جاء القصف الروسي ـ السوري المفاجئ لشمال غرب سوريا خارج السياق السياسي ـ العسكري الهادئ بين روسيا وتركيا منذ أشهر عدة، والذي توج بالاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر في الدوحة.
ويبدو واضحا من توقيت الضربات العسكرية السورية والروسية للمعارضة السورية، أن الأهداف الروسية لا تتعلق بترتيبات عسكرية هنا أو هناك، بقدر ما هي مرتبطة بالضغط على تركيا من أجل تقديم تنازلات لروسيا في الملف الإنساني الذي كان أحد أهم محاور النقاش في الدوحة بين وزراء خارجية الدول الثلاث، إن لم يكن هو المحور الأهم.
تشير خارطة استهدافات الشمال الغربي، الى أن الأهداف التي ضربتها قوات النظام السوري والقوات الروسية تتبع للفصائل الأكثر قربا من تركيا (الفوج 46 مشفى المغارة في مدينة الأتارب غرب حلب، ومنطقة المخيمات في بلدة قاح بريف إدلب الشمالي، ومنطقة سرمدا شمال إدلب على الشريط الحدودي مع تركيا، ومعبر باب الهوى، وتجمعات نقل المحروقات والغاز).
ولم يقتصر الأمر على الداخل السوري فحسب، بل قام النظام بخطوة متقدمة حين قام بقصف مدينة كيلس جنوب تركيا كنوع من التصعيد العسكري لجر تركيا إلى الرد وإعادة توتير الوضع في المحافظة.
أسباب التصعيد
يمكن ربط التصعيد العسكري للروس والنظام السوري ضد تركيا في إدلب إلى مجموعة من العوامل المحلية والخارجية:
ـ في 18 الشهر الجاري، تعرضت مدينة كيلس التركية إلى قصف مدفعي من مدينة تل رفعت في توقيت يعتبر غريبا بعد حالة الهدوء في المنطقة، وفي اليوم التالي في 19 الشهر نفسه، قامت روسيا بإدخال مدنيين إلى قريتي صيدا والمعلق قرب عين عيسى لأسباب غير معروفة، وهو ما ردت عليه تركيا بتنفيذ
غارات جوية وقصف مدفعي على القريتين.
قرأت روسيا الغارات العسكرية التركية ـ الأولى من نوعها منذ عام ـ على أنها محاولة تركية لمنعها من تغيير الوقائع العسكرية من جانب واحد، أو أنها مقدمة لخطوات تركية تصعيدية لاحقة، وقد يكون التصعيد الروسي في إدلب رد فعل على قوة الغارات التركية.
يبدو واضحا من توقيت الضربات العسكرية السورية والروسية للمعارضة السورية، أن الأهداف الروسية لا تتعلق بترتيبات عسكرية هنا أو هناك، بقدر ما هي مرتبطة بالضغط على تركيا من أجل تقديم تنازلات لروسيا في الملف الإنساني الذي كان أحد أهم محاور النقاش في الدوحة بين وزراء خارجية الدول الثلاث، إن لم يكن هو المحور الأهم.
يكمن الخلاف بين الروس والأتراك حول عين عيسى في سعي أنقرة للسيطرة على البلدة من أجل قطع الطرق البرية بينها وبين المدن التي تسيطر عيلها "قسد" في الشرق والغرب، في حين لا تمانع روسيا من إخراج "قسد" من البلدة، لكنها تفضل أن تحل قوات النظام السوري محلها كخط فاصل يحول دون أي تقدم عسكري مستقبلي للأتراك في المنطقة.
لكن الخطوات التركية في 18 و19 آذار (مارس)، تشي بأنه ثمة محاولة روسية لاستدراج تركيا نحو التصعيد، بما يمنحها المبرر لشن عمليات عسكرية في إدلب، وهي بيت القصيد بالنسبة للروس الآن.
ـ تحاول روسيا إيجاد مخارج للأزمة الإنسانية في مناطق النظام، وقد وجدت أن فتح المعابر بين محافظة إدلب وحلب من شأنه أن ينشط الحركة الإنسانية والتجارية، بما ينعكس إيجابا على مناطق النظام التي ستستفيد من البضائع التي تصل إدلب غير الخاضعة للعقوبات الاقتصادية الأمريكية والدولية.
وكان القصف الروسي على معبر باب الهوى ملفتا للانتباه من حيث الأسباب التي تجعل روسيا تقصف معبرا مخصصا للمساعدات الإنسانية.
وربما لم تكن مصادفة أن تطلب موسكو من أنقرة على فتح ثلاثة معابر (معبران في منطقتي سراقب وميزنار شرق إدلب، معبر أبو الزندين شمال حلب).
ـ يأتي الضغط الروسي بفتح المعابر الداخلية قبيل أشهر من موعد "الانتخابات الرئاسية" التي ينوي النظام السوري تنظيمها في تموز (يوليو) المقبل، ويعول الروس على إمكانية خروج أشخاص من إدلب إلى مناطق النظام للتصويت للأسد.
ـ يمكن اعتبار العوامل الخارجية سببا آخرا في التصعيد العسكري، بعد التقارب التركي ـ المصري والتركي ـ السعودي، وقد يؤدي التقارب الأول إلى تعاون مشترك في الساحة الليبية ينعكس سلبا على الحضور الروسي، فيما يؤدي التقارب الثاني إلى تعاون مشترك في الساحة اليمنية ينعكس سلبا على إيران.
ـ قد لا يخرج فشل اجتماع الدوحة بين موسكو وأنقرة والدوحة عن الأسباب المؤدية للتصعيد العسكري، فقد بدا واضحا أن المقاربة الروسية التي قدمت في الدوحة لم تحظ بالقبول الكافي.
يشير الضغط الروسي على تركيا إلى أن ملف إدلب ما يزال مكانا للصراع بين الجانبين، وأن الدولتين بعيدتان عن تحقيق اتفاق نهائي على الرغم من قدرتها في التوصل إلى تفاهمات مؤقتة.
كما تشير الضغوط الروسية إلى المأزق الذي يواجهه صناع القرار في موسكو لجهة عدم قدرتهم في إحداث اختراقات سياسية او اقتصادية أو إنسانية، ولذلك تلجأ روسيا بين الفينة والأخرى إلى اللعب في المساحات الضيقة.
*كاتب وإعلامي سوري
علم اجتماع الفتوى وحاجتنا إليه
السوري الذي تجرأ على الثورة بوجه الأسد.. باقٍ