في إطار متابعتها للذكرى العاشرة للثورة السورية، نشرت صحيفة
"
واشنطن بوست" الأمريكية مقالا للصحفي إيشان ثارو سلط فيه الضوء على
معاناة اللاجئين السوريين.
وقال ثارو في مقاله الذي ترجمته "عربي21" إنه لسنوات، كانت
محنة اللاجئين السوريين موجودة في المخيلة الغربية في الغالب على أنها تهديد، تم استخدامه
كسلاح من قبل السياسيين اليمينيين المتطرفين على جانبي المحيط الأطلسي.
وفي ما يلي نص المقال:
المتظاهرون السوريون نزلوا إلى الشوارع، قبل عشر سنوات، مطالبين بالإصلاح
السياسي في
سوريا في مظاهرات كانت سلمية بالكامل، بل وحتى بهيجة.
لقد رأوا الاضطرابات في البلدان العربية الأخرى، والتي أجبرت مجموعة
من المستبدين الذين حكموا لفترة طويلة على التخلي عن قبضتهم الحديدية على السلطة. وكانوا
يأملون أن يأتي التغيير وربما حتى الديمقراطية الحقيقية إلى سوريا، وهي دولة متنوعة
ذات تاريخ ثري بقيت تحت سيطرة عائلة الرئيس بشار الأسد لعقود.
بدلا من ذلك، لم يكن هناك سوى الخراب والفوضى. كتبت أروى ديمون، مراسلة
"سي إن إن" في ملخص قاتم: "لقد قتل نظام الأسد أولئك الذين نادوا بانتقال
سلمي إلى الديمقراطية.. وأرسلت دول الخليج حقائب أموال لدعم وحدات مقاتلة أكثر تحفظا
دينيا. وأطلق الأسد سراح أعضاء القاعدة السابقين ومجرمين آخرين من السجن. وقامت أمريكا،
في ذروة مشاركتها، بتدريب بعض المتمردين "المعتدلين"، الذين مضى العديد منهم
للانضمام إلى صفوف الجماعات المتطرفة".
الصراع السوري كحرب أهلية انتهى من ناحية عملية. وتسيطر قوات الأسد
الآن على أكثر من 70٪ من البلاد وجميع مدنها الرئيسية. الفصائل المتمردة التي لا تزال
موجودة ضمن طوق متقلص من المعاقل، معظمها في شمال غرب البلاد، وتبقى هناك إلى حد كبير
بفضل الحماية التركية. في الشمال الشرقي، تجد الميليشيات، التي يسيطر عليها الأكراد
والتي قاتلت في وقت من الأوقات جنبا إلى جنب مع تحالف تقوده أمريكا، نفسها تقاتل أحيانا
كلا من النظام وتركيا ووكلائها.
أدى دخول إيران وروسيا في الاضطراب الجيوسياسي إلى قلب الموازين بشكل
قاطع لصالح النظام. واستهدفت قوات الأسد المراكز السكانية المدنية بالمدفعية والعبوات
البدائية الصنع كالبراميل المتفجرة. ثم نشرت بعد ذلك أسلحة كيماوية، وفقا لهيئة رقابية
تابعة للأمم المتحدة. وركزت القوى الغربية جهودها على محاربة تنظيم الدولة الوحشي.
وعلى الرغم من فقدان التنظيم المتطرف للأراضي التي سيطر عليها، يحذر المحللون من استمرار
احتمالات عودة ظهوره.
لقد حطم العقد الماضي البلد وتشتت شعبه. واضطر أكثر من نصف السكان
إلى الفرار.
كتبت ليز سلاي: "أوقفت الأمم المتحدة إحصاء القتلى في عام
2016 عند 400 ألف. وفر ستة ملايين سوري من وطنهم، هربوا عبر حدودها إلى البلدان المجاورة.. خمسة ملايين لا يزالون عالقين، بالكاد يعيشون في ظروف دون المستوى المعقول. وركب
مليون شخص قوارب واهية لعبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا... وبعيدا عن كاميرات
التلفزيون، تم اعتقال عشرات الآلاف ممن شاركوا في الاحتجاجات بشكل منهجي وتم سجنهم
في معسكرات العمل في سوريا".
لسنوات، كانت محنة اللاجئين السوريين موجودة في المخيلة الغربية في
الغالب على أنها تهديد، تم استخدامه كسلاح من قبل السياسيين اليمينيين المتطرفين على
جانبي المحيط الأطلسي. (بالرغم من أنه منذ النزوح الجماعي الكبير في عام 2015، أثبت
المهاجرون السوريون بشكل عام قصة نجاح اندماج في معظم أنحاء أوروبا)، وحتى مع تضاؤل
المساعدات الإنسانية الأجنبية، لا يزال الملايين يعانون من النسيان في البلدان المجاورة
لسوريا، حيث يعيشون على هامش المجتمعات التي تستضيفهم ولكنهم خائفون للغاية من المصير
الكئيب الذي قد ينتظرهم إذا حاولوا العودة.
الظروف تزداد سوءا. وأشار تقرير حديث صادر عن مفوضية شؤون اللاجئين
التابعة الأمم المتحدة إلى أن "الفقر وانعدام الأمن الغذائي آخذان في الازدياد،
والالتحاق بالمدارس والحصول على الرعاية الصحية يتقلصان، وقد قضت جائحة كوفيد-19 على
الكثير من العمل غير الرسمي الذي يعتمد عليه
اللاجئون".
وقالت رولا أمين، كبيرة مستشاري الاتصالات في المفوضية لشبكة "سي
بي إس نيوز": "الناس على حافة الانهيار، بينما تحول انتباه العالم عن الأزمة
السورية، ويميل الناس إلى الاعتقاد بأنه ربما أصبح الأمر أسهل، مع مرور كل عام، يصبح
الأمر أكثر صعوبة، وليس أسهل على اللاجئين السوريين".
أشارت المجلة الطبية البريطانية "The Lancet" إلى أن أكثر من 23 مليون شخص في سوريا
والدول المجاورة التي تستضيف الجزء الأكبر من لاجئيها بحاجة إلى مساعدة إنسانية، مضيفة
أن "الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر".
ويقدر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن حوالي 12.4 مليون
سوري يعانون الآن من "انعدام الأمن الغذائي"، بزيادة قدرها 4.5 ملايين شخص
عن العام الماضي فقط.
وتأثر مستقبل جيل من الشباب: في عام 2018، واستنتج معهد التنمية لما
وراء البحار، وهو مؤسسة بحثية عالمية، أن 5.8 ملايين طفل سوري يحتاجون إلى "مساعدة
تعليمية".
تقدر اليونيسف أن ما يقرب من 3 ملايين طفل سوري داخل وخارج البلاد ببساطة
لا يذهبون إلى المدرسة.
لا يوجد حل سياسي معقول في الأفق، على الرغم من سنوات من الجهود التي
تبذلها مجموعة من الفاعلين الدوليين. فرضت الحكومات الغربية عقوبات صارمة على النظام
السوري، لكن ذلك لم يفعل شيئا يذكر لزعزعة سلطة الأسد ويمكن القول إنه زاد من آلام
المدنيين السوريين العاديين. ولم يعد من الواضح كيف يمكن لبلد محطم وممزق أن تتحد مرة
أخرى.
قال ناشط سوري لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز": "لم تعد دولة،
بل مجموعة من الناس في نفس البقعة من الأرض".
بعض المعارضين يتمسكون بالأمل. وقالت حسناء عيسى، الناشطة التي اعتقلها
النظام سابقا والمقيمة الآن في شمال غرب بريطانيا، لصحيفة "الغارديان":
"لم يكن ثمن الانضمام إلى
الثورة زهيدا. لقد دفعنا ثمنا باهظا وتكبدنا خسائر فادحة.
لكننا لسنا مجرد ضحايا، نحن ناجون.. نحن نربي الجيل القادم بطريقة مختلفة عن أي شيء
كان يمكن أن نتخيله سابقا".
بينما يعيش آخرون مع يأس أعمق. سأل صحفيون من وكالة الأنباء الفرنسية
علا دراوشي، وهي لاجئة تبلغ من العمر 26 عاما في تركيا، متى تفكر في إمكانية العودة
إلى بلدها التي مزقتها الحرب. فأجابت: "أنا لا أسأل نفسي هذا السؤال.. أنا حتى
لا أفكر في ذلك".