خلال الشهر الماضي، برزت عدّة تطورات مهمّة تتعلّق بموقف المملكة العربية السعودية من بعض القضايا الإقليمية لاسيما الموقف من إيران وتركيا. ففي 18 نيسان (أبريل)، ذكرت صحيفة الفايننشال تايمز أنّ مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين قاموا بإجراء مفاوضات سريّة مباشرة في العاصمة العراقية بغداد وذلك لأوّل مرّة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في كانون الثاني (يناير) من العام 2016.
وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها الصحيفة، فقد ترأس الوفد السعودي رئيس الإستخبارات خالد بن علي الحميدان، وتناول الاجتماع بين الطرفين الوضع في اليمن وهجمات الحوثي ضد المملكة. وقد وصف مصدر مطّلعة المباحثات بالإيجابية، مشيراً إلى أنّهم اتفقوا على خوض جولة ثانية من المفاوضات.
لم تكتفِ الصحيفة بهذا القدر من المعلومات وإنما لفتت أيضاً إلى أنّ دور الجانب العراقي لم يقتصر على تسهيل مهمّة لقاء الطرفين فحسب، وإنما نجح في عقد لقاءات للجانب الإيراني مع دول أخرى كان من بينها مصر والأردن. فضلاً عن ذلك، فقد التقى الجانب الإيراني بحسب مصادر أخرى بمسؤولين إماراتيين أيضاً، وقد بدأت هذه اللقاءات مع الدول المذكورة منذ شهر كانون الثاني (يناير) من العام الحالي.
ومع أنّ الجانب السعودي كان قد نفى اللقاء بالمسؤولين الإيرانيين في بغداد، إلاّ أنّ مصادر عديدة أكّدت أنّ اللقاء قد تمّ بالفعل ونقلته وكالة فرانس برس ورويترز وإن بصيغ مختلفة. وفي نفس السياق، ذكر تريتا بارسي الذي يقود اللوبي الموالي للنظام الإيراني في الولايات المتّحدة الأمريكية أنّ اللقاء بين الوفد الإيراني والمسؤولين في هذه البلدان ناقش مواضيع تتعلق بالوضع في اليمن وكل من سوريا ولبنان أيضاً، وأنّها شملت مستويات مختلفة كان من بينها لقاء جمع كل من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني ورئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد بن علي الحميدان.
وقبل بضعة أيام فقط، أشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنّ كل ما يطمح إليه هو علاقة طيبّة ومميّزة مع إيران وانّ لا يكون وضع إيران صعب وأن تنمو وتزدهر وأن يكون لديها مصالح في السعودية ويكون للسعودية مصالح في إيران. كما أشار الى انّ السعودية تعمل مع الشركاء في المنطقة والعالم لإيجاد حلول للإشكاليات القائمة مع ايران، متمنياً ان يتم تجاوز هذه الإشكاليات وأن تكون العلاقة معها طيبة وإيجابية وفيها منفعة للجميع.
قبل بضعة أيام فقط، أشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنّ كل ما يطمح إليه هو علاقة طيبّة ومميّزة مع إيران وانّ لا يكون وضع إيران صعب وأن تنمو وتزدهر وأن يكون لديها مصالح في السعودية ويكون للسعودية مصالح في إيران.
أثارت هذه التعليقات زوبعة من السخرية لدى الإيرانيين الذي لفتوا الى التراجع في نبرة ومضمون الخطاب الموجّه من ولي العهد. إيران الرسمية عبّرت من خلال بيان الناطق باسم الخارجية سعيد خطيب زاده عن ترحيبها ب"تغيير نبرة المملكة العربية السعودية " وأشارت الى أنّه بإمكان البلدين "بدء فصل جديد من التعاون والعمل المشترك لإحلال السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة عبر اتباع موافق بناءة ومناهج مستندة إلى الحوار".
المثير في هذه التطورات على الجبهة الدبلوماسية السعودية ـ الإيرانية انّها تاتي في وقت تشهد فيه عملية التطبيع في العلاقات بين تركيا والسعودية تراجعاً حاداً بالرغم من النيّة الحسنة التي اظهرها الجانب التركي من خلال تأكيده المستمر على اهمّية إقامة علاقات متينة بين أنقرة والرياض بما يخدم مصالح البلدين والعالم الإسلامي. لكن وبخلاف موقف السعودية الإيجابي من إيران، فقد قوبلت المبادرة التركيّة حتى الآن برد فعل سلبي.
من المفارقات أيضاً أنّ عضوان الأحمري، رئيس تحرير إندبندنت عربية التي لديها كذلك نسخة تركية، كان قد قال في تغريدة له مؤخراً تتزامن مع هذه التطورات على مستوى العلاقات السعودية ـ الإيرانية والسعودية ـ التركية أنّ تركيا أخطر على السعودية من إيران.
السعودية قرّرت الأسبوع الماضي المضي قدماً بقرارها إغلاق ثماني مدارس تركية تعمل في المملكة بعد إنتهاء الفصل الحالي. وقامت الرياض كذلك باستكمال الإجراءات لإغلاق المدارس السعودي في أنقرة وإسطنبول. وبموازاة ذلك، لا تزال السلطات السعودية تعرقل دخول البضائع التركية الى المملكة بالرغم من الشكاوى الرسمية بهذا الخصوص علماً أنّ المملكة كانت قد زادت من صادرتها الى تركيا مؤخراً.
ومن المفارقات أيضاً أنّ عضوان الأحمري، رئيس تحرير إندبندنت عربية التي لديها كذلك نسخة تركية، كان قد قال في تغريدة له مؤخراً تتزامن مع هذه التطورات على مستوى العلاقات السعودية ـ الإيرانية والسعودية ـ التركية أنّ تركيا أخطر على السعودية من إيران. الغريب أنّ مثل هذا الكلام يأتي في وقت لا تزال الصواريخ إيرانية الصنع والطائرات من دون طيّار التابعة لجماعة الحوثي المدعوة من الحرس الثوري تستهدف الأراضي السعودية والمصالح الحيوية للمملكة وعلى رأسها صناعة النفط، وهو ما يثير علامات استفهام حول طبيعة هذه الرسائل وأي إتّجاه تمثّل بالتحديد داخل المملكة وخارجها.
أيّاً يكن التفسير، من المهم بمكان متابعة هذه المفاوضات خلا المرحلة المقبلة وما يمكن ان تسفر عنه من تداعيات. من المؤكّد انّ هناك مصلحة جماعيّة الآن في التهدئة وتحقيق الاستقرار في المنطقة، والتركيز على الأمن الاقتصادي والإجتماعي لشعوب المنطقة في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19، لكن سيكون من المثير للإهتمام معرفة نتيجة التحوّلات الحاصلة وتداعياتها على مستوى التحالفات في المنطقة إذا ما قرّرت الرياض في نهاية المطاف ان تستمر في التقارب من إيران والبعد عن تركيا.
Twitter: @Alibakeer
اختلاط المحاور لن يعني انقلابها
الانعطافة الثانية للسياسة الخارجية التركية
لماذا تراوح عملية التطبيع التركية-السعودية مكانها؟