبة السعودية لدورها بفرار مطلوبين
صحيفة: هل تتراجع إدارة بايدن عن الوفاء بوعودها للفلسطينيين؟