بعد ست سنوات من الحرب الطاحنة في
اليمن، ما كان ليخطر في بال أحد أن المعركة التي تخوضها جيوش قوية في المنطقة وتمتلك أحدث الأسلحة سوف تنتج مساراً سياسياً مخزيا كالذي نراه اليوم، على الرغم من الرفض الاستعراضي من جانب
الحوثيين تجاه
خطة المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ.
لا أريد أن أسوق أفكاراً محبطة في خضم تحولات أعادت الأمل لليمنيين، بعد تجدد المعارك في محافظة تعز وإحراز تقدم كبير على حساب الحوثين في شمال غرب المحافظة، توازى مع انتصارات لاحقة حققها الجيش الوطني في عدد من مناطق محافظة حجة.
ومع ذلك دعوني أقول لكم إن تسمية موفد أمريكي خاص لشؤون اليمن، لا يمثل أملاً لمعظم اليمنيين الذين يرغبون في الحسم العسكري مع مليشيا الحوثي، وليس تسوية سياسية تُبقي مشروعهم الثيوقراطي الطائفي سيفاً مسلطاً على بلدهم ودولتهم ولغماً مرشحاً للانفجار في أية منعطف.
تسمية موفد أمريكي خاص لشؤون اليمن، لا يمثل أملاً لمعظم اليمنيين الذين يرغبون في الحسم العسكري مع مليشيا الحوثي، وليس تسوية سياسية تُبقي مشروعهم الثيوقراطي الطائفي
كما لا يمثل وجود هذا المبعوث دعماً للسعودية ومحاولة لمساعدتها للخروج من اليمن، فقد تدخلت عسكرياً بإراداتها وكانت على وفاق جزئي مع من تحاربهم اليوم، والذين حينما استخدمتهم لإسقاط ثورة 11 شباط/ فبراير 2011، كانت تدرك منذ وقت مبكر أنهم أداة إيرانية وأنهم أُعدوا حركياً وفقاً عقيدة الحرس الثوري، كيف لا وقد اختبرتهم في حروب صعدة التي اتجه جزء منها
لاستهداف السعودية.
لذا لا يمكن النظر إلى زيادة مستوى التدخل السياسي والدبلوماسي الأمريكي في الساحة اليمنية إلا باعتباره وصاية أمريكية على الأزمة اليمنية، وتلبية لحاجة أمريكية في إعادة ضبط التعامل مع
السعودية على خلفية حربها في اليمن.
ومن هنا يتعاظم الاعتقاد بأن نشاط الموفد الأمريكي عبءٌ سياسيٌ واستراتيجيٌ على السعودية، التي تعودت على التصرف في الشؤون اليمنية باعتبارها الطرف الخارجي الأصيل المعني بالجار الجنوبي المضطرب.
أقول ذلك لأن واشنطن كانت قد استبقت تعيين مبعوث خاص لها إلى اليمن، بإلغاء قرار الإدارة السابقة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، وأعادت تثبيت معادلة الصراع في اليمن باعتبارها مواجهة بين السعودية والحوثيين، وأظهرت مبالغة في الالتزام تجاه حماية أمن السعودية، في مقابل تخليها عن الالتزام الذي يحتاجه حليفها السعودي الذي يخوض حرباً مفتوحة في اليمن.
أمريكا تنظر بأقل ما يمكن من الحساسية تجاه استمرار الدور الحوثي المؤثر على الساحة اليمنية وتفوقه العسكري على بقية الأطراف
ويقيني أن أمريكا تنظر بأقل ما يمكن من الحساسية تجاه استمرار الدور الحوثي المؤثر على الساحة اليمنية وتفوقه العسكري على بقية الأطراف، والتعامل بعدم اكتراث حيال محاولة الحوثيين المستميتة
لإسقاط مدينة مأرب، لكنها تسعى إلى تقليم أظافر هذا الدور لتبدو ناعمة بالنسبة للجارة السعودية.
لهذا أدخل المبعوث الأمريكي إلى اليمن تعديلات على الخطة الأممية لوقف إطلاق النار، ومنها تثبيت حق التحالف في تفتيش الطائرات الذاهبة والقادمة من مطار صنعاء بعد إعادة فتحه وفقاً للخطة المقترحة، والتي وصفها ليندركينغ بالمتماسكة، وعدم الاعتراف بوثائق السفر التي يجري إصدراها في صنعاء من جانب الحوثيين.
لقد تعثر الحوثيون عند أبواب مدينة مأرب، لأن هذه المدينة وأهلها يفضلون أن يموتوا جميعاً على أن يدخلها الحوثيون الذين مارسوا أبشع أنواع السلوك الإجرامي في المناطق التي وقعت تحت أيديهم وأورثت الخراب والذل في مناطق سيطرتها، وأظهرت نزعة عنصرية ترافقت مع استئثار جشع بالفرص والأرزاق والقرار.
تفاوض رئيس الفريق المفاوض للمليشيا محمد عبد السلام في مسقط مع المبعوث الامريكي إلى اليمن على أساس أن مصير مدينة مأرب بات محسوماً، وأن تحقيق أهداف جماعته في هذه المدينة مسألة وقت ليس أكثر.
وقد عكس حديث المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ حالة من عدم الاكتراث حيال سيناريو إسقاط مأرب؛ الذي يحاول الحوثيون تنفيذه باستماتة يعيقها الصمود الأسطوري للجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل.. ومن المؤسف أن المطالبات الأمريكية من الحوثيين عدم مهاجمة مأرب لا ترقى إلى مستوى التحذيرات الجدية، على الرغم من
التداعيات الإنسانية الكارثية التي لا تستطيع منظمات الأمم المتحدة التعامل معها.
إن مؤشرات المعارك الدائرة اليوم على الساحة اليمنية، والتقدمات العسكرية الكبيرة والسريعة، تشير إلى أن الجيش الوطني كان محبوساً في القمقم السعودي، وأن ثمة إمكانية حقيقية لهزيمة الحوثيين، والمضي في خط استعادة الدولة.
ومن الخطورة بمكان أن يأتي إطلاق
المعارك في تعز وحجة والحديدة في سياق تكتيكي ولأهداف تفاوضية، لا ضمن مخطط استراتيجي يتناغم مع المصالح العليا لليمن، والأمن القومي للمملكة.
ليس هناك أسوأ من أن تحصد الشرعية تحت مظلة الحليف السعودي نتائج سياسية سيئة؛ من المؤكد أنها ستكون بطعم الهزيمة العبثية بالنسبة للمملكة
وليس هناك أسوأ من أن تحصد الشرعية تحت مظلة الحليف السعودي نتائج سياسية سيئة؛ من المؤكد أنها ستكون بطعم الهزيمة العبثية بالنسبة للمملكة، خصوصاً إذا تمكنت إيران، يساعدها في ذلك الدور الأمريكي، من إبقاء الحوثيين قوة متحكمة بالقرار اليمني.
فليس هناك من ضمانات لبقاء اليمن مستقراً وبقاء السعودية في مأمن من التهديدات التي تحركها النوازع الطائفية والثارات العقائدية، والتصورات السائدة في مخيلة صانع القرار الإيراني الذي يعتقد أن السيطرة على مكة والمدينة هي النهاية المثالية لحياة البشر على هذه الأرض.
twitter.com/yaseentamimi68