قالت صحيفة "
نيويورك تايمز" إن الرئيس بايدن لم
يضع أي وقت في عكس بعض قرارات السياسة الخارجية الأكثر ضررا في عهد ترامب، وعاد إلى
اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية في أول يوم له في منصبه. لكن هناك سياسة
واحدة لترامب ليس بايدن في عجلة من أمره للتخلي عنها: الرسوم الجمركية على البضائع
الصينية.
وأضافت الصحيفة في تقرير لها ترجمته "عربي21":
لم تترك إدارة بايدن التعريفات في مكانها فحسب، بل فرضت أيضا قيودا أكثر صرامة على
الشركات التي تبيع لشركة هواوي، عملاق معدات الاتصالات الصيني الذي وصفته إدارة ترامب
بأنه يمثل تهديدا للأمن القومي.
أي شخص يأمل في أن يقوم بايدن بإلغاء الرسوم الجمركية بسرعة
وبشكل أحادي سيصاب بخيبة أمل. عندما يتعلق الأمر بالصين، فإن إدارة بايدن تشبه إلى
حد كبير إدارة ترامب، وإن كانت نسخة أكثر نضجا وحكمة وفعالية.
وكان ترامب قائدا كارثيا من نواحٍ عديدة، لكن يُنظر إليه على
نطاق واسع على أنه قد قام بتشخيص المشكلة مع الصين بشكل صحيح، حتى وإن أخطأ في الحل.
بايدن، الذي يفهم أهمية الحلفاء، لديه فرصة أفضل بكثير للتعامل معها بالشكل الصحيح.
يسافر وزير الخارجية أنطوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن
إلى اليابان وكوريا الجنوبية هذا الأسبوع، في أول رحلة خارجية لهما في أدوارهما الجديدة،
للإشارة إلى أهمية تلك التحالفات.
بلينكن، الذي سيلتقي مع القادة الصينيين في ألاسكا في طريق
عودته إلى الوطن، وصف الصين بأنها "أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الحادي والعشرين"،
وهو محق في ذلك.
لسنوات، قلل العديد من الأمريكيين من أهمية التحدي الذي تشكله
الصين، واثقين من أن زيادة التجارة ستفيد كلا الاقتصادين وتحول الصين في النهاية إلى
دولة أكثر ودية وديمقراطية. لكن حتى الآن، فإن بعض أقوى المدافعين عن التجارة مع الصين
يقرون بأنهم أفرطوا في تسويق فوائد إدخال بكين في نظام التجارة العالمي، وأنهم كانوا
ساذجين لتوقع أن دولة شيوعية ستلعب وفقا لقواعد السوق الحرة.
أصبح ذلك واضحا في عام 2015، عندما أصدرت الحكومة الصينية
خطة استراتيجية تسمى صُنع في الصين 2025، والتي حددت كيف ستستخدم الإعانات الحكومية
والشركات المملوكة للدولة للسيطرة على التقنيات الرئيسية. وبدلا من تغيير النظام الاقتصادي
العالمي للصين، تعمل الصين على تغيير النظام الاقتصادي العالمي، وقد ساعد رد الفعل
العكسي ضد هذا التحول في صعود الشعبوية في أمريكا.
وتسبب الاعتراف بهذا في تغيير جذري في الطريقة التي يتحدث
بها العديد من الأمريكيين المؤثرين عن الصين. حتى رجال الأعمال الذين يعارضون الرسوم
الجمركية بشدة يقولون الآن إنهم قد تكيفوا معها واستقروا في وضع طبيعي جديد يتوقعون
أن يستمر على الأقل حتى تفي الصين بالتزاماتها بموجب ما يسمى اتفاق التجارة للمرحلة
الأولى المبرم في عام 2020.
وشغلت الرسوم الجمركية مقعدا خلفيا للنقاش، مقابل النقاش
الأكبر بكثير حول الشكل الذي يجب أن تبدو عليه العلاقة بين أمريكا والصين في السنوات
المقبلة، وكيف يمكن لأمريكا أن تحافظ على تفوقها التكنولوجي والعسكري في مواجهة الصين
الصاعدة.
واتخذت المواقف الأمريكية تجاه الصين منعطفا سلبيا حادا، ويعود
ذلك جزئيا إلى جائحة فيروس كورونا، فقد علقت بكين تصدير الكمامات -حتى تلك التي تنتجها
شركة 3M الأمريكية في شنغهاي-
في نفس الوقت الذي كان فيه الأمريكيون في أمس الحاجة إليها. وأيقظ هذا العديد من المسؤولين
الأمريكيين على ضعف أمريكا بشكل غير مقبول بعد عقدين من الاعتماد على الصين لتزويد
مجموعة واسعة من السلع والمكونات الأساسية.
وبدلا من رفع الرسوم الجمركية على بكين، أعلن بايدن الشهر
الماضي عن مراجعة تستمر 100 يوم لسلاسل التوريد التي تتضمن تقنيات مهمة، بما في ذلك
الأدوية ومكوناتها النشطة والمعادن الأرضية النادرة، والتي تستخدم في الهواتف المحمولة
وأشباه الموصلات التي تستخدم في السيارات وأجهزة الكمبيوتر وجميع أنواع الإلكترونيات.
وقال بايدن: "لا ينبغي أن نعتمد على دولة أجنبية -خاصة
دولة لا تشاركنا مصالحنا أو قيمنا- من أجل حماية وإمداد شعبنا خلال حالة الطوارئ الوطنية".
وشكر مجموعة من المشرعين من الحزبين تعمل على هذه القضية، مشيرا إلى أن الصين أصبحت
منطقة نادرة لاتفاق الحزبين.
ويمتد انعدام الثقة في الصين عبر الطيف السياسي. ويعمل زعيم
الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وهو ديمقراطي، مع السناتور تود يونغ، وهو جمهوري
من ولاية إنديانا، على مشروع قانون يسمى قانون "الحدود اللانهائية" الذي
يسعى إلى الحفاظ على التفوق التكنولوجي لأمريكا من خلال القيام باستثمارات كبيرة في
الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتصنيع المتقدم.
هذه استثمارات مهمة في القدرات المحلية لا يمكن تركها للقطاع
الخاص وحده. وعلى الرغم من أن الأمريكيين ابتعدوا منذ فترة طويلة عن أي شيء له طابع
الاقتصاد المخطط مركزيا، إلا أن هناك اعترافا متزايدا بأن التفوق التكنولوجي لا يحافظ
على نفسه، خاصة في مواجهة منافس مصمم على التفكير المستقبلي.
وأصبح المشرعون في واشنطن قلقين بشكل خاص بسبب النقص في أنواع
معينة من أشباه الموصلات، ما يتسبب في تأخير إنتاج السيارات. وتأتي الكثير من إمدادات
العالم من أشباه الموصلات الرئيسية المستخدمة في السيارات من تايوان، التي تقع على
بعد 100 ميل فقط من البر الرئيسي للصين والتي يعتبرها المسؤولون الصينيون مقاطعة متمردة.
وفي العام الماضي، بدأت الطائرات العسكرية الصينية باختراق
المجال الجوي التايواني يوميا بعد ما يقرب من عقدين من البقاء في أغلب الأحيان في الجانب
الصيني من مضيق تايوان. أثار ذلك قلق المسؤولين الأمريكيين الذين يدعمون حق تايوان
في حكم نفسها.
ونظرا لأن كل جهاز إلكتروني تقريبا يتطلب أشباه موصلات، فإن
رقائق الكمبيوتر الصغيرة هذه هي نفط القرن الحادي والعشرين. لا يمكن للأمريكيين أن
يتراخوا بشأن المكان التي تأتي منه هذه الرقائق أو إذا كان هناك ما يكفي منها. ولكن
من المطمئن أن نعرف أن TSMC، الشركة التايوانية التي تعد أكبر مسبك مستقل لأشباه الموصلات في العالم،
بدأت في بناء مصنع في ولاية أريزونا وأن قانون تفويض الدفاع الوطني الصادر في كانون
الثاني/ يناير يوفر حوافز لصناعة أشباه الموصلات في أمريكا، لكن يجب عمل المزيد.
هذا لا يعني أنه يجب على الأمريكيين محاولة منع الصين من
الحصول على أشباه الموصلات التي تحتاجها لتزدهر، أو "فصل" الاقتصاد الأمريكي
عن الاقتصاد الصيني، كما اقترح ترامب ذات مرة بشكل خطير. سيكون ذلك مكلفا للغاية وسيجعل
من المرجح أن ينتهي الأمر بالبلدين إلى مواجهة.
لكن الأمريكيين أدركوا الحاجة إلى أن يكونوا أكثر تفكيرا
واستراتيجية بشأن التخطيط لمستقبلهم الاقتصادي. هذا شيء جيد، إذ يتطلب الحفاظ على التفوق
العسكري والتكنولوجي استثمارات في البحث والتعليم والبنية التحتية التي لن يرغب العديد
من الأمريكيين في القيام بها لولا ذلك.
من بين جميع التهديدات التي تشكلها الصين، قد يكون أعظمها
أن تكون مثالا لبقية العالم على بديل ناجح للديمقراطية الأمريكية، التي شابها عدم المساواة
الاقتصادية والاضطرابات العنصرية والتمرد. ولمواجهة الصين بشكل فعال، فإنه يجب على الأمريكيين
ترتيب بيتهم الداخلي وتذكير العالم -وأنفسهم- بأن الديمقراطية لا يزال بإمكانها أن
تخدم الناس العاديين.