أثار اعتقال السلطات الأردنية مطلع الأسبوع الماضي لشخصيتين مقربتين من المملكة العربية السعودية، وما تبع ذلك من أحداث؛ تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين عمّان والرياض، ودور الأخيرة فيما وصفه الأردن بمحاولة "زعزعة أمن الوطن".
واعتقلت السلطات الأردنية، السبت الماضي، كلاً من رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، وآخرين قالت إنهم متورطون بالتنسيق مع جهات خارجية بالعمل على زعزعة أمن الدولة.
والأحد؛ أعلنت الحكومة أن "تحقيقات أولية" أظهرت تورط ولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين مع "جهات خارجية" وما تسمى بـ"المعارضة الخارجية" في "محاولات لزعزعة أمن البلاد" و"تجييش المواطنين ضد الدولة"، وهو ما نفاه الأمير عبر تسجيل مصور وصف فيه ما يتردد بأنه "أكاذيب" مؤكدا أنه "قيد الإقامة الجبرية".
وتحدثت وسائل إعلام أردنية عن وجود دور سعودي وراء المخطط المعلن عنه، ما دفع الرياض إلى المسارعة لتأكيد دعمها للأردن وإجراءاته لحفظ أمنه واستقراره، ولوحظ حجم المبالغة في ذلك، والتي تمثلت في اتصال هاتفي من العاهل السعودي وولي عهده بملك الأردن عبد الله الثاني، وإصدار بيانات تضامنية من الديوان الملكي ومجلس الوزراء السعوديين، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية السعودي لعمان.
وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الثلاثاء، أن وفدا سعوديا توجه إلى عمّان للمطالبة بالإفراج عن باسم عوض الله، "صديق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان"، الأمر الذي نفته الرياض، وتبع ذلك بيومين نفي أردني لأنباء حول الإفراج عن عوض الله.
العلاقات الأردنية السعودية
وتربط الأردن والسعودية علاقات استراتيجية قوية، بحسب المحلل السياسي داود كُتّاب، الذي رأى أن الأحداث الأخيرة عبارة عن "زوبعة في فنجان".
واستبعد كُتاب أن تتأزم العلاقات بين البلدين بسبب اعتقال عوض الله والشريف حسن "اللذين تربطهما صلات وطيدة بالسعودية"، مؤكدا أن هذه العلاقات "لا يهزها اعتقال هنا أو هناك، وخاصة أن قضية الأمير حمزة تمت لملمتها خلال يومين".
اقرأ أيضا: الأردن ينفي شائعات مغادرة باسم عوض الله إلى السعودية
وأكد لـ"عربي21" أن لدى الأردن رغبة في إيجاد مخرج قانوني وسياسي وإنساني للإفراج عن عوض الله والشريف حسن، وإنهاء الإشكال الحاصل بين عمان والرياض، "لكن ذلك بحاجة لمزيد من الوقت"، معللا ذلك بأن هذا الإجراء سيضر بالرواية الرسمية الأردنية التي تحتوي أصلا على ثغرات كبيرة.
وحول دلالة مبالغة السعودية في إعرابها عن دعمها للأردن وأمنه؛ أوضح كُتاب أن الدولة الأردنية اعتبرت أن هناك "مؤامرة خارجية"، والرجلان المعروفان اللذان اعتُقلا في هذا السياق يحملان جوازات سفر سعودية، وبالتالي فإن أصابع الاتهام باتت موجهة للرياض.
وتابع: "لذلك؛ سارعت السعودية إلى وأد أية محاولة للربط بينها وبين هذه الحادثة، وبالغت في ذلك بهدف إقناع الرأي العام بأنه لا علاقة لها بما جرى".
وحول الحديث عن مطالبة سعودية بالإفراج عن عوض الله ونفي الأردن خبر إطلاق سراحه؛ قال كُتاب إن الدولة الأردنية فقدت الكثير من مصداقيتها خلال الأسبوع الماضي، وبالتالي فليس بالضرورة أن يكون نفيها صحيحا؛ لوجود قناعة بعدم مصداقية الجهة النافية للخبر.
توتر محدود
ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، الأحد الماضي، تقريرا موسعا عن الأحداث في الأردن، نقلت فيه عن مصادر أردنية رفيعة المستوى قولها إن السعودية ودولة خليجية أخرى لم تسمّها "تقفان وراء كواليس محاولة الانقلاب المزعومة".
المحلل السياسي منذر الحوارات أكد أنه لا توجد دلائل على انخراط أي دولة عربية في الأحداث الأخيرة، "فالحكومة الأردنية تحدثت عن جهات خارجية، ولكنها لم تحدد دولة باسمها، إما لاعتبارات سياسية، أو لرغبتها بالتريث حتى ينتهي التحقيق".
وقال لـ"عربي21" إنه "رغم تداول اسم السعودية كثيرا في الأحداث الأخيرة عبر الإعلام؛ إلا أن العلاقة الاستراتيجية التي تجمع بين الأردن والسعودية قائمة على إيمان الدولتين بالأهمية الاستراتيجية لكل منهما".
وأضاف الحوارات أن الأردن بالنسبة للرياض يشكل عازلا جيوسياسيا في المنطقة، واستقراره أمر مهم جدا لأمنها، لافتا إلى أن "بين الأردن والسعودية حدودا يبلغ طولها 744 كيلو مترا، وبالتالي فإن عدم استقرار الأردن قد يؤدي إلى حالة معقدة من الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار في السعودية وبقية دول الخليج".
اقرأ أيضا: ملك الأردن يتحدث عن الأزمة: الفتنة وئدت.. وحمزة برعايتي
وأوضح أنه "ربما يحصل بعض التوتر بين الرياض وعمّان بسبب الأحداث الأخيرة، إلا أن عمق العلاقة بين البلدين سيحول دون تطور هذا التوتر، وخصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية شددت على أهمية أمن الأردن واستقراره، وهذا سينطبق على جميع حلفاء واشنطن، بمن فيهم السعودية التي هي الحليف الرئيس للولايات المتحدة في المنطقة".
وأشار الحوارات إلى أن "باسم عوض الله يعمل مستشارا لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والشريف حسن مقرب من العائلة المالكة في السعودية، وكلاهما يحملان جنسيتها، وهو ما دفع الرياض إلى المسارعة في الإعلان عن مساندتها الكاملة بكل إمكاناتها لكل ما يتخذه الملك عبد الله الثاني من قرارات وإجراءات لحفظ الأمن في الأردن".
وأضاف أن الرياض هدفت في موقفها إلى التبرؤ من أي عمل يمس العائلة المالكة في الأردن، والتأكيد على أنها غير منخرطة في أي اضطرابات داخلية، بالإضافة إلى أنها أرادت التعبير عن كونها لاعبا كبيرا في المنطقة، وأنها مستعدة لتقديم الدعم لأي دولة حليفة لها تمر بحالة من الاضطراب.
واستبعد الحوارات أن تكون السعودية قد طالبت بالإفراج عن عوض الله، قائلا إن "هؤلاء موظفون في النهاية، والرياض لا تعلق مصالحها على شخص مهما كانت أهميته، فالأشخاص الذين يؤدون أدوارا للدول، ويشكلون في وقت ما خطرا عليها؛ فإن هذه الدول تلقي بهم سريعا دون نقاش".
واستدرك بأن "الاهتمام السعودي بباسم عوض الله ينحصر فقط بكونه شخصا مقربا من دائرة صنع القرار، وبالتالي ربما يحمل معلومات سرية تحرص الرياض على أن لا يتم تداولها في مكان آخر".
وتابع الحوارات: "هذا عكس ما نشاهده في الأردن، حيث نجد أن رجالات شغلوا مواقع حساسة جدا ودوائر أمنية، ينخرطون بعد تقاعدهم بأيام أو أسابيع بالعمل في مواقع حساسة لدول أخرى، وهذا بالمجمل قد يهدد الأمن الاستراتيجي للأردن".
وكان ملك الأردن قد وجه رسالة مكتوبة إلى الأردنيين الأربعاء، قال فيها إن "الفتنة وئدت"، وإن أخاه غير الشقيق الأمير حمزة في قصره مع عائلته وتحت رعايته، مشددا على أن "الجوانب الأخرى قيد التحقيق".
معهد واشنطن: قضية الأمير حمزة لها ما بعدها في مملكة هادئة
ماذا كشفت ويكيليكس عن باسم عوض الله وعلاقته بأمريكا؟
تخبط وتباين بالأردن حول قضية الأمير حمزة.. أين القصة الكاملة؟