شهدت تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قبل يومين، انقلابا تجاه مواقف سابقة له من جماعة الحوثي المدعومة من إيران، وهو ما أثار أسئلة عدة حول دوافع ودلالات تلك التصريحات.
ويرى مراقبون أن ابن سلمان تراجع، الثلاثاء، عن تصريحات سابقة له هدد فيها بالقضاء على الحوثيين خلال مدة وجيزة، بل بعث
رسائل غزل وإغراء للجماعة، تارة باسم العروبة، وأخرى بنزعتها اليمنية، وثالثة بالدعم
الاقتصادي.
وقال ولي العهد السعودي، الثلاثاء،
خلال مقابلته مع الإعلامي عبدالله المديفر، إن الرياض مستعدة لدعم الحوثيين في اليمن،
مقابل توقف الأخيرة عن مهاجمة المملكة، مضيفا أنه "عرض مقدم من المملكة العربية
السعودية، دعم اقتصادي، وكل ما يريدون، مقابل وقف إطلاق النار، والجلوس على طاولة المفاوضات".
وعند سؤاله عن تأثر الحوثيين
بالقرار الإيراني السياسي، قال ابن سلمان: "ما في شك، له علاقة قوية بالنظام الإيراني،
لكن الحوثي يمني، ونتمنى أن تحيا فيه النزعة اليمنية والعروبية ومصالح بلده قبل أي
شيء آخر".
إحباط وهزيمة
وفي هذا السياق، قال رئيس تحرير
صحيفة "الوسط" اليمنية، جمال عامر، إن اللغة الهادئة لولي العهد السعودي في
لقائه الأخير تمثل تأكيدا على مدى المأزق الذي يعيشه نظام الرياض جراء الحرب على اليمن.
وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21":
السياسات النزقة والمتهورة التي اتبعها ابن سلمان تجاه كثير من الملفات في المنطقة وتجاه
شعبه، تراجع عنها بعد 5 أعوام من التخبط والفشل على كل المستويات.
ورأى أن دعوة ابن سلمان "المتوسلة"
للحوثيين بشأن القبول بالجلوس على طاولة الحوار، بعد تأكيده في لقاء قبل سنوات بقدرة جيشه في السيطرة الكاملة على اليمن، تعبر عن
"إحباط وهزيمة".
واستدرك: "إلا أنه لا يمثل
تغييرا في سياسات نظامه العدواني تجاه اليمن، أو تراجعا عن الاستمرار في تغذية الصراع
بين اليمنيين، بقدر ما هو تغيير في الخطاب يتسق مع الخطاب الأمريكي الموحي بالحرص على
تحقيق السلام".
وبحسب رئيس تحرير صحيفة الوسط
اليمنية: "في الحقيقة، يراد أن يحقق بالاتفاق ما لم يتحقق بالحرب طوال ستة أعوام،
وإلا فإنه يكفي لوقف الحرب قرار من حكومته تلزم به أدواتها، وتشجيع الحوار اليمني الداخلي".
اقرأ أيضا: لوفيغارو: السعودية تحت الضغط.. وابن سلمان يمد يده لإيران
وأشار إلى أن هذا الخطاب "المختل" تفضحه عشرات الغارات اليومية التي لم تتوقف، ومثله الإصرار على استمرار الحصار الاقتصادي، رغم ضرره البالغ على الشعب اليمني وليس الحوثيين، مؤكدا أن هذا الأمر أقل كلفة من وعده
الكاذب بتقديم دعم اقتصادي، وهو لم يقدمه أصلا للمحافظات اليمنية الواقعة تحت
سيطرته.
ولفت الصحفي عامر، وهو مقرب
من قيادة الحوثيين، إلى أن ما تقوم به واشنطن والرياض بخصوص سعيهما لإنهاء الصراع ليس
أكثر من "فذلكة" سياسية تخاطب بها الرأي العام، ومراكمة حجج؛ بهدف سحب المتعاطفين
مع اليمن والرافضين لمواصلة الحرب، سواء داخل مجلس النواب الأمريكي أو خارجه، إلى مربع
الحياد على أقل تقدير.
بالإضافة إلى ذلك، وفقا للمتحدث
ذاته، تسعى السعودية إلى الانتقال من كونها قائدة الحرب إلى وسيط سلام، مع ما فيه من
تجاوز لوقائع الدمار الذي طال اليمن وجرائم القتل في حق المدنيين، التي لم تستثن قاعات
العزاء والأعراس.
وأوضح الصحفي اليمني جمال عامر
أن طريق السلام واضح، يبدأ من إثبات حسن النية برفع الحصار وفتح مطار صنعاء، وتعهد سعودي
بتعويض عادل عن ما تسببت به من دمار، وما أزهقته من أنفس بريئة، ومن ثم التوافق على
طرح مشروع سلام عادل ودائم، وبحيث لا يعد مؤسسا لصراع أوسع وأشمل.
ضبط إيقاع
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل
السياسي اليمني ياسين التميمي، أن التصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي، جاءت
متسقة مع المبادرة التي تقدمت بها بلاده لوقف إطلاق النار في اليمن، ضمن تحرك سياسي
لإنهاء الحرب.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21":
"من الواضح أن ولي عهد السعودية ضبط إيقاع سياسة بلاده تجاه حرب اليمن، وتجاه العلاقة
مع إيران، مع التوجهات الأمريكية الجديدة التي يبدو أنها باتت تقيد إلى حد كبير التحرك
السعودي في الساحة اليمنية، على عكس ما كان عليه الحال في عهد الإدارة السابقة.
لكنه فيما يخص العلاقة مع الحوثيين،
بحسب التميمي، فقد أطلق ما يمكن وصفها بالرسائل المتباينة إلى حد ما.
ومضى قائلا: "ففي حين أكد
أن بلاده لا تقبل بوجود مليشيا مسلحة على حدودها شجع الحوثيين على الدخول في حوار يفضي
إلى السلام مع بقية الأقطاب اليمنية، وفي الوقت نفسه، تعهد بتقديم مساعدات، ليس للحوثيين، وإنما ليمن ما بعد الحرب، كما فهمت أنا من تصريحاته".
وأشار الكاتب التميمي إلى أن
تصريحات الأمير بن سلمان، لم تخل من انفتاح على نموذج يمني عربي من "جماعة الحوثي"،
متابعا بالقول: "وهذا الأمر يؤكد مساعي بذلت في هذا الاتجاه بواسطة بريطانيا
لبناء علاقات بين الجماعة والسعودية تكرر نموذجا مشابها للعلاقة التي أقامتها الرياض
مع الأئمة الزيديين في صنعاء قبل عام 1962"، في إشارة إلى حكم آل حميد الدين الذين
حكموا البلد قبل أن تطيح بهم ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962.
اقرأ أيضا: مضاوي الرشيد: مقابلة ابن سلمان تكشف عن وعود فارغة
وأوضح أن الحوثيين ردوا سريعا، وبطريقتهم، على تصريحات ابن سلمان، على نحو "يؤكد التلازم الحتمي بين الظاهرة الحوثية
والنظام الإيراني والحرس الثوري، وهذا من شأنه أن يبقي المواجهة محتدمة في الميدان"،
في الوقت الذي تحللت فيه الرياض من تبعات استمرار الحرب.
وعقب تصريحات ولي العهد السعودي،
نفذ الحوثيون، الأربعاء، هجوما بطائرة مسيرة استهدف قاعدة جوية جنوب غرب السعودية، في
حين أعلن التحالف العربي اعتراض وتدمير الطائرة، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية
السعودية.
وقال المتحدث العسكري باسم جماعة
الحوثي يحيى سريع، في "تويتر"، إن سلاح الجو المسير التابع لجماعته
"نفذ عملية هجومية على قاعدة الملك خالد الجوية بخميس مشيط" السعودية.
وتقود الرياض تحالفا عسكريا
تدخل بحرب اليمن في آذار/ مارس 2015 ضد الحوثيين، الذين أطاحوا بالحكومة اليمنية المعترف
بها دوليا من صنعاء أواخر 2014.
وردا على التدخل العسكري السعودي،
يشن الحوثيون هجمات على المملكة بالصواريخ أو بطائرات مسيرة، ففي أيلول/ سبتمبر
2019، تعرضت السعودية لهجوم كبير بصاروخ وطائرة مسيرة على منشآت نفطية، ما أجبر السعودية
على وقف أكثر من نصف إنتاجها من النفط الخام مؤقتا.
ماذا تحمل المحادثات بين السعودية وإيران بشأن اليمن؟
هل تنجح طهران في كسب حرب اليمن لمصلحتها؟
إصابة جنديين يمنيين بهجوم على حاجز أمني.. والجيش يتقدم في تعز