وقعت إسرائيل واليونان وقبرص 8 آذار/مارس 2021، اتفاقا لتطوير كابل الكهرباء الرابط بين أوروبا وآسيا تحت سطح البحر، ليكون أعمق وأطول كابل كهرباء تحت الماء بالعالم، وفقا لتقرير لصحيفة "المونيتور".
وزراء الطاقة بالدول الثلاث أبرموا اتفاقا لربط شبكات الكهرباء الوطنية الخاصة بهم عبر كابل متوسطي بطول 1500 كيلومتر (932 ميلا)، على عمق 2.7 كيلومتر (1.7 ميل) لنقل نحو 2000 ميجاوات.
الخط سمي بالطريق السريع للكهرباء ويتم بتمويل نحو 2.5 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي، والدول الثلاث وينتهي العمل به عام 2024، ويمتد 310 كيلومترات (193 ميلا) بين إسرائيل وقبرص، و900 كيلومتر (559 ميلا) بين قبرص وكريت، و310 كيلومترات بين كريت وإيثاكا باليونان.
الاتفاق؛ يأتي في ظل غياب مصر الحليف الاستراتيجي للدول الثلاث على الرغم من توقيع القاهرة وست دول هي فلسطين والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا، بجانب فرنسا وأمريكا (مراقبين) على اتفاق منتدى غاز شرق المتوسط، بالقاهرة، 16 يناير/ كانون الثاني 2020.
كما يأتي الاتفاق بعد نحو عام من توقيع مشروع "إيست ميد" بين قبرص واليونان وإسرائيل في 3 يناير/ كانون الثاني 2020، لمد أوروبا بالغاز بدون مصر أيضا، في يوم اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو "يوما تاريخيا لإسرائيل التي باتت بلدا متينا جدا على مستوى الطاقة".
"إيست ميد" طوله 1872 كلم ينقل بين 9 و11 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من الاحتياطيات البحرية لحوض شرق المتوسط قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان وإيطاليا ودول أخرى بجنوب شرق أوروبا عبر خط أنابيب الغاز "بوسيديون" و"إي جي بي".
رد الفعل المصري، غاب بشكل لافت، إلا أن تركيا أرسلت مذكرة دبلوماسية إلى اليونان وإسرائيل 16 آذار/ مارس 2021، قائلة إنه يجب على البلدين الحصول على "إذن منها قبل تولي العمل في كابل الطاقة المقترح"، وفق "جيروزاليم بوست".
وكان السيسي، قد أعلن في ٢٣ كانون الثاني/ يناير ٢٠٢١، أن مصر وصلت للعالمية في قطاع الطاقة (الكهرباء والغاز) وأن لدينا فائضا بالكهرباء نستطيع تصديره لدول الجوار، ما يدفع للتساؤل حول أسباب تجاهل حلفاء مصر لها بمشروع الكهرباء الأطول والأعمق تحت البحر لربط آسيا وأوروبا، وللمرة الثانية على التوالي عقب مشروع إيست ميد للغاز.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تم تجاهل مصر في هذا المشروع الكبير؟ وهل تمثل هذه صفعة لمصر من حلفائها بشرق المتوسط؟
لهذا يتجاهلون مصر
الخبير الاقتصادي والاستراتيجي المصري، علاء السيد، في حديث خاص مع "عربي21"، حلل أسباب تجاهل حلفاء مصر، لها بمشروع الكهرباء الأطول والأعمق تحت البحر لربط آسيا وأوروبا، وللمرة الثانية على التوالي عقب مشروع إيست ميد للغاز.
وقال إن "الدول تقيس مصالحا وتبنيها على أساس مصالح شعوبها، وليس على طريقة تفكير النظام المصري القريب لمكايدة النساء"، موضحا أن "إسرائيل وقبرص واليونان يحكمها حكام جاءوا عبر الصندوق، ويخافون الناخبين ويعملون لصالح شعوبهم وليسوا بحالة حكام مصر الذين تحكمهم العمولات والمصالح الشخصية، ولذلك لا مكان لمصر بهذه المفاوضات".
السيد، كشف حقيقة المشروع موضحا أن "هذا النوع من الكهرباء مبني على تحسين المناخ وفق أهداف استراتيجية دولية تتعلق بالطاقة النظيفة والخضراء من الطاقة الشمسية، كما أن لإسرائيل خطة لجعل 30 بالمئة من طاقتها نظيفة حتى 2030".
ولفت إلى أن "مصر أقوى دولة يمكنها توليد الطاقة النظيفة، من الشمس، وأمواج البحار عبر سواحلها الطويلة، وطاقة الرياح؛ لكن ليس لديها خطة لهذا الاتجاه، لذلك مصر خارج المعادلة، بينما تحصل تلك الدول على تمويل الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لتحويل البحر المتوسط لبحيرة لا تمر فيها إلا سفن تعمل بالطاقة النظيفة".
وقال الخبير المصري إن "مشروع الربط الكهربائي بين آسيا وأوروبا هو بالأساس لتوفير الكهرباء للسيارات بالاتحاد الأوروبي، لكن في المقابل مصر تحاول تغيير سياراتها للعمل بالغاز الطبيعي بينما العالم يسعى لتعمل سياراته بالكهرباء في 2030، وهذا ليس هدفا مصريا".
وألمح إلى أن "مصر لديها فائض غاز ناتج عن عقد استيراد الغاز من الكيان المحتل لمدة 15 سنة بأكثر من سعره العالمي، وما كان أمامها إلا استهلاكه محليا وتحميل المصريين فرق الأسعار لصالح خزانة إسرائيل، ولذا يتم توصيل الغاز للمنازل وتحويل السيارات للعمل بالغاز، ولذا مصر ليس لها علاقة بكابل كهرباء آسيا أوروبا".
وفي نفس السياق، أشار السيد، إلى أن "تركيا وجهت تحذيرا لقبرص واليونان وإسرائيل، وأنهم سيضطرون للتعامل معها، وهكذا تتعامل الدول مع الأقوياء، وسيدفعون مقابل تمرير الكابل بالجرف القاري التركي، وكان دخول مصر لهذه المشروعات يفيد تركيا أكثر".
وأكد أن اليونان وقبرص والكيان الصهيوني فهموا أنه "ليس من مصلحتهم البقاء في الحلف المصري المكايد لتركيا والأفضل لهم التحالف اقتصاديا معها، لأن مشروعاتهم مرهونة بموافقتها، ولهذا مصر ليست في جملة مفيدة بهذه المشروعات".
وجزم بأن "مصر وجدت نفسها وحيدة، ورأت أنه يجب عليها الاتجاه للمصالحة مع تركيا وفق مصلحتها بغض النظر عن التوجهات السياسية؛ خاصة وأن العرب تجنبوا مصلحتها أيضا، والإمارات والسعودية يمدون أنبوبا لنقل الغاز منهما لإسرائيل ثم أوروبا، يقلل مرور ناقلات النفط بقناة السويس".
وختم الخبير الاقتصادي حديثه بالقول: "أتصور أن هذا ما يدفع الجميع للتخلي عن مصر التي لا تجد أمامها أقوى من تحالفها مع تركيا ومصالحهما عبر التاريخ مستقرة ولا يمكن أن تتقاطع، بعكس المصالح الخليجية المعاكسة دائما وليست على خط واحد، كما أنه لا يمكن أن تتوازى المصالح مع إسرائيل ولا أعداء تركيا فرنسا واليونان وقبرص".
"لمصر خطط أخرى"
وقال الخبير الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب: "لا يوجد ما يشير إلى تجاهل مصر في هذا الاتفاق"، مضيفا: "فربما مصر هي التي لا تريد المشاركة فيه"، مبينا أن "المؤشرات الواردة حول وفرة الغاز الطبيعي في مصر قد تكون دافعا لاستغناء مصر عن المشاركة في هذا الربط".
عبد المطلب، أشار في حديثه لـ"عربي21"، أيضا إلى جانب آخر وهو الأحاديث عن وجود "خطط مصرية طموحة للتوجه بالربط الكهربائي مع أفريقيا والسعودية، وصولا إلى أوروبا"، موضحا أن "هذه الخطط موجودة منذ عقود، وقد لا تكون مرتبطة بالضرورة بمشروع الربط الجديد هذا".
وحول تجاهل تل أبيب وأثينا ونيقوسيا حلفاء مصر لها، لفت إلى أن "تصنيف إسرائيل كحليف، أمر يحتاج إلى مراجعة؛ فحتى هذه اللحظة هناك تأكيد لدى الأنظمة ولدى الشعوب أن إقامة علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل صعب التحقق، فالعلاقات المصرية الإسرائيلية لن تكون يوما ما علاقة تحالف".
وأضاف الخبير المصري: "إذا كانت إسرائيل قد نجحت في التواجد بشكل موسع في دول الخليج، سواء بين النظم أو الشعوب، فهذا صعب الحدوث في مصر".
وبشأن الفائدة المرجوة من وجود مصر في مثل هذين المشروعين للغاز والكهرباء وخسائر القاهرة من عدم وجودها فيهما، أكد أن "كل مشروعات الربط الكهربائي، أو تجارة الغاز، أو غيرها من مشروعات التعاون الدولي هي مشروعات مفيدة لكافة الأطراف الداخلة فيها"، في إشارة لخسارة مصرية مؤكدة.
ضغط إسرائيلي على مصر
ويعتقد الصحفي المهتم بالشؤون العربية والدولية أحمد حسن بكر، أن "تجاهل إسرائيل وقبرص واليونان لمصر بمشروع الربط الكهربائي، ليس سببا يدفع مصر للتقارب مع تركيا، وذلك لأن المشروع فقط لتبادل فائض قليل من الطاقة بين البلدان الثلاثة، يقدر بألفي ميجاوات فقط، والفائض الإسرائيلي فيه من الطاقة الشمسية المنتجة بصحراء النقب".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "تجاهل الدول الثلاث لمصر بمشروع إيست ميد، كان في إطار ضغط إسرائيل على مصر، حتى لا تكون القاهرة مركز ثقل منتدى غاز شرق المتوسط".
ولفت إلى أن "بعض خبراء البترول بمصر يقللون من تأثير وأهمية مشروع إيست ميد، لأن تكلفة المليون وحدة حرارية المصدرة لأوروبا عبره تعد ضعف تكلفتها تصدير الغاز المسال من مصر عبر محطتي إدكو، ودمياط، كما يعول هذا الرأي على التكلفة الكبيرة لهذا المشروع".
وأوضح بكر، أنه "لذلك لم تبد الحكومة المصرية انزعاجا كبيرا عند توقيع إسرائيل واليونان وقبرص هذا الاتفاق".
وقال إنه "في المقابل يرى خبراء أن إيست ميد عند تنفيذه سيكون ضد خطط مصر لتصدير غاز شرق المتوسط عبر محطتي الإسالة بمصر، حيث تعاقدت القاهرة على استيراد غاز من إسرائيل بقيمة 15 مليار دولار عبر خط أنابيب العريش- خط تصدير الغاز المصري لإسرائيل- لتسييله وإعادة تصديره".
وتحدث المحلل السياسي المصري، عن أنه في ظل تجاهل حلفاء القاهرة لها، فإن "التقارب المصري التركي يأتي في إطار إدارة الدولتين لمصالحهما السياسية والاقتصادية بعد تغيرات كثيرة سياسية واقتصادية جرت على الساحتين الإقليمية والدولية".
OP: اتفاق نفطي بين الإمارات وإسرائيل سيلحق خسائر بمصر
التضخم السنوي في مصر يرتفع 4.9 بالمئة خلال فبراير
ما آثار تراجع مصر في مؤشر الأمن الغذائي العالمي؟