من بداهات الدفاع الوطني الفلسطيني، الوفاء للإنسان الفلسطيني المشرد والمعذب بلجوئه المركب، الذي دافع من خلاله عن قضية وجوده وأحلامه وكرامته. غير أن المرآة التي يتأمل فيها اللاجئ الفلسطيني وجهه من سوريا إلى لبنان؛ تختلف عن مرآة أخرى إن نظر فيها رجل السلطة والسفارة فلن يجد سوى وجهه الحقيقي دون زيادة أو نقصان، لتتضخم يد الصفع على وجه المرأة الفلسطينية اللاجئة من بطش الممانعة في دمشق. وما انتشر في الأيام الأخيرة عن وقائع فض اعتصام اللاجئين الفلسطينيين من سوريا أمام سفارة "دولة فلسطين" في بيروت، وما ظهر من "بطولة وفحولة ناقصة" من حراس السفارة مع شتائم وعبارات التخوين التي تتقاسمها بيئة الممانعة من بيروت الى دمشق ورام الله بحق أبناء فلسطين المنكوبين بوحشية الممانعة، يحول الظواهر المعقدة إلى أسئلة مدرسية مقسمة الى بيضاء وسوداء.
تربية الصمت والإذعان للجرائم والقهر والظلم، في أكاديمية السلطة الفلسطينية وسفاراتها في دمشق وبيروت، خرجت كوادر ونخب ثورية وثقافية وسياسية كل أوراقها الخطابية تثني على سفاح اللاجئين، وتمجد بطولته المشوهة لاسم فلسطين وأبنائها المراد لهم العيش في كنف "فرع فلسطين الأزلي" والويل لهم إن صرخ أحدهم متألماً من سياط الممانعة، ليصبح صهيونيا متآمرا وبائعا لحقه في العودة.. هذه الديباجة الثورية التي رافقت تبرير جرائم الأسد وحليفه الممانع في ضاحية بيروت، هي التي استقبلت أبناء جلدتهم بنظرات الريبة والشك بوطنيتهم وإنسانيتهم منذ عشرة أعوام.
أول الكلام لاستقبالهم كان في عبارة "شو كاين صاير عليكم"، عدا عن القائمة الطويلة من كلام العار الذي نقله موفدو السلطة والفصائل إلى الأسد وموظفي سفارة السلطة في دمشق بحق أبناء مخيم اليرموك.
بيئة التشبيح "الوطني" الرسمي الفلسطيني لم تكن متأخرة في مواكبة تبرير جرائم قتل الفلسطينيين وسحلهم واغتصابهم في فرع فلسطين، ونصوص التزوير طويلة، وتلفيق رواية الأسد والممانعة أصبحت كتابا ثوريا للمزايدة على جثث أبناء فلسطين وشهدائها حتى في مقبرتي اليرموك القديمة والحديثة، اللتين يعمل فيهما نابشو القبور من محور الممانعة في موسكو وبيروت مرورا بدمشق لطمأنة محتل على مصير جثث قتلاه، حينها يصبح الصمت سيد المواقف ولغة الهروب خلف متاريس الشعارات بطولة يتقاسمها الجميع وكاشفا مخلصاً للغةٍ حجريةٍ فيها ثقوب عالية من عار التلحف بفلسطين.
المديح اللا متناهي الذي أسبغته نخب فلسطين والعالم العربي على جلاد فرع فلسطين؛ بحاجة لإخراس صوت الضحايا ولغة التقريظ التي سكبها شبيحة السفارة في بيروت على المتظاهرين من أبناء فلسطين، ورفع القبضات والصفع على وجوه النساء وشج رؤوس المتظاهرين هو إعادة إنتاج منتظم لفعل التشبيح الممارس في فلسطين السلطة والسفارة، ويكشف عن الأسى المتجدد الذي يلازم الشعب الفلسطيني في أزمنة عدة متنوعة ومتباعدة.
اقتلاع الفلسطيني من دفتر الحياة الحرة الكريمة، بمعاول عربية متصهينة وممانعة كاذبة، وسلطة فاسدة تعتبر الموت الغليظ للفلسطيني في فرع فلسطين وتشريده بعد تدمير بيته بطائرات بوتين وبراميل الأسد، وأن المكان "الطبيعي" الملائم للفلسطيني هو مخيم الموت أو مخيم الذل، لذلك كله لم يكن غريباً التبرير المعتوه لشبيحة فلسطين وسلطتها للالتقاء مع نقائض الفلسطيني المطالب بحرية وكرامة يتقاسمها مع أبناء جلدته في مدن عربية أخرى.
وليس غريباً أن يضبط السياسي الفلسطيني والنخبوي المثقف بوصلته على مغناطيس الطاغية والمحتل، مع فرق أكثر حزنا ومأساوية من استمرارهما في مهزلة تبرير جرائم الأسد والطغاة العرب، في مهزلة البطش باللاجئين بقبضاتهم وهم الهاربون من مجزرة بدأها الصهيوني قبل أكثر من سبعة عقود، وسلم بعضا من خيوطها لمتصهين الممانعة في دمشق، فيما أيادي المصفقين وحناجرهم ما تزال تلوح بسفاهة التشبيح العجيب والتنسيق المقدس مع جلاد الفلسطينيين ومحتلهم.
twitter.com/nizar_sahli