يهل على معظم المسلمين شهر رمضان الفضيل ويحل أهلا وينزل سهلا يوم الثلاثاء المقبل الموافق 13 نيسان (أبريل)، فذلك ما تم استقراؤه من حركة الأفلاك، وتحديدا القمر الذي يقدره الله منازل حتى يعود كالعرجون القديم، وذلك ما يقضي به إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، ومع هذا فقد تقول منا جماعة إن رؤية الهلال لم تتحقق في مساء اليوم الذي يسبق الثلاثاء، فيقضون بأن يكون يوم الأربعاء هو الأول من رمضان، ومعظم من يتحرون رؤية الهلال يرتدون النظارات الطبية، ولكن حاشاهم أن يستخدموا المنظار المُقَرِّب (التلسكوب) لرؤية الهلال، وكما يحدث كل عام، فإن بعض الدول المسلمة أو ذات الأغلبية المسلمة تحرص على الإيحاء بأنها خارج المجموعة الشمسية، وتحرص من ثم على أن تكون بداية رمضان عندها بعد أو قبل سائر الأمم بيوم أو اثنين.
كل هذا أمره هين، ولكل امرئ ما نوى ولكل دولة ما نوت، ولكن ماذا نفعل مع بالقنوات التلفزيونية بعد بداية رمضان؟ شخصيا وكلما جلست أمام جهاز التلفزيون في الأسبوعين اللذين يسبقان مقدم شهر رمضان الكريم، تقفز إلى لساني عبارة "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"، والتي قد أنسى قولها وأنا أدخل دورة المياه، فقد ابتلانا الله بكتائب إعلامية عقيمة الفكر، وتتمتع بحصانة ضد الإبداع ومناعة ضد الحس السليم، وقد بدأوا سلفا في التمهيد والترويج للغثاثات الفجة التي سيقتحمون بها بيوتنا حتى نهاية رمضان، ثم يستأنفون القصف طوال الأيام الخمسة الأولى من شوال.
بالتأكيد يحتاج الصائم إلى الترويح عن النفس نهارا (تقرر أن تكون صلاة التراويح في دولة قطر، حيث أقيم في البيوت، في إطار سياسة منع انتشار السلالات الجديدة من فيروس كوفيد ـ 19 المسبب لطاعون الكورونا)، ولكن شتان ما بين عمل يراد به الترويح المريح للنفس وعمل كله تهريج، فبينهما خيط ناعم كذاك الذي بين السخرية الراقية التي تلكز متلقيها برفق وتهذيب فتحمله على الضحك أو الابتسام، والمسخرة "الهابطة" التي تجرح المشاعر.
فوضنا أمرنا لله بعد أن صارت دولنا تابعا ذليلا لواشنطن، ولكن ليس هناك ما يجبرنا على أن نكون توابع غبية للقنوات التلفزيونية الأمريكية، فما يحدث منذ بضع سنوات هو أن القنوات العربية تسطو على، أو تشتري برامج ترفيهية أمريكية ثم تقوم بتعريبها، وربما كان أول برنامج خضع للتعريب هو "من سيربح المليون" الذي كان يقدمه جورج قرداحي، والذي كان يعطي الانطباع بأنه يحسب نفسه "ميكائيل" المكلف بإنزال المطر وإنبات النبات، وبلغ به التيه أن طرح عطرا رجاليا يحمل اسمه بحسبان أن الرجال سيتهافتون لاقتنائه تشبها به أو "زُلفى" إليه.
شتان ما بين عمل يراد به الترويح المريح للنفس وعمل كله تهريج، فبينهما خيط ناعم كذاك الذي بين السخرية الراقية التي تلكز متلقيها برفق وتهذيب فتحمله على الضحك أو الابتسام، والمسخرة "الهابطة" التي تجرح المشاعر.
ولكن ما من برنامج تلفزيوني أمريكي تعرض للسطو في جميع الدول العربية كتلك المسماة الكاميرا الخفية (لاحظ أنها ليست مخفية بل خفية بقرار من نفسها)، والبرنامج الأصل "كاندِدْ كاميرا"
Candid Camera (التعريب شبه الدقيق لها هو: الكاميرا الصريحة) ظهر في عام 1948 في الولايات المتحدة والتلفزيون في أطواره الجنينية، ثم اختفى نهائيا عام 2014، ولم يسمع به الإعلاميون العرب إلا بعد انفجار البث التلفزيوني الفضائي في تسعينيات القرن الماضي فاستنسخوه ومسخوه.
تقوم النسخة الأمريكية من هذا البرنامج على تهيئة ما يشبه المسرح الصغير لتصوير ردود أفعال الناس إزاء مواقف وأشياء غريبة عليهم، وعند اكتشاف "المقلب" ينفجر من تعرضوا له ضاحكين، أما النسخ العربية فتستهدف البسطاء بغرض الضحك عليهم أو جعلهم مادة للهزؤ والسخرية، وما لا تكشف عنه قنوات التلفزة العربية هو أنه ما من حلقة من حلقات الكاميرا الخفية إلا وتخللها ضرب وعراك، بعد إدراك من يتعرض للمقلب أن المراد هو أن يجعلوا منه أضحوكة.
ولحين من الدهر درجت بعض القنوات على الاستعانة بالممثلات والمطربات لتقديم فقرات دينية خلال رمضان، على ما في ذلك من استخفاف بجمهور المشاهدين، لأن فيه افتراضا بأنهم لن يتابعوا أي درس ديني ما لم تكن فيه حوافز "سمع وشوف"، فيكحلون أعينهم بمشهد امرأة فاتنة ويستمعون أو لا يستمعون إلى ما تقوله، بينما ما زال هناك تقليد ثابت في قنواتنا يتعلق باستضافة من نسميهن بالنجوم ليتحدثن عن كيفية قضائهن يومهن في نهار وليل رمضان، ويحدثننا عن مهاراتهن أو خيباتهن في مجال الطبخ، ولا يفوت الواحدة منهن الزعم بأنها تقوم الليل إلا قليلا، متعبدة متهجدة.
وأذكر يوم سألت الراقصة الزلزالية عطيات عبد الفتاح (فيفي عبده) أحد شيوخ الأزهر عن حكم الرقص في رمضان، فجاءها الرد بأنه حرام حتى في غير رمضان، وبجسارتها المعهودة والتي جعلتها تقول إنها هرم مصر الرابع، قالت: "فشر، معاي 13 طبال وعازف مش ح ياكلوا عيش لو بطلت رقص ودا حرام".
هل تستطيع تركيا الانسحاب من اتفاقية مونترو؟
حفتر والقبائل والرسائل المشفرة
اقنع بلحافك ثم مد رجليك قليلا قليلا