صدر حديثا عن دار الأسرة العربية في إسطنبول كتاب "الأخلاق بين الإسلام والمذاهب والأديان القديمة" للدكتور جمال نصار، أستاذ الفلسفة والمذاهب الفكرية بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول.
يقع الكتاب في (440 صفحة)، ويتناول بالتفصيل الأخلاق، وفلسفتها الإنسانية في الإسلام، وخصائصها، والدوافع الأخلاقية، وضوابطها، ومنهج التربية الأخلاقية في القرآن الكريم، والسيرة النبوية، وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وجهود علماء المسلمين العلمية في التربية الأخلاقية.
ويستعرض الكتاب نماذج من أهم الأخلاق الإسلامية، والجانب الأخلاقي في الأديان الوضعية: (الحضارة اليونانية، والصينية، والفارسية، والهندية، والمصرية القديمة).
واهتم الإسلام اهتماما بالغا بالجانب الأخلاق، فنجد أن رسالة الإسلام تقوم على أساس الأخلاق، والهدف من بعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يتمم مكارم الأخلاق، وينشر مبادئ الحق والعدل والخير بين الناس؛ حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة، ويلخص الرسول الهدف من رسالته فيقول في إيجاز بليغ: (بعثت لأتمم حُسن الأخلاق) (موطأ الإمام مالك، حديث رقم: 1641).
وتتميم الأخلاق يعني ناحيتين: الحضّ عليها، ثم الارتفاع بها، وربطها بالمثل الأعلى؛ حتى تكون خالصة لله لا تشوبها شائبة من رياء أو مباهاة أو سمعة. كما أثنى القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم في أبلغ وأرفع وصف من قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4).
وإذا عدنا إلى ما قبل الإسلام؛ سنجد أن الأخلاق كانت في نظر الفلاسفة اليونان وغيرهم، آراء نظرية، بمعنى، أنها كانت في حيز الحوارات، والنقد، بين الخطأ والصواب، ومعرفة الخير، من الشر.
وفي الجزيرة العربية لم تكن الأخلاق هي الحاكمة، وإنما كان لكل قبيلة شيخها الذي هو بمثابة الحاكم، والأب والقائد الحاني على أفراد قبيلته، يسوسها ويرعاها، ويدافع عنها، ويجلب لها ما ينفعها، ويجنبها ما يضرها.
وكان في العرب عادات سيئة كشرب الخمر ووأد البنات، ولعب الميسر، ولكن كان إلى جانب هذه العادات الرديئة، عادات كريمة، كالصدق والشجاعة وحماية الجار، وإكرام الضيف والكرم والشرف والدفاع عن العرض وإغاثة الملهوف، فلما جاء الإسلام، أبطل العادات الذميمة، وعزّز العادات الكريمة.
والأخلاق في الإسلام، علم ومعرفة وتطبيق وثواب وعقاب في الدنيا وفي الآخرة يوم القيامة قال تعالى: (إِنَّ الأبْرَارَ لَفِى نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جحِيم) (الانفطار: 13-14)، وقال صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) (صحيح مسلم، حديث رقم: 87).
والسبب في اهتمام الإسلام بالأخلاق هذا الاهتمام كله، هو أن الأخلاق الإسلامية، محور الحياة وعمودها الفقري، وهي أمر لا بد منه لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحية المادية والمعنوية.