شهد فجر السبت الماضي قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
بإقالة محافظ البنك المركزي ناجي إقبال، وهذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها إقالة محافظ للبنك المركزي التركي منذ منتصف 2019م. وقد شغل إقبال منصب محافظ البنك المركزي منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد تعيين الرئيس أردوغان له خلفا لمراد أويصال، في إطار إصلاح الفريق
الاقتصادي. وبذلك قضى إقبال في منصبه نحو خمسة أشهر فقط.
وقد جاءت هذه الإقالة لمحافظ البنك المركزي بعد رفع يوم الخميس الماضي سعر الفائدة بصورة فاقت التوقعات؛ بمقدار 200 نقطة أساس، من 17 في المئة إلى 19 في المئة، ليعزز سياسته النقدية المتشددة، مبررا ذلك بمواجهة
التضخم الذي ارتفع بنسبة 15.6 في المئة على أساس سنوي في شباط/ فبراير الماضي. وهي السياسة التي يرفضها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جملة وتفصيلا، حيث يرفض علنا
أسعار الفائدة المرتفعة، ويرى أنها تزيد التضخم، ودائما ما يصفها بأنها "أم وأب كل الشرور"، وأنه يهدف إلى خفض معدل التضخم السنوي إلى أقل من 10 في المئة بحلول نهاية العام المقبل، وإلى 5 في المئة بحلول الانتخابات المقبلة المقرّر إجراؤها عام 2023م.
كما كان من نتيجة قرار الإقالة تعرض بورصة إسطنبول
لخسائر حادة في التعاملات المبكرة من جلسة الاثنين الماضي، بصورة تجاوزت الحد الأقصى المسموح به في جلسة واحدة، حيث نزل مؤشر بورصة اسطنبول الرئيس (BIST All-100) بحوالي 350 نقطة، نزولا بنسبة تقترب من 7 في المئة، مما أدى بإدارة البورصة التركية إلى اتخاذ قرار بتعليق التداولات.
جاء قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإقالة محافظ البنك المركزي وتداعياته ليعكس توجهات مختلفة ما بين الرفض والتأييد
هذا وقد عرف عن محافظ البنك المركزي الجديد شاهب كافجي أوغلو تبنيه لسياسة التيسير النقدي ورفضه لرفع سعر الفائدة. وقد حاول وزير المالية التركي لطفي علوان يوم الاثنين الماضي؛ تحقيق الطمأنينة للمستثمرين بالقول إن بلاده عازمة على الالتزام بقواعد السوق الحرة ونظام التداول الحر للعملة، وأن السياسات المالية ستدعم السياسات النقدية من أجل تحقيق استقرار في الأسعار، مضيفاً أن إطار السياسة الكلية مستمر لحين حدوث انخفاض دائم لمعدل التضخم الذي بلغ خانة العشرات معظم فترات السنوات الأربع الماضية.
وقد جاء قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإقالة محافظ البنك المركزي وتداعياته ليعكس توجهات مختلفة ما بين الرفض والتأييد. فمما لا شك فيه أن قوام أي اقتصاد هو الثقة والاستقرار، والتغيير المتوالي لمحافظي البنك المركزي التركي يمثل نقطة سلبية قد تمس استقلالية البنك المركزي وإدارته للسياسة النقدية، ومع ذلك فإن هذه الاستقلالية ينبغي أن لا تكون سلاحا قد يفتك بالدولة واقتصادها، لا سيما وأن المسئولية عن إدارة الدولة كلها هي لرئيس الجمهورية المنتخب والذي تحكم قرار انتخابه أصوات شعبه.
إنني لا أؤيد تغيير محافظي البنك المركزي بصورة متوالية في الفترات القصيرة، ولكن في الوقت نفسه أرفض بشدة تبني سياسة التشديد النقدي ورفع سعر الفائدة، فسعر الفائدة كله شر، ورفعه أشد شرا، فهو وإن كان يخفض عرض النقود من خلال تشجيع الإيداع بالليرة التركية والجاذبية لعدم الدولرة، فضلا عن تقييد الائتمان، فإنه في الوقت نفسه يزيد من تكلفة الائتمان، فهو وإن كان يخفض التضخم في المدى القصير من ناحية، فإنه من ناحية أخرى يعوق الإنتاج، ويزيد من تفاقم التضخم نتيجة لارتفاع تكاليف التمويل ومن ثم أسعار السلع والخدمات.
لا أؤيد تغيير محافظي البنك المركزي بصورة متوالية في الفترات القصيرة، ولكن في الوقت نفسه أرفض بشدة تبني سياسة التشديد النقدي ورفع سعر الفائدة
وفي المقابل، فإن خفض سعر الفائدة يعيد القروض التشجيعية ويسهم في زيادة الطلب، ولكن إذا تم الإسهاب في هذا الجانب مقارنة بنمو الإنتاج المتأتي منها، بمعنى آخر أن تصبح الكتلة النقدية أعلى من الناتج المحلي الإجمالي ويغيب التوازن بين التدفق النقدي والتدفق الحقيقي، فإن هذا يؤدي إلى تغذية التضخم، وهو ما حدث بالنسبة للتسهيلات العقارية خلال الفترة الماضية في
تركيا، ونتج عنها زيادة مفتعلة في أسعار العقارات وصلت إلى نسبة 40 في المئة.
وهذا يتطلب أهمية التوازن في إدارة السياسة النقدية، لا سيما وأن التضخم بصورته الحالية هو في حقيقته ظاهرة مالية لا تنفصم عن دولاب الاقتصاد، بفعل النظام الاقتصادي القائم على سعر الفائدة باعتباره مغذيا رئيسا للتضخم. كما تبدو أهمية أن تعمل السياسة النقدية والسياسة المالية والسياسة الهيكلية في تناسق مستمر يعزز الإنتاج وينمي الصادرات ويرشد الواردات، ويكبح جماح التضخم الذي يعتبر آفة كبرى تمس حياة ومعايش الناس، خاصة وأن الرئيس أردوغان أعلن منذ أيام عن اجتماع لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية الذي يأمل من خلاله توفير حزمة إصلاح اقتصادي تتضمن سياسات ملموسة وموجهة نحو الحلول؛ لحمل تركيا بأمان إلى المستقبل من خلال تنمية الاقتصاد على أساس الاستثمار والإنتاج والعمالة والصادرات.
twitter.com/drdawaba