كتبت في بداية إطلاق عملية الكرامة أن العملية تكسب زخمها من التحدي الذي واجهته مدينة بنغازي في الأعوام 2012-2014، وعملت الآلة الإعلامية المحلية والخارجية على توجيهه بطريقة تخدم العملية، حتى بات كل بيت تقريبا في بنغازي يتطلع لمنقذ. وتقمص
حفتر دور المنقذ، وتحركت معه جموع كبيرة بغايات متعددة.
وكتبت أيضا أن بذرة تناقض عملية الكرامة وتفككها موجودة منذ ولادتها، فالمكونات التي التحقت بها فيها من الفرقة ما يجعلها يوما ما متصادمة حال تلاشي التحدي الذي جمعها.
اليوم تتجلى بوضوح ملامح التناقض والتشظي الذي سينتهي إلى صدام لا محالة، فما يجري اليوم
في بنغازي هو اتجاه إلى تكتيل وتعبئة لمحورين؛ أحدهما قابل للانشطار ليكون الاستقطاب والصراع بين ثلاثة محاور في وقت لاحق.
تتجلى بوضوح ملامح التناقض والتشظي الذي سينتهي إلى صدام لا محالة، فما يجري اليوم في بنغازي هو اتجاه إلى تكتيل وتعبئة لمحورين؛ أحدهما قابل للانشطار ليكون الاستقطاب والصراع بين ثلاثة محاور في وقت لاحق
أول المحاور اتجه منذ مدة للاستقلال عن عراب عملية الكرامة وقائد عام الجيش في المنطقة الشرقية، وهو محور شباب العواقير، يساندهم بعض المشايخ. وكان تململ هؤلاء قد ظهر في أواخر حرب بنغازي، حيث تجمع بعض قادتهم الميدانيين في أكثر من مناسبة ليعبروا عن سخطهم من إدارة الحرب، وما اعتبروه اتجاها لاصطفاف ليس في صالح قبيلتهم أو يعارض تطلعاتهم ومصالحهم التي جيروها باسم القبيلة.
ولقد حاول بعض مشايخ وشباب القبيلة المضي قدما في فرض أمر واقع في بنغازي يكونون هم من يتحكم فيه، في مقدمتهم أبريك اللواطي وفرج اقعيم، إلا أن حفتر كان لهذا التمرد بالمرصاد، وانتهى الأمر باحتواء الفورة "العقورية" مبكرا.
اليوم يعيد بعض شبابهم وكهولهم الكرة تحت غطاء الفوضى والرعب الذي تغرق فيه بنغازي، وظهر أسامة بوحلاق كرائد لهذا الحراك، وهيأ الظرف السياسي والأمني والاقتصادي لخطبه الحماسية تفاعلا بين أبناء القبيلة، وأخذه الحماس جراء التأييد الذي حظي به إلى مقارعة النافذين الذين يحيكون المؤامرات حسب قوله، ليصبح بطلا "عقوريا" ترفع له القبعات.
يواجه محور شباب العواقير وبعض مشايخهم نفوذ حفتر وأبنائه وعصبته بلا شك، وذلك برغم المواربة وعدم التصريح الصريح بذلك. وبرغم أن الفاعلين من العواقير لا يمثلون القبيلة، فمعظم مشايخ يؤيدون حفتر ولا يقبلون بإثارة سخطه، إلا أنهم يشكلون قلقا حقيقيا لحفتر وأبنائه وعصبته. فحفتر يمر بمرحلة عصيبة على مستوى مشروعه، خاصة بعد انكسار قواته
على أسوار طرابلس، ووقوعه تحت ضغوط خارجية تلجم طموحه.
أخذ الحراك زخما ويتبنى خطابا يقوض نفوذ حفتر، وبالتالي فإن الخيار الوحيد أمام الأخير هو تقويض هذا الحراك بالقوة
ويأخذ الحراك زخما ويتبنى خطابا يقوض نفوذ حفتر، وبالتالي فإن الخيار الوحيد أمام الأخير هو تقويض هذا الحراك بالقوة.
يعتمد حفتر على محمود الورفلي الذي يحظى بنفوذ وتأييد واسع لدى الشباب المقاتلين، والذين يتفرقون بين قبائل عديدة، ولا يقبلون تجيير العواقير عملية الكرامة والحرب على مجلس شوري ثوار بنغازي ومن دخل تحت عباءته من المتشددين؛ لصالحهم.
الشباب الذين ظهروا في مقاطع فيديو يردون على انتقادات بوحلاق للورفلي على إثر تحطيمه موجودات مقر وكيل شركة تويوتا، ثم إعلان الأخير عن توزيع معونة مالية للجرحى وغيرهم، إنما يأتي في سياق التعبئة والتكتيل لمواجه مسعى نشطاء العواقير إلى إعادة فرض أمر واقع يتحكمون فيه. وحفتر أو أبناؤه وعصبته يقودون هذا الحراك من خلف الستار، وبالتالي فالراجح وقوع صِدام، إلا إنه صدام محدود لا يتعدى ربما عمليات تصفية للمبرزين من حراك العواقير، أو مداهمة بيوتهم والقبض عليهم كما وقع مع فرج اقعيم، وقد يحقق هذا السيناريو لحفتر ما يريده من لجم للحراك.
النتيجة الحتمية لكلا السيناريوهين هو وقوع بنغازي في فوضى أكثر مما هي عليه الآن، والتي ستكون على حساب سيطرة حفتر ولصالح حكومة الوحدة الوطنية إن أحسنت التعامل مع الوضع المأزوم هناك
السيناريو الثاني المحتمل هو أن تساعد الظروف السياسية والأمنية التي قادت إلى تصدع القاعدة المؤيدة لحفتر وخلخلة نفوذه؛ في صدام أوسع، سببه اتساع رقعة المؤيدين للحراك "العقوري"، وفشل حفتر في أن يكسب تأييد باقي القبائل لقمعه، وسيقود ذلك إلى تفرد محمود الورفلي بقراره واستقلاله عن حفتر وأبنائه ليشكل مركز نفوذ مستقلا، ومحورا ثالثا من محاور
الصراع.
النتيجة الحتمية لكلا السيناريوهين هو وقوع بنغازي في فوضى أكثر مما هي عليه الآن، والتي ستكون على حساب سيطرة حفتر ولصالح
حكومة الوحدة الوطنية إن أحسنت التعامل مع الوضع المأزوم هناك.